يتسم المؤمنون في القرآن بالخشوع في الصلاة، والإعراض عن اللغو، وإيتاء الزكاة، وحفظ الفروج، ورعاية الأمانات والعهود، والمحافظة على الصلوات. وهم أيضًا صبورون، متوكلون على الله، منفقون في سبيله، ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر.
القرآن الكريم، كلام الله المنزل، يرسم لنا صورة شاملة ومُلهمة لسمات المؤمنين الحق. هذه السمات ليست مجرد قناعات فكرية، بل هي تجليات عملية وسلوكية للإيمان الراسخ الذي يشكل حياة المؤمن الفردية والاجتماعية. الإيمان في المنظور القرآني يحدث تحولاً عميقًا في قلب الإنسان وروحه، وتتجلى ثماره في جميع أبعاد وجوده. تقدم هذه الصفات نموذجًا إلهيًا لتحقيق الفلاح والسعادة الأبدية، وتوضح كيف يجب على المؤمن الحقيقي أن يعيش ليحقق السكينة في الدنيا ورضا الله في الآخرة. أحد أكمل الأوصاف لسمات المؤمنين يرد في سورة المؤمنون (الآيات 1 إلى 11)، والتي تبدأ بتأكيد قاطع: "قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ". ثم تستعرض صفاتهم بالتفصيل. أول صفة تُذكر هي **الخشوع في صلاتهم**. الخشوع لا يعني مجرد أداء الحركات الظاهرية للصلاة، بل يعني حضور القلب، والتركيز، والتواضع العميق أمام عظمة الخالق. هذه الحالة الروحية تساعد المصلي على التحرر من هموم الدنيا وتوجيه كيانه كله نحو ربه. هذه الصلاة، هي العمود الفقري الروحي للمؤمن، وهي التي تنهاه عن الفحشاء والمنكر. ويمتد الخشوع في الصلاة إلى جميع جوانب حياة الفرد، فيمنحه التواضع أمام الآخرين، ويمنعه من الغرور والكبر. السمة الثانية هي **إعراضهم عن اللغو**. المؤمنون الحقيقيون لا يضيِّعون وقتهم وطاقتهم في الكلام الباطل والأفعال عديمة الفائدة. إنهم يدركون قيمة الوقت ويستغلونه في سبيل النمو الروحي، واكتساب العلم، والعمل المثمر، ومساعدة الآخرين. هذا الإعراض عن اللغو يدل على جدية المؤمن ومسؤوليته، ويدفعه نحو الأعمال ذات القيمة والهدف. أقوالهم حكيمة وأفعالهم هادفة، لأنهم يعلمون أن كل لحظة في العمر هي فرصة للتقرب إلى الله ولا ينبغي إهدارها في الباطل. الصفة الثالثة هي **فعلهم للزكاة وتطهير أنفسهم من الذنوب**. لهذه السمة بُعدان: مالي وروحي. من الناحية المالية، يدفع المؤمنون جزءًا من أموالهم كزكاة للمحتاجين، وهذا العمل يطهر المال ويبارك فيه ويساهم في العدالة الاجتماعية. ومن الناحية الروحية، الزكاة رمز لتطهير النفس من البخل، والجشع، والتعلق المادي. المؤمنون، بدفع الزكاة، يطهرون أنفسهم من أدران الذنوب والأنانية ويوجهون أرواحهم نحو البذل والإحسان. هذه السخاء لا يساعد المجتمع فحسب، بل يصقل روح الفرد ويطهرها من الملوثات المادية. **حفظ الفروج والعفة** هي سمة مهمة أخرى. لا يقيم المؤمنون علاقات غير شرعية إلا مع أزواجهم الحلال، ويحفظون أبصارهم وفروجهم من الحرام. هذا التأكيد على العفة والطهارة الجنسية هو أساس بناء مجتمع سليم وأسرة متينة. وتدل هذه الصفة على التحكم في النفس والشهوات، مما يعكس تقوى المؤمن وورعه ويحافظ على كرامته الإنسانية. بالإضافة إلى ذلك، يتميز المؤمنون بـ**رعايتهم لأماناتهم ووفائهم بعهودهم**. هذه الصفة تؤكد على أهمية الصدق والنزاهة والموثوقية في جميع التعاملات. كل ما يُودع لديهم، سواء كان مالاً أو سرًا أو مسؤولية، يحافظون عليه بأمانة تامة، ويفون بوعودهم. هذا الوفاء بالعهود والأمانة هو أساس الثقة في المجتمع ويجعل العلاقات الإنسانية مبنية على الصدق والاطمئنان. في مجتمع يلتزم فيه الجميع بعهودهم وأماناتهم، يسود السلام والثقة المتبادلة. أخيرًا، تعود سورة المؤمنون إلى موضوع الصلاة، مشيرة إلى أنهم **يحافظون على صلواتهم**. بينما ذكر الخشوع في الصلاة أولاً (متعلقًا بالكيفية)، تشير هذه الصفة إلى الاستمرارية والانتظام في أداء الصلوات. المؤمنون دقيقون وملتزمون بأداء صلواتهم الخمس. الصلاة بالنسبة لهم ليست عبئًا، بل حاجة روحية واتصال دائم بالخالق، وهي مصدر طمأنينة للقلوب وعامل استقرار في الحياة. هذا الحفاظ على الصلاة يساعد المؤمن على البقاء دائمًا في المسار الصحيح وعدم الغفلة عن ذكر الله. إلى جانب هذه الصفات الأساسية، يذكر القرآن صفات أخرى للمؤمنين، منها **الصبر والثبات**. ففي سورة البقرة (2:153) يقول تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ". يواجه المؤمنون الشدائد والمصائب ووساوس الذنوب بالصبر والثبات، ولا ييأسون أبدًا من رحمة الله. وصبرهم ليس لامبالاة، بل هو توكل ورجاء في فضل الله. ينطبق هذا الصبر ليس فقط على المحن، بل أيضًا على الثبات في طاعة الله والامتناع عن المعصية. **التوكل على الله** هو أيضًا من الخصائص البارزة للمؤمنين. بعد بذل قصارى جهدهم والتخطيط، يتركون نتائج أعمالهم لله تعالى ويثقون ثقة تامة بتدبيره. في سورة الأنفال (8:2)، يوصف المؤمنون الحقيقيون بأنهم "الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ". هذا التوكل يمنح المؤمن الطمأنينة وراحة البال، ويحرره من القلق المفرط بشأن المستقبل. **الإنفاق في سبيل الله**، سواء في الرخاء أو الشدة، هو من السمات الأخرى. المؤمنون، دون مقابل، ينفقون مما رزقهم الله لمساعدة المحتاجين ونشر الخير. تدل هذه الصفة على تحررهم من قيود الماديات والتزامهم بالمسؤوليات الاجتماعية. **الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر** أيضًا من الواجبات الهامة للمؤمنين. إنهم يدعون إلى الخير في المجتمع وينهون عن الشر، ولكن دائمًا بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن. تعكس هذه السمة الغيرة الدينية واهتمام المؤمن بإصلاح المجتمع وهداية الناس إلى الحق. في الختام، المؤمنون هم من يؤمنون بوحدانية الله إيمانًا كاملاً ويبرئونه من كل شريك. وحياتهم مبنية على التقوى، أي الابتعاد عن المعاصي وأداء الواجبات الإلهية بمنتهى الدقة والإخلاص. هذه المجموعة من السمات لا تؤدي إلى الفلاح في الآخرة فحسب، بل تجلب في الدنيا أيضًا السكينة والعزة والرفعة للمؤمنين، وتجعلهم نموذجًا للإنسانية الراقية.
في قديم الزمان، في مدينة شيراز، كان هناك رجل يُدعى "بهرام"، يعمل نجارًا، وقد ذاع صيته بالكرم والأمانة في جميع أنحاء المدينة. لم يكن بهرام يخلف وعدًا أبدًا، وكل ما كان يودع لديه، كان يحفظه بمنتهى الدقة والصدق. وكان خشوعه في الصلاة مضرب الأمثال؛ حتى إن الناس كانوا يقولون إنه عندما يقف للصلاة، فكأنما يتحدث مع السماء نفسها، ويغمر كيانه كله عظمة الله. في أحد الأيام، استدعى تاجر ثري ذو سمعة سيئة بهرام إليه. هذا التاجر، الذي كان يفضل جمع الثروة على كل فضيلة، أراد أن يطلب صنع سرير فاخر، لكن بشرط غريب: أراد من بهرام أن يستخدم أخشابًا رديئة ورخيصة ويغطيها بطلاءات وزخارف تجعلها تبدو ثمينة، ليحتفظ هو بفرق السعر. ووعده بمكافأة ضخمة، قائلاً: "يا بهرام! إن فعلت لي هذا، سأمنحك ثروة تعيش بها في رغد حتى آخر عمرك. ولن يعلم أحد سوى أنا وأنت." بهرام، على الرغم من أنه كان في ضائقة مالية ورأى بريق الذهب، أجاب بهدوء وتواضع ينبع من إيمانه: "أيها التاجر الكريم، ما طلبته مني يتعارض مع ضميري وإيماني. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: 'من غش فليس منا'. كيف يمكنني أن ألوث أمانة وضعها الله على عاتقي وربطها بمهارتي، بالغش؟ رزقي بيد الله، وهو خير الرازقين. وإن كنت سأخسر الآن ظاهريًا، فلن أبدل فلاحي الأخروي وراحة قلبي بأي ذهب أو زينة." غضب التاجر في البداية ووصفه بالجهل وضيق الأفق. ابتسم بهرام بصبر ولم يزد كلمة. انتشر الخبر في السوق، وسخر كثيرون من بهرام لأنه أضاع فرصة عظيمة كهذه. لكن سرعان ما أظهر الزمان وجهًا آخر. فقد قُبض على التاجر سيئ السمعة بسبب خداعه وصودرت أمواله. أما بهرام، فبقي على صدقه وأمانته، وتلقى المزيد من الطلبات. أدرك الناس أن صدق بهرام ليس مجرد كلام، بل ثبت في العمل. أتى إليه الزبائن من كل حدب وصوب، وكانوا مستعدين لدفع أي مبلغ ضروري ليعهدوا بأعمالهم إلى يدي بهرام الأمينتين والمؤمنتين. بلغ رزقه حدًا فاق به رزق التاجر الطماع، لكن بهرام لم يغفل أبدًا عن ذكر الله ومساعدة المحتاجين. كان دائمًا يقول: "الإيمان ليس باللسان فقط، بل يظهر في عمل الإنسان وسلوكه، ولن يقل فضل الله على الصابرين والصادقين أبدًا." وهكذا، أصبح بهرام نموذجًا للمؤمن الحقيقي الذي لم يعش حياة كريمة في الدنيا فحسب، بل كان بقلبه النقي ويديه الأمينتين، مصدر بركة وسكينة لمن حوله أيضًا. هذه القصة تذكرنا بالقول اللطيف لسعدي: "كذبة تخدم المصلحة، خير من صدق يثير الفتنة"، ولكن بهرام أظهر هنا أن الصدق المطلق والأمانة، حتى لو بدت صعبة في البداية، تؤدي في النهاية إلى الخير والفلاح وتجلب الرزق والعطاء الإلهي.