يؤكد القرآن الكريم بشدة على الإحسان والمودة والرحمة والمعاشرة بالمعروف في العلاقات الزوجية، معتبراً إياها مصدرًا للسكينة والطمأنينة. الهدف من الزواج في الإسلام هو بناء أسرة قائمة على الحب والاحترام المتبادل، حيث يكون الزوجان كالملبس لبعضهما البعض، يحميان ويكملان بعضهما، ويعيشان معاً بالمعروف والإحسان.
إن القرآن الكريم، بصفته الوحي الإلهي للبشرية، يقدم توجيهات واسعة وعميقة حول جميع جوانب الحياة، والعلاقات الزوجية ليست استثناءً. فبدلاً من أن يكون مجرد عقد، يُقدم الزواج في الإسلام كعهد مقدس، ومؤسسة أساسية، وبالفعل، كعلامة على قوة الله وحكمته العظيمتين. يؤكد القرآن مرارًا وتكرارًا على أهمية الإحسان والرحمة والاحترام المتبادل والسكينة كركائز لعلاقة زوجية ناجحة ودائمة. هذا التأكيد الإلهي على التفاعلات الإيجابية والرعاية بين الزوجين منسوج عبر آياته، ويشكل جوهر كيفية عمل الأسرة المسلمة. في صميم الرؤية القرآنية للزواج تكمن الفكرة التي وردت في سورة الروم (الآية 21): "وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ". هذه الآية الواحدة تلخص الغرض العميق للزواج. تشير عبارة "لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا" إلى أن البيت الزوجي يجب أن يكون ملاذًا للسلام والراحة والأمان، ومأوى من عواصف العالم الخارجي. هذه السكينة ليست صدفة؛ بل تنشأ من العاطفتين المودعتين إلهيًا: المودة والرحمة. تمثل المودة الحب النشط والعاطفي والميل الذي يجمع الزوجين، شعورًا بالود المتبادل والجذب. إنها الشرارة الأولية والدفء المستمر الذي يحافظ على حيوية العلاقة. أما الرحمة، من ناحية أخرى، فتتحدث عن رابطة أعمق وأكثر ديمومة - رابطة من التعاطف العميق واللطف والمغفرة والدعم، خاصة في أوقات الضعف أو الصعوبة أو الخلاف. إنها الرحمة التي تسمح للزوجين بالتغاضي عن الأخطاء، وتقديم العزاء، والوقوف بجانب بعضهما البعض في السراء والضراء. تشكل المودة والرحمة معًا إطارًا عاطفيًا شاملاً، يضمن أن الزواج ليس مجرد اتحاد جسدي أو مصالح، بل شراكة روحية وعاطفية عميقة. هذا الوضع الإلهي للحب والرحمة بين الزوجين يسلط الضوء على أن هذه الصفات ليست مجرد ميول بشرية بل هدايا من الله، تهدف إلى تعزيز الوئام والاستقرار داخل الوحدة الأسرية. أبعد من هذه العواطف الأساسية، يأمر القرآن صراحة بحسن السلوك. أحد أبلغ هذه الأوامر يوجد في سورة النساء (الآية 19): "وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ". هذه الآية موجهة بشكل أساسي للرجال، لتعليمهم كيفية معاملة زوجاتهم. ومع ذلك، فإن مبدأ "المعروف" (الإحسان، والإنصاف، والسلوك الحسن المتعارف عليه) ينطبق عالميًا على كلا الزوجين في الإسلام. "المعروف" مصطلح شامل يغطي جميع جوانب السلوك الحسن. إنه يعني معاملة الزوجة بالاحترام والصبر والتفهم والعدل. إنه يعني التحدث بلطف، والاستماع باهتمام، وتقدير جهودها، ودعم رفاهها العاطفي. بالنسبة للزوج، يشمل توفير الدعم المالي، والراحة العاطفية، وتلبية الاحتياجات الجسدية، وكل ذلك يتم بسخاء وبقلب طيب. بالنسبة للزوجة، يشمل إدارة شؤون المنزل بمسؤولية، وتربية الأطفال بشكل جيد، واحترام زوجها، مع الحفاظ على كرامتها واحترامها لذاتها. "المعروف" يعني أيضًا تجنب الكلمات القاسية، والإهانات، والإيذاء الجسدي، أو أي شكل من أشكال الإهانة. إنه يشجع الزوجين على أن يكونا متسامحين، وأن يتجاهلوا العيوب البسيطة، وأن يركزوا على الجوانب الإيجابية لشريكهم. حتى في لحظات الخلاف أو عدم الرضا، ينصح القرآن بالصبر والأمل، مذكّرًا المؤمنين بأنه "فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا" (4:19). هذا يشجع على المرونة والتفاؤل، ويحث الزوجين على العمل من خلال التحديات بلطف وصبر، متوكلين على حكمة الله. استعارة جميلة أخرى توضح الحميمية والاعتماد المتبادل داخل الزواج توجد في سورة البقرة (الآية 187): "هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ". هذه التشبيه العميق يسلط الضوء على أبعاد متعددة للرابطة الزوجية. تمامًا كما يوفر اللباس الدفء والراحة والحماية والزينة، يُقصد بالزوجين أن يوفرا هذه الصفات لبعضهما البعض. يستر اللباس ويحمي عورات المرء؛ وبالمثل، يحمي الزوجان شرف بعضهما البعض وخصوصيتهما ونقاط ضعفهما من العالم الخارجي. إنهما يقدمان العزاء والراحة والحميمية. تصور هذه الآية بشكل جميل فكرة التكامل المتبادل والترابط، حيث يلبي كل شريك احتياجات الآخر، ويوفر الدعم العاطفي والجسدي والروحي، ويشكلان معًا وحدة كاملة وجميلة. ويقدم القرآن أيضًا إرشادات حول إدارة الخلافات والنزاعات المحتملة، مع التركيز على المصالحة والعدل. فبينما يحدد خطوات لمعالجة الخلافات الزوجية الخطيرة (مثل سورة النساء 4:35، التي تذكر التحكيم)، فإن الروح العامة دائمًا هي السعي إلى الوئام والحفاظ على الزواج إن أمكن. ينصب التركيز على الحوار والتفاهم، ومشاركة كبار السن الحكماء أو المحكمين إذا فشل الحل الداخلي. باختصار، القرآن لا "يشير" فقط إلى الإحسان في العلاقات الزوجية؛ بل إنه "يصف" ذلك بعمق كأساس يجب أن يبنى عليه الزواج الناجح. إنه يقدم إطارًا شموليًا يشمل الحب العاطفي، والسلوك العملي الحسن، والحماية المتبادلة، وحل النزاعات المرن. ينظر إلى الزواج كشراكة للنمو الروحي، ووسيلة لتحقيق السلام الداخلي، وطريقة لتكاثر الأجيال الصالحة. من خلال غرس المودة والرحمة، والأمر بالمعروف، وتشبيه الزوجين باللباس، يضع القرآن مسارًا موجهًا إلهيًا للزوج والزوجة ليعيشا معًا بإحسان عميق واحترام وحب دائم، ليجدا في نهاية المطاف البركات والسكينة في رحلتهما المشتركة. يضمن هذا التوجيه الشامل أن الرابطة الزوجية ليست مجرد ترتيب اجتماعي، بل هي رحلة روحية عميقة متجذرة في المبادئ الإلهية، مما يعزز السعادة والاستقرار داخل الأسرة والمجتمع الأوسع.
يُحكى أنه في قديم الزمان، كان يعيش رجل حكيم، وكان السلام والوئام يسودان بيته دائمًا. أما جاره، الذي كان يشتكي باستمرار من عيوب زوجته وصعوباتها، فقد جاء ذات يوم إلى الرجل الحكيم، يطلب منه نصيحة لمشكلته. استمع الرجل الحكيم بصبر ثم قال: "يا أخي، تأمل البستاني الذي يعتني بحديقته. فهو لا يلعن الوردة بسبب أشواكها، ولا يبتعد عن الأغصان الملتوية لأشجار الفاكهة. بل يربي كل نبتة وفق طبيعتها، ويفهم احتياجاتها وقوتها. وإذا وجد ثمرة مرة، يسعى بعناية وصبر لتحليتها، أو يقدر الظل الذي توفره. فكذلك أنت في بيتك، اسعَ لرعاية الخير، وتحمل ما هو أقل، وبطيبتك الخاصة، قد تلهم الطيبة في المقابل. فالكلمات القاسية نادرًا ما تثمر ثمارًا حلوة، لكن الأيدي اللطيفة غالبًا ما تظهر الجمال." فكر الجار في هذه الكلمات، وشيئًا فشيئًا، بتبني نهج أكثر لطفًا والسعي لفهم زوجته، وجد السلام في بيته. وأدرك أن التغيير الذي نسعى إليه في الآخرين يجب أن يبدأ غالبًا بتغيير في أنفسنا، خاصة في طيبتنا.