لزيادة الوقت المخصص للصلاة، يجب أن ندرك مكانتها كعمود للطمانينة وأداة لتطهير الروح، وأن نعطيها الأولوية على شؤون الدنيا. كما ينبغي المداومة على ذكر الله وتحسين جودة حضور القلب في الصلاة لتصبح حاجة داخلية.
الصلاة، عمود الدين ومعراج المؤمن، فرصة لا مثيل لها للتواصل المباشر مع خالق الكون. ولكن في عالم اليوم الصاخب المليء بالانشغالات، يواجه الكثير منا تحدي "تخصيص الوقت" لهذه الفريضة الهامة. القرآن الكريم، وإن لم يعلمنا مباشرة "إدارة الوقت" للصلاة بالمعنى الحديث، إلا أنه من خلال تأكيده على أهمية الصلاة ومكانتها في حياة المؤمن، يقدم حلولًا عميقة وأساسية تقودنا بشكل طبيعي نحو تخصيص وقت كافٍ وذي جودة للصلاة. أول وأهم نقطة يؤكد عليها القرآن هي المكانة الرفيعة للصلاة كفريضة إلهية ووسيلة للاستعانة والطمأنينة. ففي سورة البقرة، الآية 153، يقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ". هذه الآية تبين أن الصلاة ليست مجرد تكليف، بل هي مصدر قوة وطمأنينة في مواجهة مصاعب الحياة. عندما يصل الإنسان إلى هذا الاعتقاد العميق بأن الصلاة هي ملجأه ومعينه، فإنه لم يعد يراها عبئًا، بل يتوق إليها ويخصص لها الوقت بكل رغبة. هذا الفهم هو الخطوة الأولى لإنشاء دافع داخلي لتخصيص الوقت للصلاة. الصلاة هنا لا تُقدم كعمل ميكانيكي بحت، بل كعمود متين لدعم حياة الإنسان بأكملها. ومن يدرك القيمة الحقيقية لهذا العمود، فإنه سيضعه في أولوية اهتماماته بشكل طبيعي، وينظم جدول حياته بناءً عليه. هذا الإدراك العميق يحول الصلاة من مجرد واجب إلى فرصة ثمينة للتغذية الروحية والإرشاد الإلهي، فرصة يجب على كل مؤمن أن يستقبلها بقلبه وروحه ويوفر لها الوقت اللازم. النقطة الثانية، هي التذكير الدائم بأهمية الصلاة ودورها في تطهير النفس والروح. ففي سورة العنكبوت، الآية 45، نقرأ: "اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ۗ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ". هذه الآية توضح بجلاء أن الصلاة لها دور تربوي ومانع من الفحشاء والمنكر. عندما يدرك الإنسان هذه الحقيقة، وهي أن الصلاة أداة قوية لحفظه من الزلات ودفعه نحو الفضائل، فإنه لن يتغافل عنها بسهولة. هذا المنظور يحول الصلاة من مجرد عمل عبادي إلى جزء حيوي للصحة النفسية والروحية، ويدفع الإنسان لتهيئة وقته لمثل هذا الاستثمار القيم. هذا التطهير المستمر الذي يتم من خلال الصلاة يشبه الماء الذي يغسل القلب ويزيل عنه صدأ الذنوب. فهم هذه الفائدة الحيوية يؤدي إلى رغبة أكبر في الحضور المستمر وذي الجودة في الصلاة، ويدفع الشخص إلى إزالة العقبات الزمنية من طريقه. الحل الثالث، هو تحديد الأولويات الذي يشير إليه القرآن بشكل ضمني وأحيانًا صريح. ففي سورة الجمعة، الآية 9، يأمر الله المؤمنين: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَىٰ ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ". هذه الآية تتحدث بشكل خاص عن صلاة الجمعة، ولكن رسالتها العامة حول تحديد الأولويات واضحة: عندما يُرفع النداء الإلهي للصلاة، يجب ترك حتى الأعمال الدنيوية المهمة مثل التجارة. هذا يبين أنه في التقاء الأمور الدنيوية والأخروية، يجب أن تكون الأعمال الإلهية والعبادية هي المتفوقة. لتخصيص وقت أكبر للصلاة، يجب أن نغير عقليتنا بأن الصلاة ليست انقطاعًا، بل هي محور يجب أن تتنظم حوله الأنشطة الأخرى. إذا جعلنا الصلاة مركزًا، حددنا أوقاتها مسبقًا ونظمنا برامجنا الأخرى وفقًا لها، وليس العكس. هذا التغيير في تحديد الأولويات والتخطيط لا يساعدنا فقط على تخصيص وقت أطول للصلاة، بل يجلب البركة والنظام إلى جوانب أخرى من حياتنا، ويمنح شعوراً عميقاً بالسكينة. رابعاً، الاستمرارية والمداومة على ذكر الله. فرغم أن الصلاة هي أكبر الذكر، إلا أن القرآن يوصي بذكر الله بشكل أعم وأكثر استمرارية. ففي سورة الرعد، الآية 28، جاء: "الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ". عندما يكون ذكر الله جاريًا في قلب الإنسان، فإنه دائمًا في اتصال بربه. هذا التذكير الدائم يجعل وقت الصلاة لا يبدو له أمرًا غريبًا أو مفروضًا، بل يتحرك بشكل طبيعي وبشوق نحو الصلاة التي هي ذروة الذكر والتوجه إلى الله. من اطمأن قلبه بذكر الله، فإنه متعطش لفرص أكثر للذكر، بما في ذلك الصلاة. هذه المداومة على الذكر تسبب في تحويل الصلاة من مجرد عادة إلى حاجة قلبية، ونتيجة لذلك، يخصص الإنسان لها وقتًا واهتمامًا أكبر بشكل لا إرادي. توفر هذه الحالة اتصالًا دائمًا بمصدر الوجود، مما يزيد في النهاية من جودة وكمية الوقت المخصص للصلاة، وينظم الحياة في نور الذكر الإلهي. خامساً، حضور القلب وجودة الصلاة. يؤكد القرآن على "إقامة الصلاة"، وليس مجرد أدائها. إقامة الصلاة تعني أداءها كاملة بكل شروطها وآدابها الظاهرية والباطنية، بما في ذلك حضور القلب. على الرغم من أن هذا لا يرتبط مباشرة بـ"تخصيص الوقت"، إلا أنه عندما ترتفع جودة الصلاة ويستمتع الإنسان بلذتها الروحية، تزداد رغبته في تكرارها وإطالتها. هذه الجودة هي نتيجة التعمق في مفهوم الصلاة والفهم الحقيقي للاتصال بالله. الإنسان الذي يصلي بحضور قلب يجد فيها طمأنينة وبركة تدفعه إلى تخصيص وقت أطول، وربما حتى لأوقات النوافل والسنن المستحبة. بعبارة أخرى، زيادة الجودة تؤدي إلى زيادة الكمية والرغبة الداخلية، وتحول الصلاة إلى نشاط محبوب وممتع يسعى الإنسان لفرص إضافية لأدائه. في الختام، لكي نتمكن من تخصيص وقت أطول للصلاة، يجب أن نحول هذه الفريضة من مجرد "واجب" إلى "حاجة داخلية". فالقرآن، من خلال بيانه لفلسفة الصلاة وفوائدها ومكانتها في حياة المؤمن، يرشدنا إلى هذا الاتجاه. بفهم أن الصلاة هي عماد الطمأنينة، ومطهرة للذنوب، ووسيلة للاستعانة الإلهية، وبتفضيلها على أمور الدنيا، وأيضًا بالمداومة على ذكر الله، يمكننا بشكل طبيعي وبحب وشوق أكبر، أن نكرس وقتنا لهذا الاتصال الهادف مع الرب. هذا لا يعني فقط تنظيم الجدول اليومي، بل الأهم من ذلك، تنظيم وإصلاح القلب والنية. عندما ينصب قلبنا وعقلنا على الصلاة، فإن إيجاد وتخصيص الوقت لها لن يكون تحديًا، بل سيتحول إلى أحلى لحظات اليوم. هذا الالتزام القلبي والداخلي هو الذي يمهد الطريق لتخصيص وقت كافٍ وذو جودة للصلاة، ويجعلها جزءًا لا يتجزأ من كياننا، ويجلب البركة إلى جميع جوانب الحياة.
ذات مرة، مرّ تاجر ثري، كان دائم الانشغال بالتجارة وجمع الثروات، بدرويش متواضع كان يجلس بهدوء، مستغرقاً في الصلاة والتأمل. تنهد التاجر، الذي كان دائم القلق بشأن ضيق وقته وزيادة مسؤولياته، وقال للدرويش: "ما أسعدك أيها الرجل الصالح، لك كل هذا الوقت اللامتناهي للعبادة! أيامي تستغرقها متطلبات السوق وأعباء الثروة؛ وبالكاد أجد لحظة لروحي." ابتسم الدرويش بلطف وأجاب: "يا صديقي العزيز، الوقت لا يُعطى، بل يُؤخذ. ثروتي تكمن في اللحظات التي أخصصها لخالقي، فهي تجلب لي سلامًا لا يمكن أن يقدمه أي سوق، وربحًا لا يتناقص أبدًا. ربما لو وجدت السلام في قلبك، لاكتشفت الوقت في أيامك." على الرغم من دهشة التاجر في البداية، إلا أنه تأمل في كلمات الدرويش. أدرك أن الأمر لم يكن نقصًا في الوقت، بل سوء وضع الأولويات وطبيعة قلبه المضطربة هي التي منعته من الطمأنينة التي كان يبحث عنها. من ذلك اليوم، بدأ يقصد تخصيص لحظات للتأمل والصلاة، وسرعان ما وجد أن قلبه أصبح أخف وأن وقته أكثر بركة، حتى في خضم حياته المزدحمة.