يصف القرآن الزوج الصالح بأنه شخص ذو إيمان وأخلاق حسنة ووفاء ومسؤولية، يكون مصدر سكينة ومودة في الحياة الزوجية. هذه الصفات ضرورية ومتكاملة لكلا الجنسين، الرجل والمرأة.
في القرآن الكريم، الذي هو كتاب الهدى والنور للبشرية جمعاء، ويقدم مخططًا شاملاً لبناء حياة صحية وسعيدة، تحتل مؤسسة الزواج المقدسة مكانة لا مثيل لها. الزواج، في الإسلام، ليس مجرد عقد اجتماعي، بل هو ميثاق إلهي عميق (ميثاق غليظ) يهدف إلى إحلال السكينة والمودة والرحمة بين شخصين. يوضح القرآن الكريم بدقة صفات وخصائص عديدة ينبغي أن يتمتع بها الزوج أو الزوجة الصالحة (تنطبق على كل من الرجل والمرأة)، والتي لا تسهم فقط في قوة واستقرار الوحدة الأسرية، بل تمهد الطريق للرقي الروحي والمعنوي لكلا الشريكين. من منظور قرآني، هذه العلاقة هي بطبيعتها متبادلة وثنائية، حيث يتحمل كلا الطرفين مسؤوليات وحقوق، ويؤمران بالسعي لنمو وتكامل أحدهما الآخر. **1. الإيمان والتقوى:** ربما تكون أهم وأساس صفة للزوج الصالح هي الإيمان العميق بالله والشعور العميق بالتقوى (الوعي بالله). الزوج أو الزوجة المؤمنة والتقية تبني حياتها بأكملها على المبادئ والقيم الإلهية. وهذا الإيمان الثابت يمنحها القوة لمقاومة الإغراءات، وتحمل الصعوبات بصبر، والتعبير عن الشكر في أوقات اليسر. الإيمان بالله لا يحسن سلوك الفرد تجاه شريكه فحسب، بل يلعب أيضًا دورًا حاسمًا في تربية الأبناء، حيث يكون الوالدان التقيان قدوة حية لأبنائهما. يؤكد القرآن الكريم، في سورة النور، الآية 26، على مبدأ أساسي: "الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ۖ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ" (الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات). تؤكد هذه الآية على الأهمية القصوى للتوافق الروحي والأخلاقي في الإيمان والنقاء، مما يشير إلى أنه لنجاح الزواج، يجب أن يكون الزوجان على مستوى روحي وأخلاقي مماثل. وهذا التّقوى بالذات هو الذي يؤدي إلى المراعاة الدقيقة للحقوق المتبادلة، وتجنب الظلم والجور، والسعي المستمر لرضا الله في جميع جوانب الحياة المشتركة. الزوج الذي يضع الله نصب عينيه، سيكون وفيًا، أمينًا، ورحيمًا، في السر والعلن. **2. المودة والرحمة:** يحدد القرآن "السكينة" (الطمأنينة أو راحة البال) كهدف أساسي للزواج، ويعرف "المودة" (الحب العميق والمودة) و"الرحمة" (الشفقة العملية واللطف والعفو) كثمار ومظاهر لهذه السكينة. في سورة الروم، الآية 21، يقول تعالى: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون). المودة تعني الحب العميق والصداقة القلبية، بينما الرحمة تدل على اللطف العملي والتعاطف والتسامح. الزوج الصالح هو الذي ينمي هاتين الصفتين في نفسه ويحب شريكه بكل وجوده، ويظهر له اللطف والرحمة في الشدائد والنقص. هذه المودة والرحمة الإلهية تخلق رابطة لا تنفصم بين الزوجين، والتي، حتى عند مواجهة التحديات والخلافات، تمنع انهيار العلاقة وتوفر مساحة للتفاهم المتبادل وحل النزاعات. **3. حسن الخلق وحسن المعاشرة:** يؤكد القرآن مرارًا وتكرارًا على ضرورة التحلي بحسن الخلق ومعاملة الآخرين بلطف. هذه الصفة ضرورية لكلا الزوجين، ولكنها مفروضة بوضوح على الرجال في سورة النساء، الآية 19: "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ" (وعاشروهن بالمعروف). "المعروف" هنا يعني السلوك الصالح، اللائق، العادل، والمحترم، كما يراه العرف والشريعة حسناً. الزوج الصالح هو من يحافظ على الاحترام المتبادل في كلامه ونظره وأفعاله. يمتنع عن الإهانات، والسخرية، والإذلال، وأي شكل من أشكال الإيذاء اللفظي أو العاطفي. في مواجهة أخطاء شريكه وزلاته، يمارس الصبر والتسامح، وإذا لزم الأمر التصحيح، يقدمه بحكمة ولطف. إن هذا الخلق الحسن هو الذي يحول المنزل من ساحة معركة محتملة إلى ملاذ آمن مليء بالسكينة، مكانًا يمكن لكلا الطرفين أن يزدهرا فيه ويصلا إلى أقصى إمكاناتهما. **4. الوفاء والأمانة:** الوفاء والأمانة هما من الركائز الأساسية لزواج ناجح. يصف القرآن، عند الحديث عن النساء الصالحات في سورة النساء، الآية 34، بقوله: "فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ" (فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله). يشمل هذا "الحفظ في الغيب" صون الشرف، وأسرار الحياة الزوجية، وممتلكات الشريك والأبناء، والالتزام المطلق بعهد الزواج. الزوج الصالح هو من يحافظ على قدسية الأسرة وقيمها المشتركة في غياب شريكه بنفس القدر من العناية كما لو كان حاضرًا. هذه الصفة تبني الثقة المتبادلة، وهي حيوية لبقاء العلاقة الزوجية وازدهارها. فالخيانة، والكذب، والتكتم، تقضي على أسس الثقة ويمكن أن تؤدي بسرعة إلى انهيار العلاقة. **5. المسؤولية والالتزام:** تستلزم الحياة المشتركة قبول المسؤوليات المتبادلة والالتزام بأداء الأدوار الموكلة. يؤكد القرآن على الحقوق والواجبات المتبادلة للزوجين. ففي سورة البقرة، الآية 228، جاء: "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ۚ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ" (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف وللرجال عليهن درجة). الزوج الصالح يدرك تمامًا مسؤولياته تجاه شريكه وأولاده وعائلته، ولا يقصر في أدائها. وتشمل هذه المسؤولية الدعم العاطفي والمالي (من جانب الرجل)، وتربية الأطفال، وإدارة شؤون المنزل. الالتزام بهذه المسؤوليات يرسخ أساس وحدة أسرية قوية ويزرع شعوراً بالأمان والاستقرار. علاوة على ذلك، يعني هذا الالتزام التمسك الثابت بعهد الزواج، حتى في الظروف الصعبة وغير المواتية. **6. الصبر والتسامح:** لا توجد حياة تخلو من التحديات، والخلافات الطفيفة أو المشاكل الكبيرة هي جزء لا يتجزأ من رحلة الحياة المشتركة. الزوج الصالح هو الذي يظهر الصبر والتسامح في مواجهة الصعوبات والنواقص والخلافات. ينصح القرآن، في سورة النساء، الآية 19، الرجال بأنه حتى لو شعروا بالضيق من زوجاتهم، فعليهم أن يعاملوهن بلطف وأن يتحلوا بالصبر، لأن: "فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا" (فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئًا ويجعل الله فيه خيرًا كثيرًا). هذا المبدأ من الصبر ورؤية الجانب الإيجابي أمر حاسم لكلا الطرفين في العلاقة الزوجية. الزوج الصبور يحول الأزمات إلى فرص، ويجد الحلول بهدوء ومنطق. **7. التعاون والرفقة:** يشبه القرآن الكريم العلاقة بين الزوجين باللباس الذي يرتديه أحدهما للآخر (سورة البقرة، الآية 187: "هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ"). يوضح هذا الاستعارة الرائعة أن الزوج الصالح ليس مجرد شريك حياة، بل هو داعم، وساتر للعيوب، ومكمل. يشارك في الأفراح والأحزان، ويشجع في النجاحات، ويواسي في الإخفاقات. هذا التعاون والرفقة هما اللذان يمكّنان الزوجين من التغلب على الصعوبات معًا، وتحقيق الأهداف المشتركة، وتجربة شعور عميق بالوحدة والتفاهم. هذا الدعم المتبادل يشكل أساس فريق قوي داخل الأسرة. **8. العفة والطهارة:** الحفاظ على العفة والطهارة هو مبدأ أساسي في القرآن، ليس فقط للنساء ولكن للرجال أيضًا، ويشكل ركيزة الأسرة السليمة والملتزمة. يشدد القرآن بقوة على حفظ الفروج (العفة) لكل من الرجال والنساء المؤمنين. الزوج الصالح هو الذي يكون عفيفًا ونقيًا فيما يتعلق بحرمة أسرته ومجتمعه، ويمتنع عن أي سلوك يتعارض مع هذا المبدأ. تضمن هذه الصفة الأمن النفسي والأخلاقي داخل الأسرة وتمنع انتشار الفساد والتسيب. في الختام، يصف القرآن الكريم الزوج الصالح بأنه فرد يتمتع بإيمان عميق وتقوى إلهية، يتجلى هذا الإيمان في جميع جوانب حياته، بما في ذلك الأخلاق الحميدة، والوفاء، والأمانة، والمسؤولية، والصبر والتسامح، والتعاون، والعفة. هذه الصفات متبادلة، ويجب على كلا الطرفين في العلاقة السعي لاكتسابها وتقويتها لتكون أسس الأسرة مبنية على دعائم إلهية متينة، ويسود فيها السكينة والسعادة الحقيقية. إن اختيار الشريك بناءً على هذه المبادئ العميقة لا يضمن السعادة والراحة في هذه الدنيا فحسب، بل يمهد الطريق للنجاح في الآخرة أيضًا، حيث ييسر الزواج نمو الإنسان وكماله، ويساعده على الثبات على درب العبودية والقرب من الله.
ذات يوم، قال شاب للشيخ سعدي: "يا شيخ، أعتزم الزواج وقد حرت في اختيار الزوجة بين الجمال والثراء والخلق الحسن." فأجاب الشيخ بابتسامة دافئة: "يا بني، اعلم أن جمال الصورة ومال الدنيا زائلان، وفي تقلبات الدهر يذبل الوجه الجميل وتفرغ الخزانة. أما الخلق الحسن والطبع الحميد، فهما كنبع لا يجف أبدًا، ومصباح يدل على الطريق في الظلام. فإن وجدت زوجة تفوق غيرها في التقوى والأدب والصبر، فعدّها كنزًا، فإن مثل هذا الرفيق هو مصدر راحة القلب وسكينة الروح في هذه الدنيا وفي الآخرة. فالبيت الذي يُبنى على أساس التقوى وحسن الخلق لا يهتز برياح البلاء ولا يشيخ بمرور الزمن. الزوجة ذات الخلق الحسن هي عون ومواساة في أوقات الشدة، ومضاعفة للسعادة في أوقات الرخاء. فكم من جمال أفسده سوء الخلق، وكم من عيوب سترها حسن الخلق! فكن حكيمًا وفضّل لؤلؤة الخصال على تراب الذهب." استفاد الشاب من هذه النصيحة الحكيمة، وبحث عن زوجة ذات خلق حسن، وفي النهاية وجد السكينة والسعادة.