هل للنوايا الصغيرة قيمة عند الله؟

نعم، في الإسلام، حتى النية الصغيرة لها قيمة عظيمة؛ فالله يعلم ما في القلوب ويكافئ الأعمال بناءً على إخلاص النية. كل عمل صالح، حتى لو كان بمثقال ذرة، إذا كان بنية خالصة، فإنه محل تقدير ومكافأة من الله، لأنه ينظر إلى القلب والقصد الداخلي للإنسان وليس فقط إلى ظاهر العمل.

إجابة القرآن

هل للنوايا الصغيرة قيمة عند الله؟

في تعاليم القرآن الكريم الغنية والعميقة، يُعد مفهوم النية (النية) وأهمية القلب من المفاهيم الأساسية التي تم التأكيد عليها مراراً وتكراراً. إن الله سبحانه وتعالى، على عكس النظرة السطحية والمادية للبشر، لا ينظر فقط إلى أعمالنا الخارجية وأفعالنا، بل يعلم تماماً ما يدور في أعماق قلوبنا ونياتنا، ويحكم بناءً على ذلك بأفضل وجه. وهذه بشارة عظيمة للمؤمنين، لأنها تدل على أن لا شيء من الخير، حتى لو كان مجرد فكرة أو نية طيبة، يختبئ عن عطف الله ورحمته، ولن يذهب سدى. القرآن الكريم يوضح بجلاء أن الله «عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ»، أي أنه مطلع تماماً على ما تخفيه الصدور والقلوب. وهذه المعرفة الإلهية المطلقة تشمل أدق الأفكار والمشاعر، وبخاصة النوايا التي يضمرها الإنسان في قلبه، حتى لو لم تسنح له الفرصة أو القدرة على تنفيذ تلك النوايا. لذلك، فإن قيمة العمل لا تعتمد فقط على حجمه الظاهري، بل تعتمد بشكل كبير على الإخلاص وصدق النية الكامنة وراءه. فالنية الخالصة لوجه الله، حتى لو كانت لعمل صغير، يمكن أن تكون لها مكافأة أعظم بكثير من عمل كبير بنية غير خالصة. على سبيل المثال، لنفترض أن شخصًا لديه نية صادقة لمساعدة محتاج، ولكنه لا يستطيع تحقيق ذلك بسبب المرض أو الفقر. في نظر الله، هذه النية الصادقة والخيرية بذاتها قيمة ولها أجر. أو شخص يعتزم القيام بعمل صالح ويخطو خطوات نحو تحقيقه، ولكن تظهر فجأة عقبة تمنعه من إتمامه؛ فهذا الشخص سيُجازى عند الله بسبب نيته وجهده. هذا يدل على أن الله لا يرى النتائج فحسب، بل يرى العملية وجذر العمل ويكافئ عليها. سورة الزلزلة، الآيتان 7 و 8، تشيران بوضوح إلى هذه الحقيقة: «فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ، وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ»؛ أي: «فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره.» كلمة «ذرة» هنا تشير إلى أصغر وأقل كمية، وتشمل النوايا الخالصة. هذه الآية تؤكد لنا أن حتى أصغر النوايا الطيبة، التي قد تبدو لنا غير مهمة، لها وزن وقيمة في الميزان الإلهي وسيتم احتسابها يوم القيامة. هذه النظرة تشجع الإنسان على تنقية وتصفية نواياه، لأنه يعلم أن كل فكرة وقصد يحمله في ذهنه هو حاضر عند الله. تتجلى أهمية النية أيضاً في آيات أخرى تؤكد على مفهوم الإخلاص. الإخلاص يعني تطهير النية من أي شائبة غير إلهية، والقيام بالعمل فقط لرضا الله. في سورة البينة، الآية 5، يقول الله تعالى: «وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ»؛ أي: «وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء.» هذه الآية تبين أن حتى العبادات الكبيرة والظاهرية مثل الصلاة والزكاة لا قيمة لها بدون نية خالصة وإخلاص. فإذا كانت العبادة الكبيرة بلا نية خالصة لا قيمة لها، فإن النية الخالصة، حتى لو لم تؤد إلى عمل كبير، فمن المؤكد أن لها قيمة عظيمة. هذا التعليم القرآني يمثل دافعاً قوياً للأفراد لتنقية نواياهم دائمًا عند القيام بالأعمال الخيرية. حتى ابتسامة صغيرة تجاه إنسان آخر، إذا كانت بنية خالصة لرضا الله، يمكن أن تحمل معها مكافأة عظيمة. كلمة مواساة، أو مساعدة بسيطة، أو حتى فكرة إيجابية للآخرين، كلها يمكن أن تكون لها قيمة عالية عند الله. هذه النظرة ترفع عبئاً ثقيلاً عن كاهل أولئك الذين قد لا يملكون القدرة على القيام بأعمال عظيمة، ولكن لديهم قلوباً مليئة بالنوايا الطاهرة. إنهم يعلمون أن الله مقدر حتى لأصغر الإرادات الخيرة. في الختام، يمكن القول إن في مدرسة القرآن، النية هي بمثابة الجذر الذي تنمو عليه شجرة العمل. فإذا كان الجذر نقياً وقوياً، فإن ثمارها ستكون نقية ومباركة، حتى لو بدت الشجرة صغيرة ظاهرياً. إن الله ينظر إلى عمق وجود الإنسان ودوافعه الحقيقية ويكافئ على أساسها. هذا المبدأ باعث للأمل ومحمل بالمسؤولية في آن واحد؛ باعث للأمل من حيث أن حتى النية الخيرة الصغيرة لا تذهب سدى، ومحمل بالمسؤولية من حيث أنه يجب علينا دائماً أن نحافظ على نوايانا الخفية ونسوقها نحو الإخلاص ورضا الله. إذن، نعم، قطعاً، النية الصغيرة والصادقة لها قيمة عظيمة جداً عند الله، وهذا أحد تجليات رحمته وعدله اللامحدودين.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يروى في گلستان سعدي أن ملكاً ثرياً وقوياً أقام وليمة عظيمة ووزع ثروة طائلة على الفقراء والمحتاجين. وكان الجميع يثنون عليه ويمدحون كرمه. لكن في الوقت نفسه، كانت هناك امرأة عجوز فقيرة وضعيفة، لم يكن لديها مال لتعطيه، بعينين مليئتين بالدموع وقلب يفيض بالنوايا الطيبة، دعت لجميع الحاضرين في تلك الوليمة وخاصة لسلامة الملك ورخائه. هذه الدعوة منها، وإن لم يكن لها مظهر خارجي أو مادي ولم يعلم بها أحد سواها وربها، فقد كانت عند الله أعظم قيمة من كل أموال الملك وصدقاته؛ لأنها صدرت من قلب نقي ونية خالصة. يريد سعدي أن يقول إن أحياناً نية صادقة ودعوة من أعماق القلب تكون أثمن من آلاف الأعمال الظاهرية الخالية من الروح، لأن الله مطلع على النوايا والأسرار الخفية للقلوب.

الأسئلة ذات الصلة