يؤكد القرآن على واجبات الوالدين في التربية الأخلاقية والروحية للأبناء، وتلبية احتياجاتهم المادية، وخلق بيئة محبة ورحيمة، وحمايتهم من الانحراف. يجب أن يكون الوالدان قدوة عملية، ويرشدا أبناءهما نحو العلم والتقوى.
في القرآن الكريم، يمكن استنتاج واجبات ومسؤوليات الوالدين تجاه أبنائهم بوضوح من خلال آيات متعددة ومبادئ عامة تتعلق بالأسرة وتربية الأجيال القادمة، على الرغم من أنها قد لا تذكر بشكل مباشر كقائمة محددة. يؤكد القرآن أن الأسرة هي اللبنة الأساسية في بناء المجتمع، وأن الوالدين يضطلعان بدور محوري في تشكيل شخصية الأبناء وتربيتهم. يمتد هذا الدور إلى ما هو أبعد من مجرد توفير الاحتياجات المادية، ليشمل أبعادًا روحية وأخلاقية واجتماعية عميقة. من أهم واجبات الوالدين من منظور قرآني هي التربية السليمة وتوجيه الأبناء نحو الله والطريق الحق. يبدأ هذا الواجب بالتركيز على التوحيد والابتعاد عن الشرك. تُعد قصة لقمان الحكيم في سورة لقمان مثالاً بارزًا على هذا الواجب. ينصح لقمان ابنه ألا يشرك بالله أبدًا، لأن الشرك ظلم عظيم. هذا يدل على أن أول درس ينبغي على الوالدين تقديمه هو عن وحدانية الله والإيمان به. علاوة على ذلك، يذكّر لقمان ابنه بإقامة الصلاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على ما يصيبه. تقدم هذه النصائح صورة شاملة للتربية الدينية والأخلاقية التي يجب على الوالدين توفيرها. ويشدد القرآن أيضًا على مسؤولية الوالدين في حماية أبنائهم من نار جهنم. في سورة التحريم، الآية 6، نقرأ: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا...". هذه الآية توضح بجلاء مسؤولية الوالدين في التربية الدينية والأخلاقية لأبنائهم لإنقاذهم من الانحراف والفساد ووضعهم على طريق الهداية. حماية الأسرة من نار جهنم تعني التعليم الصحيح، وتوفير بيئة صحية، والتشجيع على العمل الصالح. توفير الرزق والاحتياجات المادية للأبناء هو أيضًا من واجبات الوالدين المهمة. على الرغم من أن القرآن لا يتطرق مباشرة إلى التفاصيل المالية، إلا أنه يؤكد في آيات مختلفة على ضرورة الإنفاق وتوفير احتياجات الأسرة. على سبيل المثال، في الآية 233 من سورة البقرة، يتحدث عن واجب الأم في الرضاعة وواجب الأب في توفير الطعام والكسوة لها وللطفل بالمعروف. هذه الآية تشير ضمنيًا إلى مسؤولية الأب في توفير لقمة العيش للأسرة والأبناء. ويجب أن يكون هذا التوفير بحيث تحفظ كرامة الأسرة ويشعر الأبناء بالأمان والكفاية. إضافة إلى ذلك، يجب على الوالدين توفير بيئة مليئة بالحب والرحمة والعطف لأبنائهم. يؤكد القرآن الكريم مرارًا وتكرارًا على الرحمة والمودة في العلاقات الأسرية. يجب أن تكون بيئة الأسرة مكانًا للنمو العاطفي والنفسي للأبناء، حيث يشعرون بالأمان، والمحبة، والقيمة. تتجلى هذه الشفقة واللطف ليس فقط في التفاعلات اليومية ولكن أيضًا في التعامل مع أخطاء الأبناء؛ يجب على الوالدين التوجيه بحكمة وتفهم، وليس بالقسوة أو الرفض. تعليم الأبناء وتنشئتهم من واجبات الوالدين المهمة أيضًا. يشمل هذا التعليم تعلم القرآن، والأحكام الدينية، وكذلك العلوم والمهارات المفيدة للحياة. لقد أولى القرآن الكريم دائمًا أهمية للتفكير، والتعقل، واكتساب العلم. يجب على الوالدين توجيه أبنائهم نحو المعرفة والحكمة حتى يتمكنوا من أداء دور بناء في المجتمع وبناء حياتهم على أساس الفهم والبصيرة. أخيرًا، يجب أن يكون الوالدان قدوة عملية لأبنائهما. يؤثر سلوك الوالدين وأفعالهما على الأبناء أكثر من أقوالهما. القرآن الذي يأمر المؤمنين بأفضل القول والفعل، يطبق هذا المبدأ على الوالدين أيضًا. إذا لم يعمل الوالدان بما يقولان، فلا يمكنهما أن يتوقعا أن يتبعهما أبناؤهما. لذلك، فإن التقوى، والصدق، والعدل، ومراعاة حقوق الآخرين في حياة الوالدين، هي أفضل درس عملي للأبناء. باختصار، يمكن تصنيف واجبات الوالدين في القرآن الكريم ضمن المحاور التالية: التربية الإيمانية والأخلاقية (الواجب الأهم)، حماية الأبناء من الضلال والانحراف (في الدنيا والآخرة)، توفير الاحتياجات المادية وتأمين حياة كريمة، خلق بيئة مليئة بالحب والرحمة، التشجيع على طلب العلم والنمو الفكري، وأخيرًا، أداء دور القدوة العملية للأبناء. هذه الواجبات هي أمانة إلهية أوكلت للوالدين، وقد رُصد أجر عظيم في الدنيا والآخرة لمن يؤديها على أكمل وجه.
يُروى في گلستان سعدي أن ملكًا كان له ابن جاهل ومتمرد. ذات يوم، قال لحكيم: «ماذا أفعل مع هذا الابن الذي لا يقبل النصيحة ولا يتعلم الأدب؟» ابتسم الحكيم وقال: «أيها الملك، إذا لم تُزرع البذرة في تربة جيدة من البداية، فلن تصبح شجرة مثمرة أبدًا. والطفل كذلك. إذا لم تزرع بذور الأدب والمعرفة في قلبه في الطفولة، فلا تتوقع منه ثمرة الصلاح والاستقامة في الكبر. التربية مثل بناء أساس؛ يجب تقوية الأعمدة من البداية حتى لا ينهار السقف.» تذكرنا هذه القصة بلطف أن الواجب الأساسي للوالدين، منذ البداية، هو زرع البذور الطيبة وسقيها بالحب والحكمة، لتنمو منها فروع مثمرة من الأدب والدين.