هل يستمع الله حتى للتنهيدة الصامتة؟

نعم، إن الله تعالى عليم بكل الأفكار والمشاعر الخفية، وحتى بالأنين الصامت الذي يصدر من أعماق الروح، لأنه أقرب إلينا من حبل الوريد وعلمه يحيط بكل شيء.

إجابة القرآن

هل يستمع الله حتى للتنهيدة الصامتة؟

نعم، بالتأكيد وبدون أدنى شك، إن الله تعالى عليم بكل همسة، وكل فكرة، وكل شعور خفي، وحتى بأنين صامت يصدر من أعماق الروح، وهو سميع له تماماً. هذا يمثل أحد أسمى تجليات قدرة الله اللامتناهية وعلمه المطلق ورحمته الشاملة، وقد أشارت إليه العديد من آيات القرآن الكريم. هذا الإيمان يشكل العمود الفقري لعلاقة المؤمن بخالقه؛ لأنه يعلم أن لا شيء يخفى عن بصر الله وسمعه، فكيف بالآلام الخفية أو الآمال المكنونة في القلب. يصف القرآن الكريم الله بصفات مثل "عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ" (عليم بما في القلوب)، و"السميع"، و"البصير". هذه الصفات لا تعني مجرد الإدراك السمعي أو البصري العادي، بل تعني إحاطة الله الكاملة واللانهائية بجميع الكائنات وأحوالها. عندما نتحدث عن "الأنين الصامت"، لا نقصد مجرد صوت مسموع؛ بل هو إشارة عميقة إلى كل تلك الأشياء التي يخفيها الإنسان في داخله: الآلام والمعاناة غير المعلنة، الأمنيات المدفونة، الدعوات الخافتة، المخاوف الخفية، الندم العميق، أو حتى الشكر الصامت. الله عليم بكل هذه الأمور، فهو لا يسيطر على الظاهر فقط، بل له إحاطة كاملة بالباطن والخفايا، ولا يخفى عليه أي حال من أحوال مخلوقاته. إن علم الله واسع جداً ولا حدود له، فيشمل أصغر الحركات، وأخفى النوايا، وأعمق المشاعر الداخلية للإنسان. وهذا العلم لا يقتصر على ما هو ظاهر، بل يحيط أيضاً بما يبقى خفياً عن عيون البشر. من أبلغ الآيات في هذا الشأن، الآية 16 من سورة ق، التي تقول: "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ" (ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه، ونحن أقرب إليه من حبل الوريد). هذه الآية تبين بوضوح أن الله يعلم حتى الهمسات والوساوس الداخلية لنفس الإنسان التي لا يعلمها أحد سواه. فعبارة "ما توسوس به نفسه" تشمل كل فكرة، وكل هم، وكل أمل، وكل أنين يدور في صمت عقل الإنسان وقلبه. قرب الله من الإنسان، حتى أقرب من حبل الوريد، هو استعارة لإحاطته وعلمه المطلق، مما يعني أنه لا يوجد أي مسافة أو حجاب يمكن أن يفصل بينه وبين خلقه. وهذا القرب يعني حضوراً دائماً ومراقبة مستمرة لجميع أبعاد الوجود الإنساني. آية أخرى تؤكد هذه الحقيقة هي الآية 13 من سورة الملك: "وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ ۖ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ" (وأسروا قولكم أو اجهروا به، إنه عليم بذات الصدور). هذه الآية تصرح بأنه لا فرق عند الله بين أن يعلن الإنسان كلامه أو يخفيه في قلبه؛ فعلمه يشمل الحالتين، وهو عليم تماماً بما يدور في أعماق الصدور (القلوب). فالأنين الصامت هو بالضبط مصداق لـ "ما في الصدور" و"القول الأسرى"، والذي لا يخفى على الله من أي إنسان، حتى لو كان في أقصى درجات العزلة والانفراد. كما يقول تعالى في الآية 19 من سورة غافر: "يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ" (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور). هذه الآية أيضاً تؤكد علم الله الواسع بأخفى تفاصيل الوجود الإنساني، من نظرات العيون الخفية إلى الأفكار والمشاعر المخبأة في القلب. الأنين الصامت هو رمز لهذا "ما تخفي الصدور"، الذي يظهر عمق المعاناة أو الرجاء الإنساني. إن آثار هذا الاعتقاد على حياة المؤمن عميقة وبناءة جداً. أولاً، إن معرفة أن الله يستمع حتى لأنيننا الصامت يمنح الإنسان طمأنينة عميقة. ففي لحظات اليأس، والوحدة، أو عندما نشعر بأن لا أحد يفهمنا ونحن عاجزون عن التعبير عن آلامنا، فإن هذا اليقين بأن الرب عليم بكل أحوالنا ويستجيب لدعواتنا الصامتة، يمنحنا قوة جديدة ويزرع بذور الأمل في القلب. وهذا الأمر مريح بشكل خاص لأولئك الذين يجدون صعوبة في التعبير عن معاناتهم علناً، مما يمنحهم شعوراً بالقرب من الخالق. ثانياً، هذه الحقيقة تعزز الإحساس بحضور الله الدائم في حياة الإنسان. فالمؤمن يشعر دائماً بأنه تحت رعاية الله وعنايته، وهذا الشعور يردعه عن المعاصي ويدفعه نحو الخير والتقوى. فالإنسان يعلم أن كل فكرة، حتى لو لم تنطق، معلومة عند الله، وهذا الوعي يؤدي إلى المراقبة الذاتية والامتناع عن الخطأ. ثالثاً، عندما نعلم أن الله عليم بأعماق القلوب والنوايا، فإننا نسعى لأداء أعمالنا وعباداتنا بإخلاص أكبر، ليس لجذب انتباه الآخرين، بل لمرضاته وحده. فالأنين الصامت للتوبة، والدعاء القلبي، والشكر الصامت، كلها تعتبر من أثمن الأعمال عند الله، لأنها تنبع من أنقى طبقات الوجود الإنساني ولا تشوبها شائبة الرياء. رابعاً، يدعو هذا الاعتقاد الإنسان إلى التوكل المطلق على الله. عندما نعلم أنه عليم بكل احتياجاتنا وآلامنا، فلا داعي لأن نخبره بأحوالنا بكلمات وجمل معقدة. يكفي أن نطلق تنهيدة أو همسة في القلب، وهو يسمع ويستجيب، بأفضل طريقة وفي أنسب وقت. وهذا التوكل يرفع عن كاهل الإنسان ثقل الهموم والقلق. وأخيراً، فإن هذه الصفة من صفات الله هي علامة على أقصى درجات رحمته ولطفه. فالله لا يستمع فقط إلى أقوالنا العلنية، بل ينتبه أيضاً إلى الآلام غير المعلنة والصيحات الصامتة لقلوبنا. وهذا يعني أنه لا يترك عباده في جميع الأحوال، حتى في أعمق لحظات ضعفهم وحاجتهم، وهو حاضر دائماً لمنحهم الطمأنينة والإرشاد. لذلك، من منظور القرآن الكريم، فإن الإجابة على هذا السؤال هي "نعم" بلا تردد. فالله لا يستمع فقط إلى أنيننا الصامت، بل يعلمه ويفهمه، فعلمه لا حدود له، ولا يخفى عليه شيء في السماوات والأرض. وهذا العلم والإحاطة الإلهية ليسا دليلاً على قدرته وعظمته فحسب، بل هما أيضاً مصدر عظيم للطمانينة والأمل والتحفيز لعباده. هذه الحقيقة تذكرنا بأنه يمكننا دائماً، في أي زمان ومكان، وفي أي حال، أن نتواصل مع ربنا، حتى لو لم نستطع أن ننطق بكلمة أو نسكب دمعة. فهو دائماً السميع والعليم، وملجأ آمن للقلوب المكسورة والآمال المكنونة.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أن رجلاً فقيراً يائساً كان يسافر في الصحاري الشاسعة، وقد غلبه اليأس والعطش. لم يكن لديه القدرة على الكلام، ولا حتى على البكاء بصوت عالٍ. لم تخرج من قلبه سوى تنهيدة عميقة صامتة، وكأنها تحتوي على كل آلامه. في ذلك الصمت المطلق، تحت السماء القاسية، صعدت هذه التنهيدة الصامتة نحو الملكوت الأعلى. وفي تلك اللحظة بالذات، ظهرت سحابة صغيرة من العدم، ونزل مطر لطيف عليه، فأطفأ عطشه وأحيا روحه. علم حينها أنه على الرغم من أن لا لسان بشري سمع تنهيدته، فإن الله العظيم، العليم بما تخفيه الصدور، قد سمع حتى تلك التنهيدة الصامتة واستجاب لها، لأن الله أقرب إلى عباده من حبل الوريد وهو عليم بما تكنه القلوب.

الأسئلة ذات الصلة