هل كثرة السؤال خطيرة على الإيمان؟

السؤال الصادق الذي يهدف إلى فهم أعمق يقوي الإيمان، لكن الأسئلة العبثية أو العنيدة أو تلك التي تتناول الغيب الذي لم يظهره الله يمكن أن تضر به. المبدأ هو التدبر والتعقل، وليس الفضول المفرط والوسواس.

إجابة القرآن

هل كثرة السؤال خطيرة على الإيمان؟

في تعاليم الإسلام الغنية، ليس السؤال وطلب المعرفة مذمومًا فحسب، بل هو مشجع بقوة. يدعو القرآن الكريم البشر مرارًا وتكرارًا إلى التفكر والتعقل والتدبر في الآيات الإلهية في الآفاق وفي أنفسهم. هذه الدعوة تعني أن الإيمان في الإسلام ليس إيمانًا أعمى أو تقليديًا بحتًا، بل هو مبني على الفهم والإدراك والاقتناع العقلي. تؤكد العديد من الآيات القرآنية على أهمية العقل والتفكر بعبارات مثل "لَعَلَّکُمْ تَتَفَکَّرُونَ"، و"لِقَوْمٍ یَعْقِلُونَ"، و"آيَاتٌ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ". لذلك، فإن طرح الأسئلة التي تهدف إلى تحقيق فهم أعمق، وإزالة الشبهات، وتعزيز أسس الإيمان ليس خطيرًا على الإطلاق؛ بل هو ضروري ومفيد للغاية. إن هذا النوع من التساؤل ينقذ المؤمن من الجهل والجمود الفكري، ويدفعه نحو اليقين والطمأنينة الداخلية. هذه العملية تشبه بناءً يضاف إليه لبنة أقوى مع كل سؤال وجواب، مما يجعله أكثر مقاومة لعواصف الشك والغموض. لكن النقطة الأساسية التي يؤكد عليها القرآن والسنة النبوية هي التمييز بين السؤال البناء والمدمر. عندما يتحول السؤال إلى فضول مرضي، أو وساوس فكرية، أو تفتيش عن العيوب بلا داعٍ، أو محاولة لفرض المشقة على النفس والآخرين، فإنه يمكن أن يضر بالإيمان. يقول القرآن الكريم صراحة في سورة المائدة، الآية 101: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ" (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم). تحدد هذه الآية بوضوح حدودًا لنوع وكمية الأسئلة. "الأشياء التي إن تبد لكم تسؤكم" يمكن أن تشمل أمورًا أولاً، تتعلق بالغيب الذي لم يشأ الله أن يكشف تفاصيله للبشر، وإن الفضول الزائد فيها لا يؤدي إلا إلى الارتباك والضيق. وثانيًا، الأسئلة التي تُطرح عن عناد أو استهزاء أو بقصد فرض المزيد من الصعوبات على النفس والآخرين، وليس لفهم الحقيقة. مثال بارز على هذا النوع من الأسئلة يمكن رؤيته في قصة بني إسرائيل وقضية البقرة (سورة البقرة، الآيات 67 إلى 71). أمرهم الله بذبح بقرة لتحديد القاتل، ولكنهم بدلًا من الطاعة البسيطة، بدأوا يطرحون تفاصيل مفرطة حول لونها وعمرها وخصائصها، مما زاد الأمر صعوبة عليهم في كل مرة، حتى كادوا لا يجدونها. يوضح هذا المثال كيف أن كثرة السؤال في غير محله يمكن أن يخرج عن مسار الطاعة والحكمة، ويخلق المشقة بدلًا من التيسير. تشمل مخاطر كثرة السؤال المفرط ما يلي: أولاً، خلق شكوك ووساوس لا نهاية لها تغرق المؤمن في دوامة من الارتباك، وتبعده عن الطمأنينة واليقين. عندما يكون الهدف الوحيد هو انتقاد المعتقدات وإيجاد ثغرات فيها، وليس الوصول إلى الحقيقة، فإن العقل لا يجد السلام أبدًا. ثانيًا، فقدان التركيز على الأعمال والواجبات الأساسية. فالشخص الذي ينشغل باستمرار بالأسئلة العقيمة والجدالات عديمة الفائدة يغفل عن العبادات والأخلاق وخدمة الخلق. ثالثًا، الدخول في مجالات تفوق القدرة البشرية على الفهم أو لم يشأ الله أن يكشف تفاصيلها (مثل ذات الله، التفاصيل الدقيقة ليوم القيامة، وما إلى ذلك). الغرق في هذه المسائل يمكن أن يؤدي إلى سوء الفهم، والبدعة، وحتى الردة. رابعًا، أحيانًا تنبع كثرة السؤال المفرط من عدم التسليم القلبي للحقائق الإلهية. الإيمان، بعد مرحلة التفكر والاقتناع، يصل إلى مرحلة التسليم والتوكل. فمن يستمر في السؤال بلا نهاية من شك أو عناد في هذه المرحلة، فإنه في الواقع لم يسلم لأمر الله. إن السبيل للوصول إلى التوازن في السؤال هو أن يكون الهدف دائمًا هو فهم أفضل وتقوية الإيمان. يجب أن تُطرح الأسئلة بتواضع ولإيجاد إجابات، وليس للتحدي بلا أساس. كما يجب الرجوع إلى المصادر الدينية الموثوقة (القرآن والسنة الصحيحة) والعلماء الربانيين للإجابة على الأسئلة. العلماء الحقيقيون هم الذين يمتلكون الفكر والتعقل، ويمكنهم تقديم إجابات مقنعة بحكمة ومنطق. في النهاية، يجب أن يُعلم أنه لن يتم الكشف عن كل شيء في هذا العالم للبشر، وجزء من الإيمان هو التسليم للمجهولات التي أخفاها الله في علمه الغيبي. هذا التسليم ليس نابعًا من عجز، بل من توكل وثقة في علم الله وحكمته اللامحدودة. الإيمان القوي هو إيمان يجمع بين العقل والقلب؛ فهو يتساءل ولكنه يتحرك ضمن إطار الأدب والهدف، ليصل إلى الطمأنينة والمعرفة بدلًا من الضيق.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

ذات يوم، كان بين تلاميذ الشيخ رجل اشتهر بكثرة سؤاله وتدقيقاته اللامتناهية. فكلما أعطى الشيخ درسًا، يطرح هو مئات الأسئلة الصغيرة والكبيرة، أحيانًا بدافع الفضول وأحيانًا بدافع الجدال. كان الشيخ يجيب بلطف وصبر، ولكن في يوم من الأيام، قال بابتسامة: "يا بني، اعلم أن ماء البحر الصافي، إذا صب في أوعية صغيرة جدًا وضيقة، فإنه بدلًا من أن يروي العطش، لا يجلب إلا المزيد من العطش ويجعل المرء يضيع في البحث عن قطرة واحدة. والعلم كذلك. إذا كنت تسعى باستمرار وراء كل تفصيل دقيق فيه وتغفل عن المبادئ الكبرى، فإن السلام سيفارق قلبك، وستغرق في بحر من الشك والوسواس. الإيمان كنهر عظيم يجري بسكينة، وليس عين ماء تنبع من كل صخرة، وأنت تسعى في كل لحظة للعثور على منبعها من كل صخرة. اعمل بما علمت، واترك ما لم تعلم لحكمة الله الرحيم، فإن السكينة تكمن في التسليم الحكيم، لا في البحث اللامتناهي." عندما سمع التلميذ هذا الكلام، أطرق رأسه وفكر، وأدرك أن حل مشكلته ليس في إيجاد إجابة لكل سؤال، بل في الرضا بالحقيقة والعمل بما عرف.

الأسئلة ذات الصلة