ما هي الصفات التي تجعل العمل مقبولاً عند الله؟

لكي يكون العمل مقبولاً عند الله، يجب أن يكون مصحوبًا بنية خالصة (إخلاص)، وإيمان صادق، وأعمال صالحة، وتقوى إلهية. فالله لا يقبل الأعمال إلا من أولئك الذين يتحلون بهذه الصفات الأساسية.

إجابة القرآن

ما هي الصفات التي تجعل العمل مقبولاً عند الله؟

إن فهم الخصائص التي تجعل العمل مقبولاً عند الله تعالى هو أحد أهم وأساسي اهتمامات كل مؤمن. فقبول العمل في الحضرة الإلهية ليس فقط سبيلًا للسعادة في الدنيا والآخرة، بل هو مؤشر عميق على مدى ارتباط العبد ببارئه وصدقه في عبادته. يذكر القرآن الكريم، هذا الكتاب الهادي، عدة صفات للأعمال المقبولة، وكل واحدة منها بمفردها وبالتضافر مع الأخرى، تؤدي إلى القرب الإلهي ورضا الخالق. هذه الصفات تتجاوز مجرد الأداء الظاهري للعمل، بل تولي اهتمامًا خاصًا للباطن، والنية، والحالة القلبية للمؤدي. أولى هذه الصفات، وربما الأكثر جوهرية، هي «الإخلاص» أو النية الخالصة. الإخلاص يعني أن يؤدي الإنسان كل عمل صالح، سواء كان عباديًا أو اجتماعيًا، لله وحده، ابتغاء مرضاته لا للرياء والتظاهر أمام الناس، ولا لطلب الشهرة، أو السلطة، أو المنافع المادية. يؤكد القرآن الكريم في آيات عديدة على أهمية الإخلاص. على سبيل المثال، في سورة البينة، الآية 5، يقول الله تعالى: «وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ». هذه الآية تبين بوضوح أن الغاية من الخلق والعبادة هي تحقيق التوحيد والإخلاص في العبودية. العمل دون إخلاص يشبه الجسد بلا روح؛ فمهما كان ظاهره جميلاً، فإنه لا حياة فيه. قيمة العمل عند الله تقاس بمدى الصدق والإخلاص الكامن في نية فاعله. فحتى أصغر الأعمال يمكن أن تكتسب قيمة عظيمة بنية خالصة، بينما قد تصبح أعظم الأعمال لا قيمة لها بدون الإخلاص. الخاصية الثانية هي «الإيمان» أو الاعتقاد القلبي العميق بالله وتعاليمه. فالعمل الصالح لا يقبل دون إيمان راسخ. الإيمان هو الأصل والمنبع لكل عمل صالح. كثيرًا ما يذكر القرآن الكريم الإيمان والعمل الصالح متلازمين، وكأن أحدهما لا ينفصل عن الآخر. في سورة الكهف، الآية 110، جاء: «فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا». هذه الآية تبين بوضوح أن الرجاء في لقاء الرب ونيل رضاه يتحقق بأداء العمل الصالح واجتناب الشرك (الذي هو في حد ذاته نقص في الإخلاص والإيمان). إن الإيمان هو الذي يدفع الإنسان للسير على طريق الحق، وتحمل الصعاب، وعدم التخلف عن أداء الواجبات الإلهية. الخاصية الثالثة هي «العمل الصالح» أو أداء الأعمال الحسنة والمستقيمة. يجب أن يتجلى الإيمان والإخلاص في العمل. يشمل العمل الصالح كل فعل يتوافق مع الفطرة الإنسانية السليمة والتعليمات الإلهية، ويؤدي إلى صلاح الفرد والمجتمع. يمكن أن تكون هذه الأعمال عبادية، مثل الصلاة والصيام والزكاة، أو اجتماعية، مثل مساعدة المحتاجين، ورعاية حقوق الآخرين، والصدق في القول والسلوك، والعدل، وحتى الابتسامة لأخيك المؤمن. يؤكد القرآن الكريم باستمرار على أهمية العمل الصالح ويعد بمكافآت عظيمة لمن يقوم به. يحب الله أن يكون عباده نشطين ومؤثرين في المجتمع، لا يكتفون بالعبادات الفردية فقط. ويجب أن يكون العمل الصالح وفقًا للشريعة والسنة النبوية، وألا يكون نابعًا من الجهل أو البدعة، حتى لو كانت النية حسنة. الخاصية الرابعة هي «التقوى» أو الورع وخشية الله. التقوى هي حالة من الوعي واليقظة الدائمة لحضور الله وأوامره. فالمتقي حريص دائمًا على عدم تجاوز حدود الله وعدم التقصير في أداء واجباته. التقوى هي الحارس للإخلاص والإيمان، وتضمن بقاء أعمال الإنسان بعيدة عن كل نجاسة أو تلوث بالذنوب. في سورة المائدة، الآية 27، يقول الله تعالى: «إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ». هذه الآية تبين بوضوح أن شرط قبول العمل هو وجود روح التقوى. التقوى تجعل الإنسان يراعي حدود الله في كل موقف، سواء في العلن أو في السر، ويبتعد عن الأهواء النفسية والوساوس الشيطانية. هذه الصفة الداخلية تجعل الأعمال الظاهرية ذات مغزى ومقبولة. إضافة إلى هذه الخصائص الرئيسية، يمكن الإشارة إلى الاستمرارية في العمل الصالح، والثبات على الحق، والصبر في مواجهة الصعاب، والشكر على النعم، والابتعاد عن الذنوب الكبرى وحقوق العباد، وكلها تعد من فروع الإيمان والإخلاص والعمل الصالح والتقوى. في الختام، يجب أن نعلم أن الله لا يتوقع الكمال المطلق من عباده، بل يقدر الإخلاص في النية، والجهد الصادق، والثبات على طريق العبودية. قد يخطئ الإنسان، ولكن المهم هو أن يواصل طريقه نحو رضا الله بالتوبة والعودة، وبالسعي الجاد للتعويض والإصلاح. إن رحلة العبودية هذه هي مسار مستمر للنمو والتقرب، وكل خطوة فيها، مع مراعاة هذه الصفات، يمكن أن تكون مقبولة ومثاب عليها عند الله تعالى.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أنه في الأزمنة الغابرة، كان هناك عابد مشهور يصلي آلاف الركعات يوميًا ويتصدق بآلاف الدراهم على الفقراء، وقد ذاع صيته في المدن. كان الناس يمدحونه، وأينما ذهب، كانوا يعاملونه باحترام. ولكن إلى جانبه، عاش في المدينة رجل مغمور يعمل كعامل بسيط. كان يتبرع يوميًا بدرهم واحد فقط من كسبه المتواضع ليتيم، بنية خالصة وسرية، ولم يعلم أحد بعملته هذه سوى الله. ذات يوم، رأى الناس في المنام أن الملائكة تسجل اسم ذلك الرجل المغمور في أعلى المراتب، والعابد المشهور في مرتبة أدنى. سألوا: «أيها الملائكة الإلهية، كيف هذا؟ كيف يكون ذلك العابد بكل طاعاته وتبرعاته أقل من هذا الرجل المغمور؟» فأتى الجواب: «ذلك العابد كان يقوم بكل أعماله ليُرى ويُمدح من الناس، أما هذا الرجل المغمور، فكل عمل صغير قام به، كان خالصًا لوجه الله، وقلبه كان نقيًا من كل رياء وتظاهر. فالله لا ينظر إلى ظاهر العمل، بل إلى جوهر النية وسلامة القلب.»

الأسئلة ذات الصلة