يتناول القرآن بالتفصيل موضوع الخوف والأمن، معتبراً الخوف من الله إيجابياً وبناءً، بينما يعد المخاوف الدنيوية سلبية وباطلة. ويتحقق الأمن الحقيقي فقط بالإيمان والتوكل على الله والعمل الصالح.
نعم، بشكل قاطع وواسع، يتناول القرآن الكريم موضوعي الخوف والأمن. يتم بحث هذين المفهومين من جوانب مختلفة، مما يسهم في رفاهية الفرد العقلية والروحية، وفي استقرار المجتمع وسلامه. لا يحدد القرآن الأنواع المختلفة من المخاوف التي يواجهها البشر فحسب، بل يقدم أيضًا حلولًا عملية وروحية للتغلب على المخاوف السلبية وتحقيق الأمن الحقيقي. من ناحية، يتحدث القرآن عن 'الخوف' بمعناه الإيجابي، وهو 'الخوف من الرب'. هذا الخوف ليس من نوع الرعب والقلق، بل هو من نوع الهيبة والتعظيم والعبودية. عندما يدرك المؤمن عظمة الله وقدرته وعدله، ينشأ في قلبه خوف مقدس يمنعه من ارتكاب الذنوب ويدفعه نحو أداء الأعمال الصالحة والتقرب إلى الله. هذا النوع من الخوف هو دافع قوي للتزكية والتقوى. على سبيل المثال، تشير آيات عديدة إلى أهمية التقوى والخوف من يوم القيامة، مما يدفع الإنسان إلى تحمل المسؤولية ومحاسبة نفسه على أفعاله. هذا الخوف بناء ومنقذ، ويعتبر مفتاح تحقيق الأمن الأخروي. ولكن من ناحية أخرى، يشير القرآن أيضًا إلى المخاوف السلبية والمدمرة التي غالبًا ما تنبع من ضعف الإيمان والتعلق بأمور الدنيا. وتشمل هذه المخاوف: الخوف من الفقر، الخوف من فقدان المكانة، الخوف من المستقبل المجهول، الخوف من الأعداء، والخوف من الموت. يدعو القرآن المؤمنين ألا يخافوا شيئًا أو أحدًا إلا الله. ويؤكد أن القوة المطلقة في يد الله، وأن أي خوف آخر ضئيل أمام قدرته. هذا عدم الخوف من غير الله يمنح الإنسان الشجاعة والعزة بالنفس والثبات على طريق الحق. على سبيل المثال، في قصص الأنبياء وكفاحهم ضد الظالمين، يشير القرآن مرارًا إلى عدم الخوف من تهديدات الأعداء وينصح بالتوكل على عون الله. يعلمنا القرآن أن الشيطان ووساوسه يحاولون دائمًا زرع الخوف واليأس في قلب الإنسان لصدّه عن طريق الله، ولكن بالتوكل على الله وذكره يمكن التغلب على هذه المخاوف. مقابل مفهوم الخوف، يقع مفهوم 'الأمن'. يعتبر القرآن الأمن نعمة عظيمة من الله، وتشمل الأمن الجسدي والنفسي والروحي. لا يتحقق الأمن الحقيقي والمستدام إلا في ظل الإيمان الصادق والعمل الصالح. لقد وعد الله مرارًا وتكرارًا في القرآن عباده المؤمنين والصالحين بالأمن والاطمئنان. يتجلى هذا الأمن في الدنيا في شكل راحة البال، والحماية من البلايا والأعداء، وتوفير الرزق الحلال، وفي الآخرة في شكل الحصانة من عذاب الله ودخول الجنة. على سبيل المثال، تشير سورة قريش إلى أمن مكة من الجوع والخوف، وهي نعمة من الله لأهلها. وكذلك في سورة الأنعام، الآية 82، يُصرح بأن الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم، أولئك لهم الأمن وهم مهتدون. توضح هذه الآية صراحة أن الأمن هو نتيجة لصلة لا تنفصم بين الإيمان والعمل الصالح والامتناع عن الظلم. علاوة على ذلك، يوضح القرآن سبل تحقيق الأمن. من أهمها: التوكل على الله، ذكره، إقامة الصلاة، إيتاء الزكاة، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسعي في سبيل الحق. عندما يطمئن قلب الإنسان إلى الله ويؤمن بوعوده، يتحرر من مخاوف الدنيا ويصل إلى الأمن الروحي. هذا السلام الداخلي يمنحه القوة لمواجهة تحديات الحياة ومشاكلها بعقل هادئ وقلب مطمئن. علاوة على ذلك، يعتبر الأمن الاجتماعي والعام أيضًا من أهداف القرآن، ويتحقق ذلك من خلال إرساء العدل، واحترام حقوق الآخرين، وتطبيق القوانين الإلهية. فالمجتمع الذي يقوم على العدل والإيمان سينعم بأمن واستقرار دائمين. باختصار، يتناول القرآن الكريم موضوع الخوف والأمن بشكل شامل وعميق. يقسم الخوف إلى نوعين: بناء (الخوف من الله) ومدمر (الخوف من غير الله)، ويقدم طرقًا للتغلب على المخاوف السلبية. في المقابل، يعتبر الأمن نعمة إلهية ونتيجة للإيمان والعمل الصالح، يُمنح للمؤمنين في الدنيا والآخرة. تساعد هذه التعاليم الإنسان، بالتوكل على الله، على التغلب على مخاوفه وتحقيق السلام والأمن الحقيقي، سواء على المستوى الفردي أو المجتمعي.
في قديم الزمان، كان هناك تاجر ثري ترسل قوافله إلى البلاد البعيدة. كل ليلة، على الرغم من ثروته الهائلة، كان يعيش في رعب من هجمات قطاع الطرق وكساد السوق وفقدان أمواله، ولم يذق طعم النوم الهانئ. في نفس المدينة، كان يعيش درويش بسيط القلب لا يملك سوى عباءة ممزقة وقليل من الخبز. في أحد الأيام، التقى التاجر الدرويش بوجه متجهم وروى له همومه. قال الدرويش بابتسامة هادئة: «أيها التاجر، خوفك ليس من قطاع الطرق ولا من السوق، بل من تعلق قلبك بما تملك. الأمن الحقيقي لمن قطع قلبه عن متاع الدنيا وسلمه لله.» فكر التاجر في هذه الكلمات الحكيمة، ومع مرور الوقت، أدرك أن السلام والأمن الحقيقي لا يكمن في الكنوز، بل في التوكل على الله والرضا بقضائه. ومنذ ذلك الحين، قل خوف التاجر وازداد توكله على الله، واتخذت حياته لونًا آخر.