نعم، بالتأكيد الله على علم بجميع دموعك. فالعلم الإلهي يشمل أعمق مشاعرك وهمسات قلبك؛ لا شيء يخفى عن بصره، وكل قطرة دمعة تذرفها في خلوة الليل معلومة وموضع اهتمام لديه.
يا صديقي العزيز، بلا أدنى شك، الإجابة على هذا السؤال هي "نعم" مدوية، بل هي أكثر تأكيداً مما قد تتخيل. فالله سبحانه وتعالى، خالق الكون والعليم بكل شيء. علمه شامل ومحيط بكل ذرة، ولا شيء، ولا حتى أدق الهمسات أو أعمق مشاعرنا الداخلية، يخفى عن بصره. الدموع التي تذرفها عيناك في ظلام الليل، في خلوة ووحدة، هي شهادة صادقة على حال قلبك؛ سواء كانت هذه الدموع نابعة من حزن عميق، أو من ندم وتوبة، أو من خشوع ومحبة للذات الإلهية. القرآن الكريم يؤكد مراراً وتكراراً على علم الله المطلق، ويوضح هذه الحقيقة بجلاء أن الرب عليم بكل شيء، ولا يوجد سر أو خفاء في الوجود إلا وهو معلوم لديه. على سبيل المثال، في سورة الأنعام، الآية 59، نقرأ: «وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ». هذه الآية تبين أن علم الله يحيط حتى بأدق التفاصيل في الكون، من سقوط ورقة شجر إلى وجود حبة في أعماق الأرض. فكيف يمكن لدموع عبده المؤمن، التي هي تجلٍ عميق لحالته الروحية، أن تخفى عنه؟ علاوة على ذلك، يشير القرآن في آيات عديدة أخرى إلى علم الله بـ«مَا فِي الصُّدُورِ» (ما في الصدور). فمثلاً في سورة فاطر، الآية 38، يقول: «إِنَّ اللَّهَ عَالِمُ غَيْبِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ». هذه العبارة تشير تحديداً إلى أفكارنا ونوايانا ومشاعرنا ورغباتنا، وحتى آلام قلوبنا الخفية. الدموع، أكثر من الكلمات، تعبر عن عمق المشاعر والأسرار المكنونة في الصدر. لذا فإن دموعك الليلية، التي ربما تسكبها في أوج شعورك بالضعف طلباً لتسكين قلب موجوع، أو في أوج الخشوع والتضرع في حضرة الله، لا تُرى فحسب بل تُسجّل بدقة وتُحظى باهتمام بالغ من الله. الرب هو السميع البصير المطلق. فهو «السميع» و«البصير»، وهذه الصفات تشمل سماع الهمسات ورؤية الدموع التي تسكب في الخلوة. ليس فقط أنه يعلم دموعك، بل هو أيضاً على دراية تامة بسبب انهمارها، وعمق الألم الذي أسالها، والأمل الذي قد يكمن خلفها. هذا العلم الإلهي المطلق، ليس مخيفاً؛ بل هو مصدر عظيم للراحة والطمأنينة للمؤمن. فأنت تعلم أنه حتى في أشد لحظات وحدتك، هناك من يراك، ويسمع صوت قلبك، وهو على علم بحالك. هذا العلم يزيل شعور الغربة والوحدة، ويخلق شعوراً فريداً من القرب من الخالق. هذا يعني أن لا دعاء، ولا ندم، ولا ألم، ولا حتى شكر مصحوب بالدموع، يغفل عنه، وكل قطرة دمعة هي في حد ذاتها شهادة على الصدق والإخلاص في النية. الدموع في الثقافة الإسلامية لها مكانة خاصة. فدموع التوبة، ودموع الخشوع أمام العظمة الإلهية، ودموع الخوف من الذنب، ودموع الشوق إلى لقاء المعبود، كلها علامات على إيمان حي وقلب يقظ. وقد قال النبي الأكرم (صلى الله عليه وسلم): "عينان لا تمسهما النار: عين بكت من خشية الله، وعين باتت تحرس في سبيل الله". هذا الحديث يدل على القيمة العالية للدموع التي تسكب لله ومن خشيته أو بسبب محبته وخشوعه. الدموع الليلية، التي غالباً ما تسكب بعيداً عن أعين الآخرين وبإخلاص نية أكبر، تتمتع بأهمية مضاعفة؛ لأن الإنسان في تلك اللحظات يكون بعيداً عن الرياء والمباهاة، ويتحدث فقط مع ربه. فدموعك، في ظلام الليل، هي رسائل صامتة تصل مباشرة إلى العتبة الإلهية، والله هو المستلم والمجيب على هذه الرسائل. هذه الحقيقة تقودنا إلى زيادة التوكل على الله، وزيادة الصبر والثبات في مواجهة الصعاب، وفي النهاية إلى راحة القلب. ففي كل مرة تذرف فيها دمعة، اعلم أن يد محبة من السماء تحضنك، وأن قلباً مليئاً بالرحمة والرأفة قد مال إليك. هذا الوعي يخفف من أعباء الأحزان ويعزز الأمل في استجابة الدعوات وتحقيق الطمأنينة.
يُروى أنه في إحدى الليالي الشتوية الباردة، كان عابد في زاوية منعزلة، ساجداً بقلب منكسر وعينين دامعتين، يتضرع إلى الله. كان مستغرقاً في مناجاته وكأن لا أحد في الكون سواه وربه. وفي تلك الأثناء، كانت قطرات الدمع تسقط من يديه المرفوعتين بالدعاء على الأرض. كان يظن في نفسه أن هذه الدموع خفية، ولا أحد يعلم بحاله. فجأة، أشرق نور من الغيب على قلبه، وصدح نداء لطيف في صدره يقول: «يا عبدي! لا تظن أن دموعك خفية عنا. فقبل أن تسقط هذه القطرات من عينيك، كنا على علم بنيتك الصادقة والألم الكامن في صدرك. كل أنين وكل آهة، تُسمع في حضرتنا كأنها نغمة عذبة.» فغمرت العابد الفرحة من هذا القول، وعلم أن بحر العلم الإلهي لا حدود له، وأن حتى أعمق أسرار قلوب العباد لا تخفى عن بصره. ومنذ ذلك الحين، ازداد عبادته بسكينة أعمق وتوكل أكبر، لأنه علم أن في كل لحظة، هناك رب مراقب وعليم بأحواله.