هل يمكن أن يكون الحب بدون الله ضارًا أحيانًا؟

نعم، الحب الذي يغفل عن الله أو يحل محله يمكن أن يكون ضارًا، مؤديًا إلى الشرك في المحبة ويحرف الإنسان عن الصراط المستقيم والراحة الحقيقية. يجب أن يكون محور الحب الأساسي دائمًا هو الله، لتبقى المودات الأخرى بناءة ومستقرة.

إجابة القرآن

هل يمكن أن يكون الحب بدون الله ضارًا أحيانًا؟

الحب هو أحد أقوى المشاعر الإنسانية وأكثرها عمقًا، وقد أودعه الله تعالى في فطرة الإنسان. هذه القوة العظيمة يمكن أن تكون مصدرًا لخيرات لا تُعد وسعادة غامرة، كما يمكن أن تتحول إلى عامل للضرر والمعاناة إذا انحرفت عن مسارها الصحيح. من منظور القرآن الكريم، فإن الإجابة على السؤال: 'هل يمكن أن يكون الحب بدون الله ضارًا أحيانًا؟' هي بالتأكيد 'نعم'. يحذر القرآن مرارًا وتكرارًا البشر من التعلق بغير الله، أو وضع محبة الأمور الدنيوية أو المخلوقات في مكانة المحبة الإلهية، فقد يؤدي ذلك إلى عواقب وخيمة، في الدنيا والآخرة. يصرح القرآن الكريم بوضوح أن المحبة الحقيقية وغير المشروطة لا تليق إلا بالذات الإلهية المقدسة. فالله هو مصدر وخالق كل الخير والجمال، وكل ما في الوجود هو من فيضه ورحمته. لذلك، يجب أن يكون المحور الأساسي لحب الإنسان هو رب العالمين. أي محبة تتشكل في حياة الإنسان، إذا كانت في سياق المحبة الإلهية ومن أجل رضاه، فهي ليست ضارة فحسب، بل هي عين الكمال والنماء. أما إذا استقلت هذه المحبات وحلت محل محبة الله، أو كانت بحيث تلهي الإنسان عن ذكر الله وطاعته، فإنها في هذه الحالة ستتحول إلى عامل ضار. من أهم الآيات في هذا السياق هي الآية 165 من سورة البقرة التي تقول: «وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ ۗ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ». تشير هذه الآية بوضوح إلى ظاهرة 'الشرك في المحبة'، أي أن بعض الناس يتخذون من دون الله أندادًا (شركاء أو نظراء) يحبونهم كما يحبون الله. هذا النوع من الحب هو أقصى درجات الضلال والضرر؛ لأنه يبعد الإنسان عن المصدر الوحيد للكمال والسعادة، ويربطه بكائنات فانية وناقصة. نتيجة هذا النوع من الحب ستكون الحسرة والعذاب يوم القيامة، كما تكمل الآية بأن الظالمين سيرون في ذلك اليوم أن القوة لله جميعًا وأنه شديد العذاب. هذا يدل على أن التعلق الشديد بغير الله لا يؤدي إلا إلى الندم والعذاب. آية أخرى توضح هذا المفهوم بجلاء هي الآية 24 من سورة التوبة: «قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ». في هذه الآية، يعدد الله تعالى جميع الروابط والمحبوبين الدنيويين مثل الآباء، الأبناء، الإخوة، الأزواج، الأقارب، الأموال المكتسبة، التجارة، والمساكن المحببة، ثم يضع المعيار: إذا كانت محبتكم لهذه الأمور أكثر من محبتكم لله ورسوله والجهاد في سبيله، فانتظروا أمر الله (العذاب أو العقاب). هذه الآية تحذير جدي بأنه إذا وصل حب الإنسان لهذه الأمور الدنيوية إلى حد يمنعه من أداء الواجبات الإلهية أو يعيقه عن طريق الحق والجهاد في سبيل الله، فإن هذا الحب سيتحول إلى آفة وعامل فسق وضلال. هذا لا يعني أن الإنسان لا ينبغي أن يحب عائلته أو ممتلكاته؛ بل يعني أن هذه العواطف لا ينبغي أن تتقدم على حب الله وطاعته. المحبة لهذه الأمور تكون صحية ومفيدة فقط عندما تكون ضمن إطار رضا الله وتحت سيطرة محبته. بالإضافة إلى ذلك، في الآية 14 من سورة آل عمران نقرأ: «زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ». توضح هذه الآية أن حب الشهوات والملذات الدنيوية مثل النساء، الأبناء، الذهب والفضة، الخيل المسمومة، الأنعام، والأراضي الزراعية قد زُين للناس. هذه كلها متاع الحياة الدنيا. ولكنها تحذر فورًا بأن العاقبة الحسنة (والسعادة الحقيقية) هي عند الله وحده. هذا يعني أن هذه الأمور مجرد أدوات ووسائل للعيش ولا ينبغي أن تصبح الهدف الأسمى. إذا جعلها الإنسان هدفه الرئيسي، وكانت محبته لها بحيث تلهيه عن ذكر الآخرة وعبادة الله، فإن هذا الحب سيكون ضارًا؛ لأنه يصرفه عن الهدف الأصلي من خلقه وعن طريق الكمال، ويقيده في عالم زائل. خلاصة القول، إن الحب بدون الله، أو الحب الذي يخرج عن المدار الإلهي، ضار من جوانب مختلفة: أولاً، يؤدي إلى الشرك في المحبة والابتعاد عن التوحيد الخالص. ثانيًا، يمنع الإنسان من أداء الواجبات والتكاليف الإلهية، ويؤدي إلى الفسق والمعصية. ثالثًا، نظرًا لأنه يعتمد على كائنات فانية ومتغيرة، فإنه غير مستقر ويمكن أن يكون مصدرًا للمعاناة، الحسرة، اليأس، والقلق. الإنسان الذي يرى كل سعادته في شخص آخر أو في الممتلكات الدنيوية، يتعرض للانهيار الروحي عند فقدانها. بينما الحب الذي يتجذر في الله مستقر ويجلب الطمأنينة، ويجعل الإنسان مقاومًا لمصاعب الدنيا. لهذا، يعلم القرآن الكريم المؤمنين أن يقدموا الحب الإلهي على كل محبة أخرى وأن يعرفوا المحبات الأخرى تحت مظلته، ليكونوا في مأمن من الأضرار المحتملة ويحققوا السعادة الحقيقية.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أنه في قديم الزمان، كان هناك تاجر تعلق قلبه بالمال والثروة تعلقًا شديدًا، لدرجة أنه كان يقضي أيامه ولياليه في جمعها وحراستها، ولم يكن يستمتع بأي متعة دنيوية سوى عد الدنانير والدراهم وتكديسها. لقد غرق في حب المال حتى نسي الله وأهمل مساعدة المحتاجين وعائلته. ذات يوم، جاء فيضان عظيم وجرف كل ممتلكاته. أصبح التاجر يائسًا ومدمرًا، وجلس في زاوية يبكي. مر به رجل حكيم، وسأله: 'يا أخي، ما الذي أصابك؟' فروى التاجر قصة تعلقه وثروته التي دمرت. ابتسم الرجل الحكيم وقال: 'يا صديقي، لقد علقت قلبك بالفناء لا بالبقاء. لو كان حبك لخالق هذا المال، وليس للمال نفسه، لما حزنت على فقده، ولما تحملت كل هذا العناء في جمعه. فهو الذي يعطي ويأخذ، وبه يطمئن القلب. اعلم أن كل حب سوى حب الله تعالى لا يؤدي إلا إلى الحسرة'. عند سماع هذه الكلمات، أدرك التاجر أن الحب اللامحدود لغير الله لا يجلب سوى الضرر والحزن.

الأسئلة ذات الصلة