يؤكد القرآن على ضرورة الصداقة مع الصالحين، ولكنه يتعامل بحذر مع الصداقة مع غير المسلمين.
يولي القرآن الكريم اهتمامًا خاصًا لموضوع الصداقة والصلات الاجتماعية، حيث يُعتبر هذا الموضوع من الجوانب الأساسية في حياة الإنسان التي تعكس قيمه ومبادئه. فجعل الإسلام من العلاقات الإنسانية ركيزة أساسية لتكوين مجتمعات متماسكة قادرة على القيام بدورها في بناء الحضارة الإنسانية. فقد تناول القرآن الكريم في العديد من آياته أهمية العلاقات الإنسانية وأثرها على المجتمعات، مما يعكس القيم الإسلامية التي تدعو إلى الحب والرحمة والتعاون بين البشر، بغض النظر عن اختلافات الدين أو العرق أو الثقافة. إحدى الآيات التي تحمل في طياتها تحذيرًا عميقًا للمؤمنين من صداقة غير المسلمين تأتي في سورة المائدة، الآية 51، حيث يقول الله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ". يُظهر هذا التحذير أهمية حماية الهوية الإسلامية والقيم التي يعتنقها المسلم، وليس تشجيعًا على الكراهية أو الانعزالية. فالتفسير الصحيح لهذه الآية يُشير إلى ضرورة اتخاذ شاعر ثقة وتحقيق توازن في العلاقات الاجتماعية. ومع ذلك، هناك آيات أخرى تؤكد على أهمية التعايش السلمي وحسن التعامل مع الآخرين. ففي سورة آل عمران، الآية 64، يُشير الله تعالى إلى أهل الكتاب ويشجع المؤمنين على إقامة حوار حسن معهم، حيث يقول: "قُلْ يَـٰٓأَهْلَ ٱلْكِتَـٰبِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَآءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِۦ شَيْئًا". يُظهر هذا النص أن القرآن لا ينكر إمكانية بناء علاقات صداقة مع غير المسلمين، بل يدعو للتعاون والاحترام المتبادل. إن العلاقات الإنسانية يجب أن تتسم بالأخلاق الكريمة والمعاملة اللائقة، حيث إن المثال الذي يُقدم في العلاقات الإنسانية هو الركيزة الأساسية في تعزيز المجتمعات. فالأخلاق هي التي تحدد العلاقات، ويجب أن تُبنى الصداقات على الأسس الأخلاقية والمبادئ المشرقة التي تحث على الاحترام والتفاهم. في السياق ذاته، نجد أن سورة التكاتر، الآية 1، تحذر المؤمنين من التفاخر بالثروة والسلطة، وتذكرهم بأهمية الروابط العميقة في الصداقات التي تتجاوز المظاهر. يقول الله في هذه السورة: "أَلْهَاكُمُ ٱلتَّكَاثُرُ"، مما يعني أن الانشغال بالتفاخر بالمكانة الاجتماعية والمظاهر الخارجية يمنع الأفراد من رؤية القيم الحقيقية للعلاقات الإنسانية. كما يُعزز القرآن الكريم من فكرة تكوين صداقات إيجابية وأخلاقية، مع التأكيد على ضرورة اختيار الأصدقاء بعناية. فالصديق الجيد هو الذي يُعين الإنسان على طاعة الله ويُذكره بالأفعال الحسنة، ويكون له دور في تحسين حياته الروحية والاجتماعية. لذلك، يجب أن يتحلى الفرد بمعايير واضحة لانتقاء أصدقائه، بحيث يمكنهم دعم إيجابياتهم وتصحيح أخطائهم. من جهة أخرى، فإن العلاقات الإنسانية مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بسلوك الأفراد وأخلاقهم. ينبغي على المسلم أن يسعى دومًا للاحتفاظ بالعلاقات الجيدة التي تُعزز من إيمانه وتقربه من الله سبحانه وتعالى. وهذا الأمر يتطلب منه توخي الحذر في اختيار الأشخاص الذين يحيطون به، والابتعاد عن الذين قد يسعون إلى هدم مبادئه أو التقليل من قيمه. علاوة على ذلك، ينبغي أن يُظهر المسلمون نماذج إيجابية في التعامل مع الآخرين، بغض النظر عن الدين أو العرق، ليكونوا قدوة جيدة تمنح الثقة لبناء جسر من التفاهم والتعاون بين الشعوب والثقافات المختلفة. إن المجتمع المُتعاون يُعتبر مجتمعًا صحيًا يسعى إلى دفع عجلة التقدم نحو الأمام، مما أكده الكثير من الآيات القرآنية التي تدعو إلى التقارب. وفي الختام، يأتي موضوع الصداقة والصلات الاجتماعية كثيرة الأهمية، فهو مطلب أساسي يُحتم على المسلمين التفكير فيه بعمق. فالقرآن الكريم يُشير إلى ضرورة تعزيز القيم الأخلاقية والمعاملة الحسنة بين الناس، مع تعزيز العلاقات القائمة على الحب والاحترام بين جميع الأفراد. ومن خلال فهم هذه المبادئ وتطبيقها في حياتنا اليومية، يمكن تحقيق مختلف الأهداف المجتمعية وتعزيز العلاقات الإنسانية التي تسهم في بناء مجتمع أفضل وأرقى.
يومًا ما، كان زيد وعلي، اللذان كانا أصدقاء مقربين، يتحدثان عن الدين والصداقة. كان زيد مسلمًا بينما كان علي من أهل الكتاب. سأل زيد علي ما إذا كان بإمكان صداقتهما الاستمرار. ابتسم علي وأجاب: "صداقتنا قائمة على الحب والإنسانية، وليس الدين. نحن نتعامل مع بعضنا البعض بشكل جيد وندعم بعضنا البعض في الأوقات الصعبة. لذلك يمكننا أن نكون أصدقاء جيدين!" أكدت هذه المحادثة أن الصداقات التي تأسست على الخير والنوايا الحسنة يمكن أن تكون دائمة وبناءة.