يؤكد القرآن على العمل والجهد في الحياة ، ويعتبرها وسائل للنمو الشخصي والاجتماعي.
يُعتبر العمل من المبادئ الأساسية التي يدعو إليها الإسلام، حيث يشكر الله تعالى عباده المستغفين الساعين في شؤونهم ومصالحهم الحياتية. ويتجلى هذا المعنى في القرآن الكريم، إذ نجد آيات كثيرة تدعو إلى العمل والجهد، مما يعكس أهمية السعي في جميع مجالات الحياة لتحقيق النجاح والرفعة. فالعمل في الإسلام لا يُعتبر مجرد وسيلة لكسب الرزق، بل يُعد عبادة تعكس إخلاص النية وتوجه القلب نحو الله. إن العمل عبادة مزدوجة، إذ يعكس استجابة المؤمن لدعوة الله ويحقق له الاطمئنان والسعادة في هذه الحياة. تتجلى أولى دعوات العمل في القرآن الكريم في آيات متعددة، حيث يقول الله سبحانه وتعالى في سورة الجمعة: "فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّـهِ" (الآية 10). تشير هذه الآية الكريمة إلى ضرورة السعي والكسب بعد تأدية الصلاة، مما يُبرز أهمية الموازنة بين العبادة والعمل والاجتهاد في الحياة. فالصلاة، رغم كونها فرضًا، لن تكون كافية لتحقيق الاكتفاء الذاتي، وبدلاً من ذلك، تشجع الآية المؤمنين على البحث عن مصادر رزقهم بأسلوب مشروع بعد إتمام الفرائض. هذا المفهوم يتجلى أيضًا في الآيات التي تتحدث عن جهود النبي سليمان عليه السلام، حيث قال الله تعالى في سورة النمل (الآية 40): "قال الذي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الكتابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ". وهذا يُظهر كيف أن العمل والجهد يُقدمان كأدوات للسيطرة والنمو في المعرفة، بما في ذلك العلوم والتكنولوجيا. إذًا، العمل في مجالات المعرفة والابتكار يعكس روحية السعي والعزيمة في رؤية النبي سليمان للإبداع والتفوق في العمل. بالإضافة إلى ذلك، يؤكد القرآن الكريم على حقوق العمال ويحث على ضرورة تعويضهم بشكل عادل. ففي سورة المطففين (الآية 1-3) يقول الله: "وَيلٌ لِّلمُطفِّفينَ الَّذينَ إِذَا اكْتَالوا عَلَى النّاسِ يَستَوْفُونَ وَإِذَا كَالَهُم أَو وزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ"، مما يبرز أهمية العدل والإنصاف في المعاملات. يشدد الإسلام على قيمة العمل والمساهمات التي يقدمها الأفراد في المجتمع، حيث يجب أن يُعترف بجهودهم ويُعوضوا بشكل مناسب. لا يمكننا تجاهل القيم الإيجابية التي يحملها العمل في حياتنا. فعندما يعمل الفرد بنية صادقة، فإنه لا يساهم فقط في تحسين وضعه الاجتماعي والاقتصادي، بل يتجاوز ذلك ليصبح عنصراً إيجابياً في مجتمعه. لذا، فإن العمل في الإسلام له أبعاد روحية واجتماعية تتجاوز كونه مجرد وسيلة لكسب العيش، بل يُعبر عن إيمان الفرد بأهمية دوره في المجتمع. إن هذه القيم تعزز من روح التعاون والتكامل بين أفراد المجتمع، وتدفع الناس إلى تقديم أفضل ما لديهم. علاوة على ذلك، يُعتبر العمل وسيلة للنمو الشخصي والتطوير الذاتي. فالجهد المبذول في تحقيق الأهداف والتغلب على التحديات يساهم في تطوير المهارات والكفاءات التي يحتاجها الفرد ليكون ناجحًا. في هذا السياق، يشير الله تعالى في القرآن الكريم إلى أهمية الصبر والإصرار، حيث يقول في سورة البقرة (الآية 153): "إنَّ اللهَ معَ الصَّابِرِينَ"، مما يعكس أهمية الصبر على العمل والجهد في سبيل تحقيق الأهداف. يتطلب النجاح إرادة قوية وعزيمة صارمة، ويتحقق ذلك من خلال العمل الدؤوب والالتزام بالأخلاق الحميدة. وفي الختام، فإن العمل والجهد المعهود في القرآن الكريم يجسدان القيم الحقيقية التي يحتاجها المجتمع. إن العمل يجب أن يُمارس بروح من الرغبة والنية الصادقة، ليس فقط لتحقيق المكاسب الشخصية، ولكن لخدمة المجتمع ككل. إن الالتزام بالعمل يمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا في حياة الأفراد والمجتمعات، كما أنه يُعزز من القيم والتقاليد الإسلامية التي تدعو إلى العمل الصالح والإسهام في تحقيق النهضة. ومن هنا، يُعتبر العمل في الإسلام أكثر من مجرد واجب، بل عبادة ينبغي للناس الالتزام بها لتعزيز روح التعاون والتكامل بين الأفراد والمجتمعات. إن هذا الالتزام ليس فقط من أجل تحقيق النجاح الشخصي، بل هو أيضًا من أجل بناء مجتمع قائم على العدل والكرامة، حيث يُعترف بقيمة العمل وتُقدّر الجهود، فيسود التعاون والتكافل بين الجميع. إن العمل في الإسلام يشكل جزءًا أساسياً من الهوية الإنسانية، ويُعزز من التماسك الاجتماعي ويساهم في تحقيق الأهداف العليا للمجتمع. ولذا، يجب علينا جميعًا أن نُعيد النظر في كيفية إدراكنا لعملنا وكيفية أدائنا له، بحيث نُعيد الروح الإيمانية إلى كل ما نقوم به ونعتبره عبادة نتقرب بها إلى الله.
كان يا مكان في قديم الزمان شاب يدعى أمير يعيش في قرية. كان دائمًا يبحث عن طريقة للتقدم وكسب العيش. ذات يوم قرر أن يتأمل في الآية القرآنية التي تقول: 'فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ' مُلْهَمًا من هذه الآية ، قرر أمير الذهاب إلى السوق وبدء مشروع صغير. بدأ ببيع الفواكه والخضروات ، ومع الجهد المستمر والعمل الجاد ، ازدهر متجره. وسرعان ما أدرك أن العمل والسعي لا يؤديان فقط إلى النجاح ولكنهما يجلبان أيضًا السلام العقلي. بهذه الطريقة ، تعلم أمير من القرآن وحول حياته من خلال العمل الجاد المُلهم من آياته.