يُفرق القرآن بين الناس بناءً على التقوى والإيمان، مع التأكيد على الأخوة والمحبة بينهم.
يتناول القرآن الكريم مسألة التمييز بين الناس والفضائل المختلفة في عدة مواضع، حيث يُظهر بوضوح الرؤية الإسلامية العميقة للإنسانية، ويشير إلى أن القيمة الحقيقية للإنسان تكمن في تقواه وعلاقته بالخالق، وليس في أي شكل من أشكال التصنيف الاجتماعي أو العرقي. واحدة من أهم الآيات المرتبطة بهذا الموضوع هي الآية 13 من سورة الحجرات، التي يقول الله فيها: 'يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ.' هذه الآية تكشف عن أهمية مفهوم الهوية الإنسانية وتوضح أن التقوى هي المعيار الأساسي لتحديد مكانة الفرد عند الله، في حين أن الميزات السطحية مثل لون البشرة أو العرق تُعتبر غير مهمة عند النظر إلى قيمة البشر الحقيقية. لقد أعطى القرآن الكريم أهمية كبيرة لمفهوم التقوى، وجعله الأساس الذي يُميز بين الناس. الأفراد الذين يتمتعون بتقوى عالية هم الأكرم عند الله، بغض النظر عن خلفياتهم الاجتماعية أو الثقافية. إن هذه الرسالة ليست مجرد تعبير عن العدالة، بل هي دعوة للاعتراف بكرامة الإنسان واستحقاقه للتقدير، بغض النظر عن أي اعتبارات خارجية. يُعتبر هذا الفهم شمولياً لكافة العصور والأزمنة، فهو يدعو إلى إدراك عميق وصحيح للإنسانية، ويشدد على أهمية تعامل الأفراد مع بعضهم بعضاً بأخلاق سامية تستند إلى القيم الروحية. عندما نطلع على كتاب الله، نجد أن معظم آيات الذكر الحكيم تؤكد على وحدة الإنسانية وتدعو إلى المحبة، كما نقرأ في سورة آل عمران آية 32، حيث يأمر الله المؤمنين باتباع النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) والحفاظ على الأخوة بينما يظهر الفرق بينهم بوضوح. إن الالتزام بتعاليم الرسول الكريم، والتي تشمل قيم المحبة والعطاء والإيثار، هو الطريق نحو تحقيق هذه الأخوة. كان النبى (صلى الله عليه وسلم) يشدد على أهمية المحبة في المجتمع الإسلامي ويعتبرها أحد أسس العلاقات الإنسانية السليمة. إن قيم الإسلام تعزز من فكرة التواصل الإيجابي بين الأفراد، حيث تعطي الأولوية للأخلاق والإيمان بدلاً من المظاهر المادية. السؤال يتبادر إلى الذهن: كيف يمكن للمجتمعات الحديثة أن تستجيب وتتفاعل مع هذه المبادئ القرآنية؟ وكيف يمكن للفرد المسلم أن يجسد هذه التعاليم في حياته اليومية؟ يكمن الجواب في أن القرآن يمنح الأفراد الفرصة لاختبار تقواهم من خلال الأعمال الصالحة. وبدلاً من خلق المسافات، يشجع القرآن الكريم على تعزيز الصداقات والعلاقات الإنسانية القوية. من هنا، ينبغي على المجتمع أن يُدرك أهمية الأعمال الصالحة في بناء هوية إنسانية قوية، حيث يشدد القرآن على أن كل عمل صالح يمكن أن يُعتبر تقرباً إلى الله ويعكس عمق إيمان الفرد. بل وحتى الفهم العميق لمفهوم التقوى والإيمان يجب أن يصبح جزءًا من التعليم والتربية، ليصبح حاضراً في حياة الأجيال الجديدة. وبالتأكيد، تحديات العالم الحديث تتطلب منا مزيداً من الوعي. يجب أن نكون على وعي بالتحديات التي تواجه المجتمعات نتيجة التمييز العنصري والنزاعات الثقافية أو العرقية. يتعين على المجتمع أن يتسم بالالتزام الجماعي ونشر الوعي وتعزيز التعاون بين المجتمعات المختلفة. إن تحقيق السلام والتعايش السلمي بين البشر يُعتبر تعبيراً حقيقياً عن تطبيق المبادئ القرآنية التي تدعو إلى المساواة والمحبة بين جميع الناس. في الختام، يُعدّ القرآن الكريم دليلاً رائداً في الدعوة إلى القيم الإنسانية النبيلة، ويُظهر ضرورة وضع التقوى والإيمان كمعايير للتمييز بين الناس. إذا تمثلت هذه القيم في المجتمعات، فإنها ستؤدي بلا شك إلى تعزيز السلام والأخوة، وستساهم في بناء عالم أفضل للجميع. إن الرسالة القرآنية تدعونا للتغيير الإيجابي ولتعزيز الروابط الإنسانية، وهي دعوة تحتاج إلى استجابة من جميع أفراد المجتمع لتحقيق عالم يسوده الحب والتفاهم.
كان هناك شاب يدعى علي يعيش في عالم يتأثر بالمظاهر. كان يُحترم بين أصدقائه بسبب علمه وتقواه. ذات يوم، تمت دعوته إلى تجمع حضر فيه أشخاص من أعراق وجنسيات مختلفة. لاحظ علي أنه بالرغم من اختلاف الأشخاص في المظهر، إلا أن العديد كان لديهم قواسم مشتركة في الإيمان والتقوى. قرر أن يقوم الحكم على الآخرين بناءً على معاييره الدينية وأدرك أن كل إنسان له قيمته الخاصة، سواء كان ثريًا أو فقيرًا. هذه التجربة علمته أنه يجب الانتباه إلى المبادئ الإنسانية العالمية والاستفادة من تجارب وفهم بعضهم البعض.