هل يقدم القرآن توصيات بشأن اختيار الزوج/الزوجة؟

القرآن يؤكد في اختيار الشريك على التقوى والإيمان والطهارة والتوافق الأخلاقي، ليكون الزواج مصدر سكينة ومودة ورحمة، لا على المظاهر المادية.

إجابة القرآن

هل يقدم القرآن توصيات بشأن اختيار الزوج/الزوجة؟

في الخطاب الإلهي، القرآن الكريم، يتم تناول أساس الزواج واختيار الشريك كأحد أهم أركان الحياة الفردية والاجتماعية، بنهج عميق وشامل. على الرغم من أن القرآن لا يقدم قائمة دقيقة بالصفات الجسدية أو المادية لاختيار الشريك، إلا أنه يحدد مبادئ ومعايير أساسية تشكل أساس حياة زوجية مستقرة وهادئة وروحية. هذه التوصيات، بدلاً من التركيز على المظاهر أو الثروة، تقوم على القيم الأخلاقية والروحية والإنسانية، موجهة الفرد نحو السعادة الحقيقية. أهم وأساسي توصية يقدمها القرآن الكريم فيما يتعلق باختيار الشريك هو المعيار المتجذر في التقوى والإيمان. في سورة النور، الآية 26، يقول الله تعالى: "الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ ۖ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ". هذه الآية تؤكد بوضوح على مبدأ التوافق والتجانس في طهارة النفس والصفات الأخلاقية. هذا يعني أنه عند اختيار الشريك، يجب البحث عن شخص يتناسب معنا من حيث الأخلاق والروحانية والعقيدة. الإيمان والتقوى لا يضمنان فقط احترام الحقوق المتبادلة، بل يوفران أيضًا أساسًا لتربية أطفال صالحين وخلق بيئة هادئة ومباركة في المنزل. عندما يتحرك الزوجان على نفس الموجة الفكرية والروحية، يتعمق الفهم المتبادل وتُحل التحديات بنهج مشترك. بالإضافة إلى ذلك، ينهى القرآن صراحة عن الزواج من المشركين ويعتبر الإيمان شرطًا أساسيًا لتكوين الأسرة. في سورة البقرة، الآية 221، جاء: "وَلَا تَنكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّىٰ يُؤْمِنَّ ۚ وَلَأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ ۗ وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا ۚ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ..." هذه الآية تبين أن الاتفاق على المبادئ العقائدية هو عمود فقري مهم للحياة المشتركة. يمكن أن تؤدي الاختلافات الجوهرية في المعتقدات إلى نزاعات عميقة وغير قابلة للحل، لأنها تؤثر كليًا على قيم الحياة وأولوياتها. الزواج المبني على الإيمان المشترك يسعى لتحقيق أهداف أسمى ويمكن أن يساهم في النمو الروحي لكلا الطرفين. يحدد القرآن أيضًا الغرض من الزواج بأنه "سكينة" و"مودة ورحمة". في سورة الروم، الآية 21، يقول: "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ". هذه الآية تبين أن الغرض من الزواج هو خلق السكينة والمحبة والرحمة المتبادلة. لذلك، عند اختيار الشريك، يجب أن نبحث عن شخص يمكنه جلب هذه السكينة إلى حياتنا ولديه القدرة على تعزيز المودة والرحمة. غالبًا ما توجد هذه الصفات في الأفراد ذوي الأخلاق الحسنة، الذين يتحلون بالتسامح والصبر والثقافة. اختيار شريك يجلب راحة البال والطمأنينة الروحية أهم بكثير من الجاذبية العابرة. المودة والرحمة هما الأساسان اللذان يجعلان العلاقة الزوجية صامدة أمام عواصف الحياة. علاوة على ذلك، على الرغم من أن القرآن لم يتناول الجوانب المادية أو الجسدية مباشرة، إلا أن سنة وسيرة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، المستمدة من روح القرآن، قد طرحت معايير مثل الشرف العائلي والقدرة المالية (للرجل)، والتي تندرج جميعها تحت مظلة الإيمان والأخلاق. قال النبي (صلى الله عليه وسلم): "تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك". هذا الحديث الشريف يضع الدين كأهم معيار، مع التأكيد على أن المعايير الأخرى مثل الجمال والثروة تصبح ذات قيمة أكبر إذا كانت مصحوبة بالدين، ولكنها لا تملك قيمة بمفردها إذا غاب الدين. فالجمال والمال زائلان، بينما التقوى وحسن الخلق هما ما يدومان ويحافظان على حلاوة الحياة بمرور الوقت. في الختام، اختيار الشريك في القرآن ليس اختيارًا شخصيًا بحتًا، بل هو قرار يتم اتخاذه بناءً على بصيرة ومع مراعاة الأهداف الإلهية السامية للحياة المشتركة، أي تحقيق السكينة، والتكامل الروحي، وتربية جيل صالح. يطلب القرآن من الإنسان أن يعطي الأولوية للجوانب الروحية والأخلاقية في هذا الاختيار وأن يتجنب الخداع بالمظاهر والرغبات العابرة. هذا الاختيار هو أساس مجتمع صحي وعائلة سعيدة، حيث يتعاون الزوجان ويتآزران للتحرك نحو الكمال ويساعدان بعضهما البعض في طريق عبادة الله. لذا، باختصار، يؤكد القرآن على اختيار شريك يتوافق مع الفرد من حيث الإيمان والتقوى وحسن الخلق لتأسيس أسرة على المودة والرحمة والسكينة.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أنه في الأزمان الغابرة، كان هناك شاب حكيم وتقي يُدعى فريدون، وكان ينوي الزواج. تقدم إليه الكثير من الفتيات الجميلات والثريات، لكن فريدون لم يتعجل في اختياره. لامه أصدقاؤه على عدم اهتمامه بالمال والجمال، وقالوا: "ربما تكون فتاة جميلة وغنية هي حظك السعيد!" ابتسم فريدون وقال: "الجمال والمال، مثل الزهر والماء، يذبلان ويتبخران سريعًا. أما الخُلق الحسن والتقوى، فهما كالجذور التي تُمسك شجرة الحياة بقوة، وتُعطي ثمارًا حلوة من السكينة والسعادة. سمعت من حكيم قال: 'الشجرة التي لا تثمر خيرًا، ولو كانت عالية وخضراء، لا فائدة منها.' فاختار فريدون فتاة لم تكن تملك فضة ولا ذهبًا، ولا جمالًا لا مثيل له، لكنها كانت تملك قلبًا مضيئًا بالإيمان وخلقًا حسنًا. ضحك عليه أصدقاؤه. ولكن مرت السنوات، ومع مرور الأيام، ضاعت الأموال، وذبل الجمال مع التقدم في العمر، لكن فريدون وزوجته عاشا معًا بسلام ومودة، وكان بيتهما دائمًا مليئًا بالنور والبركة. وهكذا، قال فريدون لأصدقائه: "هل تفهمون الآن أي اختيار كان أكثر دوامًا وبركة؟"

الأسئلة ذات الصلة