يمكن تحقيق تعزيز البساطة داخل الأسرة من خلال التأكيد على القناعة وكونك نموذجًا يحتذى به للأطفال.
يقدم القرآن الكريم مفهوم البساطة والقناعة بشكل عميق وشامل، رغم عدم استخدامه المباشر لمصطلح "البساطة". إذ يعتبر هذا المفهوم أحد المبادئ الأساسية التي تدعو إليها التعاليم الإسلامية، فهو يرسم أبعاداً متناسقة للحياة تسهم في تحقيق توازن نفسي وفكري. تتجلى هذه المفاهيم في آيات عديدة من القرآن الكريم، فالله سبحانه وتعالى يدعونا إلى حياة متوازنة ومليئة بالرضا. من أبرز الآيات التي تعكس هذا المعنى الآية من سورة الفرقان، الآية 67، عندما يقول الله: "والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا، وكان بين ذلك قوامًا". هذه الآية تبرز أهمية الاعتدال في الإنفاق، مما يعكس ضرورة البحث عن التوازن في حياتنا من خلال ممارسة البساطة. إن تعزيز البساطة في منازلنا يعتمد على اتباع مجموعة من المبادئ والتوجيهات التي يمكن أن تسهم في تكوين عائلة تعيش في سلام وهدوء. الخطوة الأولى في هذا الاطار هي تعليم الأطفال أهمية القناعة بما لديهم. فالرضا عن النفس والاعتراف بمكانتنا في الحياة يساعد على نشر السعادة بين أفراد الأسرة. ينبغي لنا أيضاً تنظيم تجمعات عائلية منتظمة لمناقشة مواضيع القناعة والرضا عن النعم، مما يسهم في ترسيخ قيم البساطة لدى الأجيال القادمة. يمكننا استخدام القصص والتجارب الحياتية كوسيلة لنقل هذه القيم للجيل الجديد. على سبيل المثال، يمكن للآباء التحدث عن تجربتهم في العيش بحياة بسيطة وكيف أن ذلك جلب لهم السعادة والراحة النفسية. هذه القصص تشغل دورًا كبيرًا في تشكيل نظرة الأطفال للحياة، إذ تجعلهم يدركون أهمية البساطة والتوازن. إضافة إلى ذلك، يجب أن نكون قدوة عملية لأبنائنا من خلال تبني أسلوب حياة بسيط مستند إلى القيم الإنسانية. فعندما نختار تقليل إنفاقنا على الرفاهيات والتركيز بدلاً من ذلك على العلاقات الاجتماعية والوقت الذي نقضيه مع العائلة، فإن أطفالنا سيستقون عبروا من ممارساتنا. هذه الطريقة تعزز من قدرتهم على التمييز بين ما هو ضروري وما هو ترف. أيضًا، يمكن مشاركة القصص الإيجابية عن الحياة البسيطة وتجارب الآخرين ممن اتبعوا هذا النمط الجميل من العيش، فقد تؤدي هذه الحوارات إلى فهم أعمق لأهمية التخلص من الغرور والمظاهر الزائفة. في سياق آخر، تبرز سورة النساء، الآية 32، حيث يقول الله: "ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض..."، وتشير هذه الآية بوضوح إلى أهمية الرضا والاعتراف بما لدينا. ترسيخ القيم المتعلقة بالبساطة والقناعة يحتاج منا إلى بذل جهود لخلق بيئة تتبنى هذه المفاهيم. يمكن للأهالي تحديد أهداف عائلية تتعلق بالعيش البسيط، مثل تخصيص يوم في الأسبوع للأنشطة العائلية البسيطة، مثل النزهات في الطبيعة أو ممارسة الهوايات سويًا. هذه الأنشطة ستعزز الروابط الأسرية، مما يتيح للأبناء فرصة تقدير جمال البساطة. مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وثقافة الاستهلاك، أصبح من السهل الانجراف وراء المظاهر. يجب أن نكون واعين لهذا الخطر، ونساعد أبنائنا في فهم الانفصام بين الحياة الواقعية وما يتم تصويره على وسائل التواصل. من المهم مناقشة القيم الجوهرية للحياة مع أبنائنا، حيث يمكن أن نقول لهم أن القناعة ليست بجزء من ما يملك المرء، بل هي حالة ذهنية. إن تعزيز البساطة في الأسرة وفقًا للتعاليم القرآنية يجلب لنا السلام والاستقرار في حياتنا. تعزز الحياة المتوازنة والراضية شعور الأمان والطمأنينة لدى الأفراد، مما يسهم في تنمية شخصية أكثر إيجابية. فالبساطة ليست مجرد فكرة تجريديّة، بل هي أسلوب حياة ينبغي أن نتبناه كعائلات. في الختام، نخرج بفكرة أن البساطة والقناعة هما مفهومان يتبناهما القرآن الكريم كجزء من تعاليمه القيمة. لذا يجب علينا كأسر أن نتبنى هذه المبادئ ونغرسها في نفوس أبنائنا لنصير نماذج حية للبساطة، مما يساعد في تحسين نوعية الحياة وزيادة التواصل الإيجابي بين أفراد الأسرة.
كان هناك أب يسرد لأبنائه: "عشوا ببساطة وكونوا راضين عما لديكم. كلما كانت رغباتكم أقل، كلما كنتم أكثر سعادة." كان الأطفال يستمعون بعناية، وكانوا يعتبرون والدهم رجل حكيم وبسيط. مع مرور الوقت، تعلموا أيضًا الاستمتاع بحياة بسيطة وذهبوا في رحلات قصيرة ونزهات في الطبيعة معًا.