كل المسلمين دعاة للدين بنوع ما؛ بشكل أساسي من خلال سلوكهم وأخلاقهم الحسنة (الدعوة بالحال) وبقدر استطاعتهم بكلمات حكيمة. كما أن هناك مجموعة متخصصة تتحمل المسؤولية الرئيسية للتبليغ الرسمي.
في الإجابة على سؤال ما إذا كان يجب علينا جميعًا أن نكون دعاة للدين، يقدم القرآن الكريم وسنة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) إرشادات شاملة تتجاوز مجرد إجابة بـ 'نعم' أو 'لا'. للوهلة الأولى، قد تستحضر كلمة 'مبلغ' أو 'داعية' صورة واعظ رسمي أو شخص مكرس بشكل كامل لنشر الدين. لكن التعاليم الإسلامية تُظهر أن كل مسلم، في جوهره، هو حامل وناقل لرسالة الدين، وإن كان شكل ونطاق هذا الواجب ليس متطابقًا للجميع ويعتمد على القدرات والمعرفة والظروف الفردية. يتحدث القرآن الكريم صراحة عن 'الدعوة إلى سبيل ربك'. تُعد الآية 125 من سورة النحل من أهم الآيات في هذا الصدد، حيث يقول تعالى: "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِی هِیَ أَحْسَنُ". هذه الآية لا تحدد فقط أسلوب الدعوة (الحكمة، والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن)، بل مخاطبها عام يشمل جميع المؤمنين، على الرغم من أن المسؤولية الأساسية والأولوية تقع على عاتق الأنبياء ثم العلماء. لذلك، يمكن ويجب على كل مسلم أن يكون داعية للدين بقدر طاقته وعلمه، ليس بالضرورة بأسلوب الخطيب أو الواعظ العام، بل أساسًا من خلال حياته وعمله. الشكل الأول وربما الأقوى للدعوة والتبليغ هو 'الدعوة بالحال' أو 'الدعوة بالعمل'. عندما يظهر المسلم الأخلاق الحسنة، والصدق، والأمانة، واللطف، والعدل، والصبر، والتسامح في حياته اليومية، فإن هذا بحد ذاته يكون أفضل وسيلة للدعاية للدين. ينظر الناس إلى سلوكنا وأفعالنا أكثر من كلماتنا. كان النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) خير مثال لهذا النوع من الدعوة؛ فكانت حياته وشخصيته أفضل دليل على صدق رسالته. انجذب الكثيرون في البداية بسبب شخصيته النبيلة ثم آمنوا بالرسالة الإلهية. لذا، في كل مرة يتعامل المسلم بصدق في معاملاته، أو يعامل جيرانه بلطف، أو يقف ضد الظلم، فإنه في الحقيقة يبلغ عن دين الإسلام، لأن هذه الأفعال هي انعكاس لتعاليم القرآن. هذه الطريقة من التبليغ، دون الحاجة إلى خطب حماسية أو نقاشات علمية، تؤثر بعمق في قلوب وعقول الناس، وتدفعهم للتفكير في مصدر كل هذا الجمال والخير. شكل آخر من التبليغ هو 'الدعوة بالقول'، ولكن هذا القول يجب أن يكون مصحوبًا بالحكمة والموعظة الحسنة. الحكمة تعني فهم الظروف، ومعرفة المخاطب، واختيار الوقت المناسب، وبيان المسألة بطريقة يفهمها المستمع ويقبلها. الموعظة الحسنة تعني الكلام اللطيف، بدون استخفاف، ومع الشفقة. والجدال بالأحسن يعني النقاش وتبادل الأفكار بمنطق قوي وحجة دامغة، دون إهانة أو إساءة، وبهدف الوصول إلى الحقيقة. هذا يعني أن كل مسلم في تفاعلاته اليومية يمكنه بكلمة طيبة، وبحجة منطقية، وبكل أدب واحترام، أن يجيب على الأسئلة المتعلقة بالدين أو يزيل الشبهات. وهذا الواجب ينبع من مبدأ 'الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر'، وهو من الأصول الأساسية في الإسلام. في حين أن 'الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر' واجب جماعي، فإن طريقة أدائه تختلف لكل فرد؛ فبعضهم يؤديه بقوته، وبعضهم بلسانه، وبعضهم بقلبه (أي بكراهية المنكر بالقلب والميل إلى المعروف). يتطلب هذا النوع من التبليغ اللفظي معرفة أساسية بالدين حتى يتمكن الفرد من نقل الرسالة بشكل صحيح ودون تحريف. بالإضافة إلى ذلك، يقول القرآن في سورة آل عمران، الآية 104: "وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ". هذه الآية تشير إلى أنه بالإضافة إلى الواجب العام، يجب أن تكون هناك مجموعة متخصصة وملتزمة تمتلك المعرفة الكافية لتوجيه وإرشاد الناس. هؤلاء الأفراد هم علماء الدين، والدعاة المتخصصون، وخريجو المعاهد الشرعية الذين يتحملون بشكل خاص مسؤولية الدعوة وشرح الدين. هذا الواجب هو 'فرض كفاية'؛ بمعنى أنه إذا قام عدد كافٍ من الأفراد بهذا العمل، يسقط الواجب عن الآخرين. ولكن إذا لم يقم أحد بهذا الواجب، فسيكون الجميع آثمين. هذا لا يعني أن الآخرين لا يقع عليهم أي واجب، بل يعني أن التخصص والالتزام في هذا المجال يعد واجبًا أثقل وأكثر تخصصًا لمجموعة معينة. هذه المجموعة مسؤولة أيضًا عن البحث والتوضيح والدفاع عن مبادئ الدين، ويجب أن تتناول القضايا برؤية أعمق. لذا، يمكن القول إننا جميعًا نتحمل، بشكل أو بآخر، مسؤولية 'تبليغ الدين'، ولكن ليس بالضرورة أن نكون جميعًا وعاظًا أو خطباء. مسؤوليتنا الأساسية هي أولاً، أن نعمل بتعاليم الدين بأنفسنا ونكون قدوة عملية للآخرين. وهذا يشمل احترام حقوق الآخرين، والمسؤولية الاجتماعية، ونقاء الروح والجسد، والالتزام بالقيم الأخلاقية الإسلامية السامية. وثانيًا، بقدر استطاعتنا وعلمنا، ننقل رسالة الإسلام إلى الآخرين بحكمة وموعظة حسنة، ونجيب على الأسئلة، ونزيل الشبهات. وتشمل هذه المسؤولية كل مسلم في بيئته المنزلية، وعمله، ومجتمعه، وحتى في التفاعلات الدولية. يمكننا أن نكون ممثلين جديرين لديننا من خلال ابتسامة حانية، وكلمة طيبة، وسلوك عادل. الهدف الأساسي للدعوة هو هداية الناس إلى سعادة الدنيا والآخرة، ويجب أن يتم ذلك بنية خالصة لوجه الله، دون إكراه، وباحترام كامل لحرية عقيدة الآخرين. وفي النهاية، الهداية بيد الله، ومهمتنا هي فقط تبليغ الرسالة. هذه المسؤولية هي فرصة لكل مسلم ليكون، من خلال سلوكه وقوله الطيب، نورًا إلهيًا في مسار حياته وحياة الآخرين، وبذلك يؤدي واجبه الإنساني والديني وينال رضا الخالق.
يُروى أن رجلاً جاء ذات يوم إلى الشيخ سعدي وقال: "يا معلم، لقد سعيت لسنوات لأعلم الناس طرق الدين، ولكن يبدو أن كلماتي لا تستقر في قلوبهم." فأجاب الشيخ بابتسامة حانية: "يا فتى، في بستان الحياة، يجب أن تُزرع كل بذرة في وقتها المناسب، وأن تُعتنى بكل زهرة بلطفها الخاص. قبل أن تفتح فمك بالكلام، دع أفعالك تتحدث. إذا كان سلوكك مرآة للصدق والمحبة والعدل، فإن الناس سيأتون إليك بأنفسهم، ولن تكون هناك حاجة للمواعظ الطويلة. مثلما يرعى البستاني شجرة الفاكهة بالماء والنور والتربة الجيدة، ويتوقع ثمارًا طيبة، ولا يصيح يوميًا على الشجرة لتثمر! كذلك أنت، ازرع بذور الأعمال الصالحة واسقها بالأخلاق الحسنة، وسوف ترى أن القلوب تميل إلى الحقيقة بنفسها." أشرقت عينا الرجل عند سماع هذه الكلمات الحكيمة، وأدرك أن أفضل طريقة للتبليغ هي من خلال العيش العملي وفقًا لتعاليم الدين.