هل كل البشر لديهم القدرة على الهداية؟

نعم، كل البشر خلقوا بفطرة نقية وميل نحو الحق، وقد بيّن الله طريق الهداية بوضوح. لكن تحقيق هذه الهداية ونيل التوفيق الإلهي يعتمد على اختيار الإنسان وإرادته.

إجابة القرآن

هل كل البشر لديهم القدرة على الهداية؟

إن سؤال ما إذا كان جميع البشر يمتلكون القدرة على الهداية هو سؤال عميق في علم الكلام الإسلامي والدراسات القرآنية، يتطرق إلى مفاهيم أساسية مثل حرية الإرادة الإنسانية، العدالة الإلهية، وطبيعة علاقة الله بخلقه. يوضح القرآن الكريم بجلاء أن البشر مزودون بقدرات فريدة لتمييز الحق من الباطل، وأن الله قد بيّن بوضوح سبل الهداية. ومع ذلك، فإن الاختيار النهائي لاتباع هذه السبل يعود إلى الفرد نفسه. هذه المناقشة ليست نظرية بحتة؛ بل تؤثر بعمق على فهمنا للحياة، والمسؤولية الفردية، والدعوة إلى الخير. يؤكد القرآن الكريم أن الله قد خلق جميع البشر بفطرة نقية أصيلة، تميل إلى التوحيد والحق. تعمل هذه "الفطرة" كبوصلة داخلية، توجه الأفراد نحو الخير والحقيقة. الآية 30 من سورة الروم ("فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ۚ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا ۚ لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ") توضح هذه الحقيقة صراحة بأن الإسلام هو الدين الفطري الذي فطر الله الناس عليه. هذا يعني أن كل إنسان، بغض النظر عن عرقه أو لغته أو ثقافته، يمتلك بالفطرة القدرة على معرفة الله والميل نحو القيم الإلهية. هذه القدرة كامنة في كل نفس بشرية، وتوفر أرضية خصبة لقبول الهداية، وتجعله قابلاً لتلقي الرسائل الإلهية وفهم حقائق الوجود. وبالتالي، لا يمكن لأحد أن يدعي أنه افتقر إلى القدرة على فهم الحقيقة منذ البداية، لأن بذور هذا الفهم مزروعة في جوهره. بالإضافة إلى الفطرة، فقد وضع الله أيضًا العديد من المرشدين والعلامات الخارجية لهداية البشر. هذا النوع من الهداية، المعروف بـ "الهداية التشريعية" أو "إرشاد الطريق"، يشمل إرسال الأنبياء، وإنزال الكتب السماوية (كالقرآن)، وتجليات الآيات والعلامات الإلهية في الكون والطبيعة. الهدف من هذه الهداية هو إيضاح طريق الحق من الباطل، والخير من الشر، والسعادة من الشقاء. الآية 3 من سورة الإنسان ("إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا") تنص صراحة على أن "إنا هديناه السبيل إما شاكراً وإما كفوراً". تشير هذه الآية إلى أن الله قد بيّن الطريق الصحيح للجميع، والاختيار في قبوله أو رفضه يعود إلى الفرد. وهكذا، من منظور إلهي، لم يُترك أي إنسان بلا هداية. لقد عمل الأنبياء كأمثلة حية ورسل، بينما قدمت الكتب السماوية تعليمات وتحذيرات مفصلة. تشير العلامات في الكون، من التوازن الدقيق للأنظمة البيئية إلى اتساع الفضاء، كلها إلى خالق وتعمل كتذكيرات لمن يتفكرون. هذه الهداية الخارجية الشاملة تكمل الفطرة الداخلية، مما يضمن أن البشرية لديها كل فرصة للعثور على الطريق المستقيم. على الرغم من الفطرة والهداية التشريعية، فإن النقطة المحورية في مناقشة الهداية هي مسألة "الاختيار" أو الإرادة الحرة. لقد خلق الله البشر ككائنات تتمتع بإرادة حرة، قادرة على الاختيار بين الخير والشر. هذه الحرية في الإرادة هي أساس التكليف، والمكافأة، والعقاب. لو لم يكن البشر أحرارًا، لأصبحت مفاهيم مثل الجنة والنار، والحساب، والعدالة الإلهية بلا معنى. الآية 29 من سورة الكهف ("وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ") توضح بجلاء أن الحق من ربهم، "فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر". هذه الآية لا تعني فقط الحرية المطلقة للإنسان في اختيار طريق إيمانه، بل تضع أيضًا مسؤولية عواقب هذا الاختيار مباشرة على عاتقه. ولذلك، فإن القدرة على الهداية موجودة في جميع البشر، لكن تفعيل هذه القدرة يتوقف على إرادة الفرد وجهده. الهداية الإلهية ليست مفروضة؛ إنها دعوة يجب على المرء أن يستجيب لها بإرادته. هذا المبدأ الأساسي لحرية الإرادة يؤكد كرامة الإنسان ويؤكد غرض الحياة كاختبار. هناك نوع آخر من الهداية يُعرف بـ "هداية التوفيق" أو "الإيصال إلى المطلوب". تشير هذه الهداية إلى العون واللطف الإلهي الذي يساعد الفرد على الثبات على طريق الحق وتجاوز العقبات. هذا النوع من الهداية لا يُمنح بشكل مطلق وغير مشروط. بل يُعطى لمن اتخذوا بأنفسهم خطوات نحو الهداية وأظهروا ميلاً صادقاً إليها. بعبارة أخرى، عندما يستخدم الفرد إرادته واختياره في سبيل الصلاح، فإن الله بدوره يعينه على هذا الطريق. الآيات التي تذكر أن "الله لا يهدي الظالمين" أو "الله لا يهدي القوم الفاسقين" (مثل سورة البقرة 2:26: "وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ") تعني في الواقع أن الله لا يمنح نعمته الخاصة وتوفيقه لمن اختاروا بأنفسهم طريق الكفر والظلم والفسق، وأغلقوا قلوبهم بإرادتهم عن الحقيقة. هذا "عدم الهداية" هو نتيجة إلهية لخياراتهم الخاطئة، وليس حرماناً ابتدائياً من القدرة على الهداية. لقد حرم هؤلاء الأفراد أنفسهم من نعمة التوفيق بأفعالهم واستمرارهم في الخطأ. هذا التوفيق الإلهي هو نتيجة اختيار العبد وجهده؛ أي عندما يكون لدى الشخص نية خالصة وإرادة قوية للوصول إلى الحق، تفتح له أبواب الرحمة الإلهية، وتصبح المساعدات الغيبية متاحة له. في الختام، يمكن القول إن جميع البشر يمتلكون القدرة الكامنة على الهداية. فقد هيأ الله الأسس والأدوات اللازمة لبلوغ الهداية من خلال الفطرة والعقل والوحي. هذا يشبه توفير جميع الأدوات والخرائط اللازمة للوصول إلى وجهة معينة. لكن ما إذا كان الفرد سيستخدم هذه الأدوات ويتجه نحو الوجهة أم لا، يعتمد كلياً على إرادته واختياره. ولذلك، فإن الأفراد الذين يسلكون طريق الضلال والغواية يفعلون ذلك بسبب سوء استخدامهم للقدرات الداخلية والخارجية للهداية الإلهية، وإصرارهم على الكفر والمعصية، مما يحرمهم من التوفيق الإلهي. هذه عملية متبادلة: يجب على الإنسان أن يخطو الخطوة الأولى، ثم يعينه الله في بقية الطريق. لهذا السبب، يُحاسب كل فرد على أفعاله واختياراته، وسيُحاسب يوم القيامة بناءً على هذه الاختيارات. وهكذا، فإن باب الهداية ليس مغلقاً أمام أحد؛ بل البشر أنفسهم هم من يملكون المفتاح. هذه مسؤولية جسيمة تقع على عاتق الإنسان، وتدعوه إلى التأمل في مسار حياته واختيار أفضل الطرق. الهداية رحلة وليست وجهة ثابتة، وكل خطوة فيها تتطلب اتخاذ قرار واعي والالتزام بالمبادئ الإلهية للوصول إلى الهدف المنشود.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُحكى أنه في الأزمنة الغابرة، عاش شاب يُدعى 'هوشانج' كان له قلبٌ بَحث، لكنه كان أحيانًا يتيه، محتارًا في تمييز الطريق الصحيح من الخاطئ. فذهب إلى شيخ حكيم وعالم وسأله: "يا سيدي، هل يمتلك جميع البشر القدرة على إيجاد طريق الحق، أم أن ذلك خاص بالقلة المختارة؟" ابتسم الشيخ الحكيم وقال: "يُروى أن ذات يوم، كان بستاني يزرع بذورًا طيبة في حديقته. كل بذرة، مهما كانت صغيرة، كانت تمتلك القدرة على أن تصبح شجرة مثمرة. وقد وفر البستاني الماء والضوء والتربة المناسبة لها جميعًا. ومع ذلك، بقيت بعض البذور في التربة ولم تنبت، ليس بسبب نقص في القدرة، ولكن ربما بسبب حجر سقط عليها أو بسبب اختيارها هي للجمود. والبعض الآخر، بجهد قليل، خرج من التراب وارتفع نحو الشمس. فاعلم يا هوشانج، أن الله قد وضع في كل إنسان فطرة نقية ودليلاً داخليًا، وقد أوضح طريق الحياة بوضوح من خلال أنبيائه. نور الهداية يسطع على الجميع؛ ولكن لا يراه إلا العين التي تريده، ولا يقبله إلا القلب الذي يشتاق إليه." عند سماع هذه الكلمات، وجد هوشانج السلام في قلبه، وقرر أن يحرر نفسه من أحجار الغفلة والتعصب، وأن يتحرك بوعي نحو نور الهداية، مدركًا أن المفتاح لذلك يكمن في يديه.

الأسئلة ذات الصلة