هل يهتم الله بأصغر آلامي؟

نعم، يهتم الله اهتمامًا كاملًا بأصغر آلامنا، جسدية كانت أم نفسية. إنه أقرب إلينا من حبل الوريد، ولا شيء يخفى عن علمه ورحمته اللامتناهية.

إجابة القرآن

هل يهتم الله بأصغر آلامي؟

نعم، بكل تأكيد وبلا أدنى شك، الله سبحانه وتعالى يهتم اهتمامًا كاملًا ولا متناهيًا بأصغر آلامنا، سواء كانت جسدية أو نفسية. هذا هو أحد أعمق التعاليم القرآنية وأكثرها راحةً للنفس، فهو يطمئننا بأن شيئًا لا يخفى عن علمه وقدرته، وأنه لا يوجد جزء من وجودنا، بما في ذلك مشاعرنا ومعاناتنا، خارج نطاق عنايته الإلهية. الله هو خالقنا، وعلمه بمخلوقاته لا حدود له. إنه لا يعلم الظاهر فحسب، بل يعلم أيضًا خفايا الأنفاس، والأفكار التي بالكاد ندركها نحن بأنفسنا، وأصغر اهتزازات قلوبنا. هذا الاهتمام الإلهي ينبع من سعة وشمول علمه اللانهائي، وقدرته، وحكمته، ورحمته العظمى. في القرآن الكريم، تؤكد العديد من الآيات على هذه الحقيقة؛ أن الله عليم بكل شيء وقدير على كل شيء. فعلى سبيل المثال، في سورة ق (الآية ١٦) يقول الله تعالى: «وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ». هذه الآية توضح بجلاء أن الله لا يعلم وسوسة النفس وأفكارنا الخفية فحسب، بل يعبر بـ«أقرب إليه من حبل الوريد» عن مدى قربه وحضوره الدائم. عندما يكون قريبًا منا إلى هذا الحد، فكيف يمكن أن يكون غافلاً عن آلامنا، مهما بدت صغيرة؟ فالألم، سواء كان وخزًا صغيرًا في الإصبع أو حزنًا عميقًا غير معلن، يقع كله ضمن نطاق علمه وحضوره. هذا القرب الإلهي يمنحنا الاطمئنان بأننا لسنا وحدنا في أي لحظة، وأن لا معاناة تفلت من عين عنايته. إنه لا يعلم فحسب، بل يستجيب بحكمته ورحمته. وكذلك، في سورة الأنعام (الآية ٥٩) ورد: «وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ». هذه الآية ترسم صورة مذهلة لاتساع العلم الإلهي. فعندما لا يخفى عن علمه حتى سقوط ورقة شجر، أو وجود حبة في أعماق ظلمات الأرض، فكيف يمكن أن يخفى عليه ألم ومعاناة إنسان، وهو أشرف مخلوقاته؟ هذه المقارنة تبرز عظمة علم الله في أدق تفاصيل الوجود، وتذكرنا بأن آلامنا ومعاناتنا هي أيضًا جزء من هذه التفاصيل التي تخضع لنظره وعلمه. اهتمام الله بآلامنا لا يقتصر على «العلم» فحسب، بل يشمل أيضًا «الرحمة» و«المواساة». فهو «أرحم الراحمين» (أكثر الرحماء رحمة) و«مجيب الدعوات» (مستجيب الدعوات). في سورة الزمر (الآية ٥٣) يقول: «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ». إذا كانت رحمة الله واسعة إلى هذا الحد لدرجة أنها تغفر الذنوب العظام، فكيف يمكن أن يكون غافلاً عن الآلام الصغيرة لعباده؟ رحمته تشمل العباد الذين يلجأون إليه في الشدائد والآلام. فأحيانًا تكون هذه «الآلام»، مهما كانت صغيرة، فرصًا لتكفير الذنوب، أو رفع الدرجات الروحية، أو حتى يقظة من الغفلة. من منظور إلهي، كل ألم، مهما صغر، يمكن أن يحمل حكمة وخيرًا قد لا ندركه في حينه. فالله قد يستخدم هذه الآلام ليقربنا إليه، ويمتحن صبرنا، ويعلمنا أنه وحده من يستطيع أن يكون السند الحقيقي والمريح. لذلك، عندما يحل بنا ألم، حتى أصغر ألم، يجب أن يظل هذا اليقين حيًا في قلوبنا: أن خالقنا يعلم به، وأن قدرته ورحمته تستطيع أن تخففه، أو عند الضرورة، أن تعيننا على تحمله وتجزل لنا الأجر العظيم على صبرنا. العديد من الأحاديث النبوية تشير أيضًا إلى أن حتى الشوكة الصغيرة التي تصيب المؤمن هي كفارة لذنوبه. وهذا يدل على أنه في المنظور الإلهي، لا يوجد ألم عديم الفائدة، وكل معاناة، مهما صغرت، لها معنى وهدف. هذا الاعتقاد يمنحنا سلامًا عميقًا ويتيح لنا مشاركة أدق مخاوفنا وآلامنا مع خالقنا بثقة كاملة، لأنه سميع عليم ومجيب رحيم. التوكل عليه في لحظات الألم والمعاناة، حتى أدقها، لا يخفف عنا العبء فحسب، بل يقوي رابطتنا به. فليطمئن قلبك واعلم أن لا ألم، مهما قل، يخفى عن عين العناية الإلهية، وإنه سبحانه وتعالى قريب ودود رحيم دائمًا. هذا الاهتمام الإلهي لا يشمل الآلام الجسدية فحسب، بل يمتد ليشمل الآلام الروحية والعاطفية، والمخاوف اليومية، وكسر القلوب، والشعور بالوحدة، وأي ضيق يكمن في أعماق وجودنا. في بعض الأحيان، كلمة غير محسوبة، أو نظرة باردة، أو عدم فهم يمكن أن يخلق ألمًا صغيرًا ولكنه عميق في قلب الإنسان. فهل الله غافل عن هذه الآلام؟ حاشا لله! إنه لا يعلمها فحسب، بل قد وضع سبيلاً لتخفيفها وشفائها. الذكر والتسبيح، والصلاة والدعاء، وتلاوة القرآن، والاستغفار، كلها أدوات منحنا إياها الله لتسكين آلامنا الروحية. فعندما يلجأ الإنسان إلى الله بكل جوارحه ويعرض عليه ألمه، يشعر بخفة وسلام لا مثيل لهما. وهذا بفضل علمه التام بحالة العبد وقدرته المطلقة على تغيير حاله. في الحقيقة، هذا الاعتقاد بأن الله يهتم بأصغر آلامنا هو أساس التوكل والثقة الكاملة بالله تعالى. عندما نعلم أنه يشرف على أدق تفاصيل حياتنا، فلا ينبغي لنا بعد الآن أن نستهين بأي قلق أو ألم، وأن نشعر بالخجل من طرحه عليه. فالدعاء من أجل صداع بسيط، أو من أجل العثور على شيء مفقود، أو لإزالة سوء فهم بسيط في العلاقات، كلها تندرج ضمن دائرة الاهتمام الإلهي والاستجابة. هذا الاهتمام الدائم والشامل هو العمود الفقري لعلاقة العبد بربه، وهي علاقة مبنية على المحبة والثقة والأمل. لذا، لا تظن أبدًا أن ألمًا أو مشكلة ما هي تافهة جدًا بحيث لا تستحق أن تُعرض على الله. إنه الخالق، وكل ما نطلبه منه، وإن كان تافهًا مقارنةً بعظمته، إلا أنه من منظوره، كل حاجة وألم لعبده مهم وجدير بالاهتمام. هذا الفهم يفتح للإنسان بابًا من الطمأنينة والسكينة العظيمة.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في الأزمنة القديمة، في مدينة عظيمة، عاش درويش ورع وطيب القلب. كانت عادته أن يكل أمره لله في كل حال وفي كل عمل، صغيرًا كان أم كبيرًا، وأن يشارك حاجته معه. ذات يوم، بينما كان يسير في طريق وعرة، وخزت شوكة صغيرة قدمه، فسببت له ألمًا طفيفًا. فسأله تلميذ كان يرافقه بدهشة: «يا شيخ، هل يجب عليك أن تتأوه وتشتكي كثيرًا لمثل هذه الشوكة الصغيرة؟» ابتسم الدرويش وقال: «يا بني، أنت لا تعلم عظمة الله. فالملك الذي يهتم بحال نملة في الصحراء ويعلم بانكسار جناح بعوضة، كيف يغفل عن ألم عبده؟ هذه الشوكة، وإن كانت صغيرة، إلا أنها ذكرتني بأنه لا ملجأ إلا إليه، وأنه يسمع أدق الهمسات ويرى أشد الآلام الخفية. فلماذا لا أشارك ألمي الصغير مع ملك الملوك؟» تعلم التلميذ درسًا من كلام الدرويش وفهم أن رحاب الباب الإلهي واسعة جدًا ورحمته لا حدود لها، بحيث لا يخفى عن بصره أي حاجة، مهما كانت تافهة، وأن كل ألم، مهما صغر، هو عظيم وجدير بالاهتمام في نظره.

الأسئلة ذات الصلة