لماذا يدعو بعض الناس ولا يعملون؟

في الإسلام، الدعاء والعمل الصالح وجهان لعملة واحدة. الدعاء وحده لا يكفي دون جهد، فالقرآن يؤكد على ضرورة العمل والتغيير الداخلي لتحقيق الأهداف، والتوكل الحقيقي يشمل السعي ثم تفويض الأمر لله.

إجابة القرآن

لماذا يدعو بعض الناس ولا يعملون؟

في المنهج الإسلامي الشامل والمتكامل، يعتبر الدعاء والعمل الصالح جناحين لا ينفصلان لتحقيق الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة. يؤكد القرآن الكريم مرارًا وتكرارًا على العلاقة الوثيقة بين الإيمان والعمل الصالح. والسؤال عن سبب دعاء بعض الناس دون أن يقترن ذلك بالعمل، له جذور متعددة يمكن استكشافها من منظور التعاليم القرآنية والمبادئ الإسلامية. الإسلام بطبيعته دين شامل لا يقتصر على العلاقة الروحية بالخالق فحسب، بل يوضح كذلك مسؤوليات الإنسان تجاه نفسه ومجتمعه وبيئته. الدعاء وسيلة قوية لطلب العون والهداية والبركة من الله، لكنه ليس بديلاً أبدًا عن الجهد والسعي واستغلال القدرات التي منحها الله للإنسان. في الواقع، يغرس الدعاء روح الحركة في الإنسان ويهيئه للقيام بالعمل الصالح. من أهم أسباب هذا الخلل في التوازن هو الفهم الخاطئ لمفهوم 'التوكل'. يعتقد البعض أن التوكل على الله يعني التخلي عن أي جهد وانتظار المعجزات، بينما في التعاليم القرآنية والنبوية، يعني التوكل الثقة القلبية بالله بعد بذل قصارى الجهود المشروعة واستخدام جميع الإمكانيات المتاحة. بعبارة أخرى، على الإنسان أن يبذل أقصى جهده ثم يترك النتيجة لله. هذا هو ما أشار إليه النبي الأكرم (صلى الله عليه وسلم) بقوله: "اعقلها وتوكل". بدون العمل، يبقى الدعاء مجرد أمنية لا أساس لها، ولا تثمر وفقًا للسنن الإلهية. يقول الله تعالى في القرآن الكريم: "وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ" (التوبة: 105)؛ أي "قل: اعملوا، فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون". تؤكد هذه الآية صراحة على ضرورة العمل وتبين أن الله تعالى نفسه يرى أعمالنا ويحكم عليها. هذا أمر واضح وصريح يدل على أن الاتصال بالله لا يتم فقط من خلال الدعاء، بل أيضًا من خلال العمل. إنها شهادة على الطبيعة الشاملة للتوجيه الإسلامي الذي يدمج العبادة الروحية مع المشاركة العملية في العالم. قد ينبع السبب الآخر من ضعف الإيمان أو عدم الفهم العميق لطبيعة السنن الإلهية. يوضح القرآن الكريم بجلاء أن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم: "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ" (الرعد: 11). تعلن هذه الآية مبدأً كونيًا وشاملاً يؤكد على المسؤولية الفردية والجماعية للبشر تجاه مصيرهم. الدعاء دون محاولة التغيير يشبه طلب المطر من السماء دون زرع البذور في الأرض. الاعتقاد بأن المشاكل ستحل بمجرد الدعاء هو فهم ناقص للدين يمكن أن يؤدي إلى السلبية واليأس، وفي النهاية إلى التخلي عن المسؤوليات. كثير من الأفراد، عند مواجهة التحديات، يلجأون إلى الدعاء فقط بدلاً من البحث عن حلول عملية أولاً والتحرك نحو حل المشكلة بالتوكل على الله. هذا النهج نادراً ما يحقق نتائج. حتى في أصعب الظروف، يكمن دور الدعاء في منح الشخص السلام والأمل والإرادة للتحرك، لا في إعفائه من الحاجة إلى العمل. إنه بمثابة مرساة روحية توفر القوة ووضوح الهدف، لكن الرحلة المادية لا تزال تتطلب خطوات متعمدة. علاوة على ذلك، أحيانًا تكمن هذه الظاهرة في قصور نفسية مثل الكسل أو الخوف من الفشل أو نقص الثقة بالنفس. قد يتجنب الأفراد المسؤولية ويستخدمون الدعاء كذريعة لتبرير عدم قيامهم بالعمل. هذا يتنافى مع الإيمان الحقيقي الذي يجب أن يؤدي مع الدعاء الصادق إلى الشجاعة والمثابرة والعمل. يقول القرآن الكريم في سورة العصر: "وَالْعَصْرِ ﴿1﴾ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ﴿2﴾ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴿3﴾" (العصر: 1-3). تلخص هذه السورة القصيرة بوضوح خريطة طريق النجاة: الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق، والتواصي بالصبر. العمل الصالح هنا هو العمود الفقري الذي يحول الإيمان إلى حقيقة ملموسة. كل من هذه المكونات يكمل الآخر، وإزالة أحدهما يزعزع البنية بأكملها. الأفراد الذين يكتفون بالدعاء ولا يعملون، قد انحرفوا في الواقع عن هذه الخريطة، ولهذا السبب، يجدون أنفسهم في طريق يصفه القرآن بـ "الخسران" أو الخسارة. قد يؤدون عباداتهم ظاهريًا، ولكن بما أن هذه العبادات لا تؤدي إلى عمل أو تغيير داخلي وخارجي، فإنها تفتقر إلى الأثر الحقيقي والدائم. دعاؤهم، وإن كان صادقًا، يشبه محركًا يعمل دون أن يكون في وضع التعشيق، ينتج صوتًا ولكن لا حركة للأمام. في الختام، يجب التأكيد على أن الإسلام دين التوازن. فلا هو مجرد الاعتماد على الدعاء دون عمل، ولا هو مجرد الاعتماد على العمل دون توكل واتصال بالله. بل إن الدعاء والعمل كلاهما ضروريان ومتلازمان. يمنح الدعاء الطاقة الروحية وينير الطريق، بينما يحقق العمل تلك الطاقة ويسهل المسار. لذلك، فإن من يتوكل على الله حق التوكل ويطلب منه العون، فإنه بفضل هذا التوكل، ينزل إلى ساحة العمل بإرادة أقوى ومثابرة أكبر، ويعلم أن عون الله يصل إلى الذين يسعون في سبيله ولتحقيق الأهداف المشروعة. الفهم الصحيح لهذه العلاقة وتطبيقها في الحياة اليومية هو ما يمكن أن يقود الإنسان إلى النجاح والرضا الإلهي. وبالتالي، فإن الإجابة على هذا السؤال تكمن في ضرورة تكامل الإيمان والتوكل والدعاء والعمل الصالح، وأي نقص في هذه السلسلة يؤدي إلى نتائج غير مرغوبة. لتحقيق أي هدف، سواء كان دنيويًا أو أخرويًا، يجب استخدام جميع القدرات الكامنة والفرص الممنوحة من الله بأفضل طريقة ممكنة، ودمج الدعاء المتضرع مع الجهد الدؤوب.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أنه في زمن من الأزمان، كان هناك درويش يعيش في عزلة ويتجنب العمل والكسب، قائلاً: "الله هو الرازق، وهو يرزق جميع المخلوقات." في يوم من الأيام، مر عليه رجل حكيم وقال: "يا صاحبي، لماذا تجلس عاطلاً؟ ألم تسمع قول رسول الله: 'أفضل الرزق ما اكتسبته بيدك؟'" فأجاب الدرويش: "لقد توكلت على الله الذي يرزق جميع الكائنات، وهو سيرزقني أيضًا." ابتسم الرجل الحكيم وقال: "قصتك مثل قصة الفلاح الذي كان يدعو الله بالمطر، لكنه لم يزرع أي بذور في الأرض! كيف تتوقع أن تمطر السماء وينمو محصول بينما لم تتخذ أنت أي خطوة؟ اعلم أن الدعاء بلا عمل كالقوس بلا وتر، لا يمكن إطلاق سهم منه. ومن لا يزرع البذور، سيبقى خالي الوفاض وقت الحصاد. التوكل الحقيقي هو أن تسعى أولاً، ثم تثق بالله." فتعظ الدرويش من كلام الرجل الحكيم، ومنذ ذلك الحين، كان يدعو ويعمل، ورأى كيف تدفقت البركات الإلهية على حياته.

الأسئلة ذات الصلة