التحرر من التعلق بالدنيا يتطلب التركيز على القيم الروحية وتقوية العلاقة مع الله.
إن من أعظم ما يعلّمه القرآن الكريم للإنسان هو كيف يجب أن يتعامل مع الحياة الدنيا وكيف يمكن أن يؤثر التعلق الزائد بها على روحه. ففي سورة آل عمران، الآية 14، نجد الله عز وجل يتحدث عن الزينة التي تثمرها الحياة الدنيا، حيث يقول: "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۚ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَئَابِ". إن هذه الآية تُظهر لنا كيف أن حب الشهوات والمغريات الدنيوية يُمكن أن يقيد روح الإنسان ويوقعه في فخ الانغماس في الماديات، مما يؤدي إلى إغفال القيم الجوهرية التي تتعلق بالإيمان والآخرة. إن الحياة الدنيوية ليست أكثر من متعة مؤقتة، فالمال والممتلكات والشهرة لا يمكنها أن تغني روح الإنسان عن حاجة ملحيّة إلى القيم العليا والأهداف النبيلة. وبدلاً من التعلق بهذه الشهوات، يتوجب على الإنسان أن يستثمر وقته وطاقاته في بناء علاقته مع الله تعالى. وهذا يتطلب منا الوعي العميق بأن الحياة ليست مجرد متاع بل هي امتحان علينا تجاوزه بما يعود علينا بالفائدة في الآخرة. وبهذا الشأن، تأتي سورة لقمان كتحذير إضافي للناس عن مدى أهمية التقوى والورع، حيث يقول الله تعالى في الآية 33: "يا أيها الناس! اتقوا ربكم واخشوا يوماً لا يجزي والد عن ولده، ولا مولود هو جاز عن والده شيئًا....". هذه الآية تُشدد على القيم الروحية وتأثيرها على المصير الذي ينتظر الإنسان بعد انقضاء حياته في الدنيا. فهي تذكرنا بأن التركيز على الممتلكات والمال قد يلهينا عن الأهم، وهو القيم الأخلاقية والتقوى. إن التعلق بالدنيا قد يؤدي إلى الافتقار إلى السلام الداخلي. ومن أجل تحرير أنفسنا من هذه القيود المادية، يجب علينا إعادة تقييم أولوياتنا وثقافتنا في التعامل مع ممتلكات الحياة. فالسعادة الحقيقية لا تُقاس بمقدار المال الذي نملك أو الشهور التي نحتفظ بها، بل بما نقدمه للآخرين وما ننجزه بشكل يتماشى مع مبادئنا الدينية والإنسانية. ومن الآيات العظيمة أيضاً التي تذكّرنا بضرورة تقوى الله وتحذيرنا من التعلق بالدنيا، نجد في سورة التوبة، الآية 24: "قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ الله وَرَسُولِهِ وَجِهادٍ في سَبيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حتّى يَأْتِيَ الْـلَّهُ بِأَمْرِهِ...". تفرض هذه الآية على المؤمنين أن يحذروا من أي شيء قد يكون أحب إليهم من الله ورسوله، مما يعمق روح التقدير للأمور الروحية على الماديات. إن قيمة الحب الحقيقي تأتي من الاستماع إلى ما يأمرنا به الله والامتثال له، ولذا، يتوجب علينا أن نعمل على تعزيز الروابط الروحية في حياتنا وأن نجعلها أولوية. فعندما يكون لنا انتماء إلى الله وولاء لرسوله، نجد أن وشائج محبة الله تُزيّح الصعاب وتعزز من قيمة وجودنا في هذه الدنيا. كما إن التوجه إلى الجانب الروحي في حياتنا يمكن أن يساهم في تحسين تجربتنا الدنيا. من المهم أن نتفكر ونتأمل في كيفية قضاء أوقاتنا وكيفية توجيه طاقاتنا نحو الأهداف النبيلة. إن علينا أن نكون نوعًا من البشر الذين يجمعون بين الحياة الروحية والدنيوية، وذلك من خلال التوازن بين تعاملنا مع الدنيا وبين التزامنا بالقيم الإنسانية. في النهاية، يمكن أن يؤدي التركيز على علاقتنا مع الله وأداء واجباتنا إلى تحريرنا من التعلق بالدنيا. عندما نستشعر قرب الله، نجد قلوبنا تكتسب سكينةً ومودة تجاه الآخرين، مما يضيف ثراءً حقيقيًا إلى حياتنا. والارتباط الروحي يُعزز من مرونة النفس ويُحفزها على مواجهة تحديات الحياة بصلابة وثقة. لذا، يجب أن نسعى جاهدين لعدم الانغماس في المتع الزائلة، بل أن نعين أنفسنا على السعي نحو الأبدية من خلال الأعمال الصالحة والتقرب إلى الله، فهو سبحانه وتعالى هو الغني والرازق، وعلينا أن نكون آملين في رحمته ومغفرته.
في يوم من الأيام، كان علي جالسًا في بستانه يتأمل في الفواكه الطازجة والجميلة. لكنه تذكر آيات القرآن وأدرك أن الكثير من هذه الجماليات زائلة. قرر أن يقضي المزيد من الوقت في العبادة والتقرب إلى الله دون أن يهمل محبة عائلته. بهذه الطريقة، اكتشف أن الحياة الحقيقية تكمن في الاتصال بالله والعلاقات الطيبة مع الناس.