هل يعلم الله نيتي قبل أن أعبر عنها؟

نعم، إن الله تعالى مطلع تماماً على جميع النوايا والأفكار الخفية للإنسان، حتى قبل أن ينطق بها. هذا العلم الإلهي المطلق يحيط بجميع جوانب الوجود البشري وهو صفة جوهرية لله، وعلى أساسه تُقوَّم النوايا وتُحدَّد المكافآت والعقوبات.

إجابة القرآن

هل يعلم الله نيتي قبل أن أعبر عنها؟

في تعاليم الإسلام المانحة للحياة واستناداً إلى آيات القرآن الكريم الصريحة، فإن الإجابة على سؤال: «هل يعلم الله نيتي قبل أن أعبر عنها؟» هي بلا شك «نعم». إن الله تعالى يمتلك علماً مطلقاً وشاملاً لا يخفى عليه شيء، سواء كان خفياً أو ظاهراً. هذا العلم الإلهي لا يشمل فقط الأفعال الظاهرية للإنسان، بل يمتد ليشمل أعمق الأفكار والوساوس الداخلية والنوايا التي قد لا يكون الإنسان نفسه على دراية كاملة بها أو قد لا يعبر عنها. لقد أكد القرآن الكريم مراراً وتكراراً على علم الله اللامتناهي. على سبيل المثال، في سورة آل عمران، الآية 29، يقول الله تعالى بوضوح: «قُلْ إِن تُخْفُوا مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»؛ أي: «قل: إن تخفوا ما في صدوركم أو تبدوه يعلمه الله، ويعلم ما في السماوات وما في الأرض، والله على كل شيء قدير». هذه الآية تبين بوضوح أن حتى أشد الأفكار والنوايا القلبية خفاءً لدى الإنسان معلومة ومكشوفة لله. فقلب الإنسان، وهو مركز النوايا والأفكار، لا يحمل أي حجاب أمام العلم الإلهي. علاوة على ذلك، في سورة ق، الآية 16، يقول الله تعالى: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ»؛ أي: «ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه، ونحن أقرب إليه من حبل الوريد». هذه الآية لا تؤكد فقط على علم الله بالنوايا والوساوس الداخلية، بل تظهر أيضاً مدى القرب الإلهي من الإنسان. هذا القرب يعني الإحاطة الكاملة لعلم الله وقدرته بجميع جوانب الوجود البشري، بحيث لا تخفى عليه أي فكرة أو نية قبل تشكيلها الكامل، بل وحتى قبل أن ينوي الإنسان التعبير عنها. من أهم النتائج المترتبة على هذا العلم الإلهي الشامل هي أهمية «النية» في أعمال الإنسان. ففي الإسلام، تعتبر النية القلبية والدافع الداخلي أساس تقييم الأعمال. ففعل الخير بدون نية خالصة قد يعتبر بلا قيمة، في حين أن النية الحسنة، حتى لو لم تتحول إلى فعل بسبب عوائق، يمكن أن تكون سبباً للأجر والثواب. فقد قال النبي الأكرم (صلى الله عليه وسلم): «إنما الأعمال بالنيات». هذا الحديث الشريف يكمل فهمنا لعلم الله بالنوايا؛ فالله لا يعلم فقط ما في قلوبنا من نوايا، بل يكافئنا أو يجازينا بناءً على تلك النوايا. هذا العلم المطلق من الله بنوايانا له تأثير عميق على حياة المؤمن. أولاً، يدفع الإنسان إلى السعي الدائم لتطهير قلبه ونواياه. فهو يعلم أنه لا يستطيع خداع الله بالمظاهر والرياء، لأن الله مطلع على أعمق الطبقات الوجودية للإنسان. وهذا يساعد على تقوية «الإخلاص» في الأعمال، ويدفع الإنسان نحو فعل الخيرات ابتغاء مرضاة الله فقط، وليس لجذب انتباه الآخرين أو لتحقيق مصالح دنيوية. ثانياً، علم الله بالنوايا يمنح الطمأنينة وراحة البال. فكثيراً ما يقوم الإنسان بعمل بنية حسنة، لكنه قد يتعرض للنقد أو سوء الفهم من الآخرين بسبب عدم نجاحه أو لأسباب أخرى. في مثل هذه الظروف، معرفة أن الله يعلم نيته الحقيقية تكون بمثابة عزاء وطمأنينة. كما أن الذين يحملون نوايا طيبة ولكن لا يجدون الفرصة لإنجاز العمل الصالح، سيحظون بفضل الله بأجر نيتهم؛ لأن الله لا يتجاهل النية الحسنة أبداً. ثالثاً، هذا العلم الإلهي يحمل الإنسان على أن يكون أكثر مسؤولية تجاه أفكاره ونواياه. فمجرد أن الفكرة لم تُعبر عنها لا يعني أنها غير مهمة. فإذا ما نمت النوايا الشريرة في الذهن ووصلت إلى مرحلة القرار، حتى لو لم يتم تنفيذها بسبب عوائق خارجية، فإن الله يظل على علم بها، وبناءً على مدى جدية تلك النية وإصرار صاحبها، قد يُحاسب عليها. ومع ذلك، فإن رحمة الله واسعة جداً، والوساوس الشيطانية العابرة أو الأفكار غير المرغوب فيها التي يتوب عنها الإنسان فوراً، تشملها رحمته وعفوه. في الختام، فإن حقيقة أن الله يعلم نوايانا قبل أن نعبر عنها هي ركيزة قوية في بناء إيمان المؤمن وتهذيب نفسه. هذا الوعي يرشد الإنسان نحو حياة قائمة على الصدق الداخلي والتقوى والإخلاص الكامل. وهذا العلم الإلهي لا يظهر فقط قوة الخالق وعظمته التي لا مثيل لها، بل يرمز أيضاً إلى عدله وحكمته، حيث يقيم كل عمل على أساس نيته الحقيقية ويحدد الأجر والعقاب بناءً على ذلك. هذا الفهم العميق يساعدنا على بناء علاقة أكثر صدقاً وعمقاً مع ربنا، لأننا نعلم أنه لا شيء يخفى عليه، وهو أعلم بما تخفيه الصدور.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

لقد روي أن رجلاً كان يدعو ويطلب المطر من الله. وفي وسط الحشد، كان هناك رجل آخر يتذمر ويقول في نفسه: «يا إلهي، لا ترسل المطر، فإن قمحتي على السطح وستتبلل!» سمع درويش كان في ذلك الجمع تذمره، فالتفت إليه بابتسامة لطيفة وقال: «يا صديقي، بمثل هذه النية التي تحملها في قلبك، هل تأمل أن تشملنا الرحمة الإلهية؟» هذه الحكاية من السعدي تُظهر بجمال أن حتى الأفكار غير المنطوقة ظاهرة لله، وهو على علم تام بنوايا قلوبنا.

الأسئلة ذات الصلة