لإزالة الشك في محبة الله، اعرف صفاته الرحيمة في القرآن وتأمل في نعمه التي لا تُحصى؛ فإن رحمته ومغفرته وحتى ابتلاءاته كلها علامات على الحب الإلهي.
إن الشعور بالشك في محبة الله قد يساور العديد من الناس في مراحل معينة من حياتهم، خاصة في أوقات الشدائد، أو المعاناة، أو مواجهة التحديات الكبرى. ولكن القرآن الكريم، وهو كلام الله، مليء بالآيات التي تعبر بوضوح عن محبة الله اللامتناهية لعباده ورحمته بهم، ويقدم حلولاً لإزالة هذا الشك وتقوية اليقين. لكي لا نشك في أن الله يحبنا، يجب أن نتدبر آياته بعمق ونلاحظ علامات محبته في الكون وفي حياتنا. الخطوة الأولى والأساسية هي معرفة أسماء الله وصفاته. فالقرآن الكريم يصف الله بصفات مثل "الرحمن" (الرحيم بكل المخلوقات)، و"الرحيم" (الرحيم بالمؤمنين بشكل خاص)، و"الودود" (المحب كثيرًا)، و"الغفور" (كثير المغفرة)، و"التواب" (كثير قبول التوبة). هذه الصفات وحدها تشهد على محبته ورحمته المطلقة. عندما يسمي الله نفسه "الودود"، فهذا يعني أنه مصدر كل حب ومودة، وأنه يحب عباده من أعماق قلبه. رحمته واسعة جدًا حتى تشمل من ينكرونه أو يذنبون. هذه الرحمة العامة (الرحمانية) تدل على أن جوهر وجود الله قائم على المحبة والرحمة، وأن محبته لعباده جزء لا يتجزأ من ذاته، وليست شيئًا عارضًا يمكن أن يتغير. ورحمته الخاصة (الرحيمية) للمؤمنين تشمل هدايتهم إلى الصراط المستقيم ومكافآتهم اللامتناهية في الدنيا والآخرة، وهو قمة المحبة الإلهية. السبيل الثاني لإزالة الشك هو التأمل في خلق الله وفي النعم التي لا تحصى التي أنعم بها علينا. فمن خلق السماوات والأرض، والنظام الدقيق للكون، ودورة الحياة، إلى أدق تفاصيل جسم الإنسان، والنعم اليومية مثل الماء، والهواء، والطعام، والصحة، والعائلة، والأصدقاء؛ كل هذه علامات واضحة على المحبة واللطف الإلهي. يقول الله في القرآن: "وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ" (إبراهيم، 14:34). كل هذا الرزق والتدبير الحكيم لراحة الإنسان ونموه، لا يمكن أن يصدر إلا عن حب وصداقة لا متناهية. كيف يمكننا أن نصدق أن من خلق لنا هذا العالم الفريد، ووفر لنا كل أسباب الحياة والنمو، لا يحبنا؟ النقطة الثالثة هي الانتباه إلى مغفرة الله وقبوله للتوبة. قد يشعر البعض بسبب ذنوبهم أنهم لا يستحقون محبة الله، ولكن القرآن يدحض هذا الاعتقاد بشدة. يقول الله في الآية 53 من سورة الزمر: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ". هذه الآية تفتح بابًا واسعًا من الأمل والمحبة الإلهية اللامتناهية لجميع المذنبين. فكون الله، على الرغم من أخطائنا، يظل دائمًا فاتحًا ذراع رحمته، ويقبلنا في كل مرة نتوب فيها، ويغفر لنا ذنوبنا، هو أكبر دليل على محبته غير المشروطة. هو يريدنا أن نعود إليه، لا أن نغرق في اليأس. وهذا العودة منه إلينا بالمغفرة هي رحمة عظيمة تهيئ القلوب المضطربة. رابعًا، يجب أن ندرك أن الابتلاءات والمصائب ليست دائمًا علامة على عدم محبة الله، بل قد تكون هذه الصعوبات نفسها مظهراً آخر من محبته. فقد تكون الابتلاءات وسيلة لتطهير الذنوب، أو رفع الدرجات الإيمانية، أو للنمو الروحي، أو لإيقاظ الإنسان. يقول الله في الآية 155 من سورة البقرة: "وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ". هذه الابتلاءات للمؤمنين هي فرصة للتقرب إلى الله بالصبر والتوكل، واكتشاف حكمته الخفية. فالأب الذي يدفع ابنه لتحمل الصعاب من أجل نموه وتربيته، يفعل ذلك بدافع المحبة، وليس بدافع القسوة. المحبة الإلهية تظهر أحيانًا في صورة الصعوبات لتهذبنا وتوصلنا إلى الكمال. خامسًا، إقامة تواصل دائم مع الله من خلال الدعاء والذكر والعبادة. عندما يدعو العبد بإخلاص ويعلم أن الله يسمع دعاءه ويستجيب له، فإن هذا الشعور بالارتباط هو أكبر عامل لليقين بمحبة الله. يقول الله في الآية 186 من سورة البقرة: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ". هذه الآية تظهر أن الله أقرب إلينا من حبل الوريد، وأنه مستعد دائمًا للاستماع والاستجابة لعباده. هذا القرب والاستعداد للاستجابة هو دليل قاطع على محبته التي لا مثيل لها. وأخيرًا، لكي يزول شكنا في محبة الله، يجب أن نكون دائمًا في حالة شكر وامتنان. فعندما نركز على النعم واللطائف الإلهية بدلاً من التركيز على ما ينقصنا أو على مشاكلنا، يمتلئ قلبنا باليقين بمحبة الله. الشكر يفتح لنا أبوابًا أكثر من الرحمة الإلهية، ويساعدنا على الشعور بوجود الله المحب في كل لحظة من حياتنا. لذا، من خلال التدبر في الآيات، ومعرفة صفات الله، والتأمل في خلقه، والتوبة والاستغفار، والصبر على الابتلاءات، وإقامة تواصل دائم من خلال الدعاء والذكر، يمكننا أن نتيقن أن الله يحبنا بلا حدود وأنه لا يغفل عنا أبدًا.
يُروى أنه في زمن السعدي، كان هناك رجل زاهد قد كرّس نفسه للعبادة لسنوات بقلب نقي ونية صادقة. لكن في بعض الأحيان، كان يتسلل إلى قلبه وسواس اليأس، فيقول لنفسه: "هل كل هذا الجهد والمشقة سيؤدي إلى شيء؟ هل يحبني الله حقًا مادمت أواجه مثل هذه الابتلاءات؟" ذات ليلة، رأى في المنام أنه يمشي في حديقة خضراء مورقة ومليئة بالفواكه الحلوة. فجأة، لاحظ أن جميع الأشجار قد ذبلت من جذورها، ولم يكن هناك أي ثمار على أغصانها. حزن الرجل حزنًا شديدًا. في تلك اللحظة، سمع صوتًا من الغيب يقول: "يا عبدي! أنت ترى الأشجار الظاهرة التي ذبلت، لكنك لا ترى أن البستاني المحب قد سقى جذورها بماء حكمته ومحبته. جفاف الأغصان يكون أحيانًا لتقوية الجذور، لتثمر فواكه أفضل وأدوم." استيقظ الرجل الزاهد، وأشرق في قلبه نور من المعرفة، فأدرك أن الصعوبات والابتلاءات ليست علامة على عدم المحبة، بل هي مظهر من مظاهر التدبير الإلهي والمحبة اللامتناهية. ومنذ ذلك الحين، انشغل بالعبادة بقلب أكثر هدوءًا ويقينًا أعظم، ولم يدع أي شك أو تردد حول محبة خالقه يدخل قلبه.