هل توقع المكافأة من الله أنانية؟

لا، إن توقع المكافأة من الله ليس أنانية؛ بل هو جزء لا يتجزأ من الإيمان، ودافع إلهي للعمل الصالح، وعلامة على الثقة بوعوده. المهم هو النية الخالصة لمرضاة الله، مع كون المكافأة تجلياً لفضله وعدله.

إجابة القرآن

هل توقع المكافأة من الله أنانية؟

هل توقع المكافأة من الله أنانية؟ هذا سؤال عميق ومهم يتناول جوهر علاقة الإنسان بالله ومعنى الأعمال الصالحة. الإجابة الواضحة والقاطعة، بناءً على تعاليم القرآن الكريم وسنة النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، هي أن توقع المكافأة من الله ليس أنانية فحسب، بل هو جزء لا يتجزأ من الإيمان، وتشجيع إلهي لأداء الأعمال الصالحة، وعلامة على الثقة بوعود الرب. الأنانية تعني تفضيل المصالح الشخصية على كل شيء آخر، حتى على حساب حقوق الآخرين أو طاعة الله. ولكن توقع المكافأة من خالق الكون، الذي وعد هو بنفسه بها، يندرج ضمن إطار علاقة العبودية والخضوع. القرآن الكريم، في آيات عديدة وبتعابير مختلفة، يتحدث صراحة عن المكافآت الإلهية العظيمة واللامتناهية للمؤمنين والمحسنين. تشمل هذه المكافآت راحة القلب في الدنيا، وبركات مادية وروحية، وفي النهاية، الحياة الأبدية في جنات النعيم. يشجع الله تعالى المؤمنين مرارًا على أداء أعمال ينتج عنها مكافآت معينة. على سبيل المثال، في سورة النساء، الآية 124، يقول: «وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا». توضح هذه الآية بوضوح أن المكافأة (دخول الجنة) هي نتيجة للأعمال الصالحة المقترنة بالإيمان. فهل إذا آمن الإنسان بهذا الوعد وأدى الأعمال الصالحة على أمل الوصول إليه، يكون أنانيًا؟ لا، بل هذا هو عين الإيمان واتباع الأوامر الإلهية. لقد أودع الله هذا التوقع في طبيعة الإنسان ليكون دافعًا له للسير نحو الخير والصلاح. النقطة الأساسية هنا هي "النية". في الإسلام، تُحدد قيمة كل عمل بنيته. إذا قام الإنسان بعمل لمجرد الرياء أو للحصول على منافع دنيوية تافهة، وكان هدفه الوحيد هو نيل استحسان الناس أو اكتساب الشهرة والثروة، فإنه لن يحصل على أي مكافأة أخروية فحسب، بل قد يُبطل عمله. أما إذا كانت النية الأساسية هي ابتغاء مرضاة الله وطاعته، وإلى جانب ذلك، كان هناك أمل في المكافآت الإلهية، فإن هذا ليس مذمومًا بل هو كمال الإيمان. يقول الله تعالى في سورة البقرة، الآية 272: «...وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ ۚ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ ۚ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ». تبين هذه الآية أن الهدف الرئيسي هو "ابتغاء وجه الله"، ولكن النتيجة هي عودة الخير إلى الإنسان نفسه، وهي المكافأة الإلهية. هذان الأمران (ابتغاء وجه الله وتلقي المكافأة) لا يتعارضان، بل يكمل أحدهما الآخر. علاوة على ذلك، في العديد من الآيات، مثل سورة الكهف، الآية 30: «إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا»، يضمن الله صراحة أنه لن يُضيع أجر المحسنين. هذه الوعود لا تسمح للإنسان بتوقع المكافأة فحسب، بل تشجعه على ذلك. تخيل لو لم تكن هناك مكافآت، فما هو الدافع للجهاد في سبيل الله، وترك الذنوب، والإيثار والتضحية، والصبر على المصائب، وأداء العبادات الشاقة؟ نظام المكافأة والعقاب الإلهي نفسه هو علامة على حكمة الله وعدله، ويتوافق مع الفطرة البشرية. الإنسان بطبيعته يرغب في رؤية نتائج أعماله ويتوقع التشجيع على العمل الجيد. وهذا التوقع، عندما يوجه نحو الله، يكون منطقيًا ومناسبًا نظرًا لعظمته وعلمه المطلق وقوته اللامحدودة. قد يجادل البعض بأن الأعمال يجب أن تتم بإخلاص وابتغاء وجه الله فقط، دون توقع أي مكافأة. هذا القول من منظور "الإخلاص المحض" صحيح ويمثل أعلى درجات العبودية؛ وهو أن يعبد الإنسان الله لذاته، لا من أجل الجنة ولا خوفًا من النار. هذا هو مقام "عبادة الأحرار"، كما أشير إليه في الروايات الإسلامية. ومع ذلك، هذا لا يعني أن توقع المكافأة أنانية. بل هذا المقام استثنائي وسامٍ لا يمكن لجميع البشر بلوغه، والله بحكمته قد وعد بالمكافآت لغالبية الناس الذين يحتاجون إلى دوافع مثل الأمل في الجنة والخوف من النار. وحتى في مقام "عبادة الأحرار"، يتلقى الفرد مكافأته، لكن نيته لحظة العمل كانت خالصة لمرضاة الله. المكافأة في هذه الحالة هي تجلٍ لفضل الله وكرمه، وليست استحقاقًا محضًا. في الواقع، هذا التوقع للمكافأة هو درس في الحكمة الإلهية. فالله بوعده بالمكافآت، لا يقودنا نحو الخير فحسب، بل يؤكد لنا أن أي عمل خير، مهما كان صغيرًا، لن يضيع في محضره، وأن كل ما ننفقه أو نفعله في سبيله سيعود إلينا بأفضل شكل ممكن. هذه الثقة بوعود الله هي بحد ذاتها عبادة عظيمة وعلامة على التوكل. لذلك، فإن توقع المكافأة من الله ليس أنانية؛ بل هو تجسيد للإيمان والتوكل والفهم الصحيح لنظام العدل والفضل الإلهي، الذي يدفع الإنسان للسير في طريق الخير والسعادة، وأن يكون متفائلًا بفضل الله ورحمته التي لا حدود لها. هذا التوقع لا ينبع من طمع أعمى، بل من معرفة برب كريم ورحيم لا يُضيع أجر المحسنين أبدًا.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في گلستان سعدي، يُروى أن في الأزمنة الغابرة، كان هناك عابد ورع مشهور بإحسانه وخدمته للناس. كان يساعد المحتاجين دون أي توقع لمكافأة دنيوية ولم يشكُ قط من صعوبة عمله. غالبًا ما كان الناس يسألونه: «أيها العابد الورع، مع كل هذا العناء والمشقة، ألا تطلب أي مكافأة في هذه الدنيا؟» كان العابد يبتسم بلطف ويجيب: «يا أصدقائي، يزرع التاجر البذور على أمل الحصاد، ويتحمل المسافر مشقة الطريق شوقًا للوصول إلى وجهته. فهل من الغريب أنني، أنا العبد الحقير، أقوم بالأعمال الصالحة على أمل فضل الله اللامحدود ومكافأة أبدية؟ هذا التوقع مني ليس لثروات دنيوية، بل لسلام وفرح لا يمكن إلا له أن يهبهما، ولقرب يتجاوز كل الرغبات الأرضية. فأي مكافأة أعظم من رضا الواحد الذي خلق كل شيء؟» لقنت كلماته الناس درسًا عظيمًا: أن أسمى أشكال التوقع هو الثقة بكرم الله الواسع وابتغاء رضاه الإلهي، الذي يشمل كل المكافآت الحقيقية.

الأسئلة ذات الصلة