اليأس من الحياة في التعاليم القرآنية يُعد عدم احترام لقوة الله وحكمته ورحمته اللامتناهية. هذه الحالة تدل على ضعف الإيمان وقلة التوكل على الله تعالى، بينما المؤمن الحقيقي يظل دائمًا متفائلاً بالفرج والفضل الإلهي ويعلم أن بعد كل شدة يسراً.
من منظور التعاليم القرآنية والإسلامية، اليأس من الحياة ليس مجرد حالة نفسية سلبية، بل يمكن اعتباره شكلاً عميقاً من أشكال عدم الاحترام للذات الإلهية وصفاتها الكمالية. ينبع هذا عدم الاحترام من عدم الفهم الكافي لقوة الله اللامتناهية، وحكمته البالغة، ورحمته الواسعة. عندما يستسلم الإنسان لليأس المطلق، فإنه في الحقيقة، وبشكل أو بآخر، يرسل رسالة مفادها أن قدرة الله على تغيير الظروف وتيسير الأمور محدودة، أو أن رحمته لن تشمله، في حين أن القرآن الكريم يؤكد مراراً وتكراراً على لا حدودية قدرة الله ورحمته. هذا الرأي لا يتفق مع تعاليم الإسلام الأساسية فحسب، بل هو أيضاً إنكار ضمني لصفات الله الكاملة، التي تصوره على أنه القادر على كل شيء والأرحم. من ييأس كأنه نسي أن خالق الكون قادر على كل شيء ولا يتخلى أبداً عن عباده، إلا إذا ابتعد العبد عنه. اليأس يتناقض تماماً مع مبدأ التوكل. التوكل يعني الثقة القلبية بالله في جميع الأمور، مع الإيمان بأنه خير المدبرين وخير الناصرين. الشخص الذي ييأس، عملياً، يعني أنه فقد ثقته بالله. هذا يتنافى مع مقام الربوبية والخالقية الإلهية. لقد حذر الله تعالى في القرآن صراحة من الذين ييأسون من رحمته، واعتبر هذه الحالة قريبة من صفات الكافرين. على سبيل المثال، في سورة يوسف، الآية 87، يقول يعقوب عليه السلام لأبنائه: "يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِن يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلاَ تَيْأَسُوا مِن رَّوْحِ اللَّهِ ۖ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ". هذه الآية توضح بجلاء أن اليأس من رحمة الله هو من سمات الكافرين، وليس المؤمنين. فالمؤمن هو من يرى بارقة أمل في الفرج الإلهي حتى في أصعب الظروف، ويعلم أن وعد الله حق، وبعد كل شدة يأتي الفرج. هذا الموقف لا يساهم فقط في سلام الفرد الروحي، بل يساعده أيضاً في مسار الصبر والمثابرة. السبب الآخر لاعتبار اليأس عدم احترام هو تجاهل الحكمة الإلهية في تدبير الأمور. حياة الإنسان كلها اختبار وابتلاء. يقول القرآن الكريم إن البشر سيُختبرون حتماً لتحديد مدى صبرهم وإيمانهم: "وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ" (البقرة: 155). اليأس في مواجهة هذه الاختبارات يعني عدم فهم هذه الحقيقة بأن كل صعوبة لها حكمة ويمكن أن تؤدي إلى النمو والارتقاء وتكفير الذنوب. إن قبول هذه الحكمة والنظر بإيجابية إلى المشاكل هو بحد ذاته احترام للتدبير الإلهي. يساعد هذا المنظور الفرد على البحث عن الدروس والفرص الكامنة في المشكلات، بدلاً من الغرق في الحزن واليأس، مع العلم أن الله لا يحمل نفساً فوق طاقتها. كذلك، اليأس، هو نوع من التجاهل لنعم الله التي لا تحصى. حتى في أوج المشاكل، يمتلك الإنسان نعمًا لا تعد ولا تحصى قد لا يراها بسبب التركيز على المشاكل. الصحة، العائلة، القدرات الفردية، وحتى التنفس، كلها نعم تستوجب الشكر، والشكر عليها علامة إيمان واحترام للمُنعم. غالباً ما يكون اليأس مصاحبًا للجحود، وهو يقضي على روح الشكر. الشكر يفتح الأبواب لزيادة النعم ومزيد من الأمل، بينما الجحود يمهد الطريق لليأس والقنوط. المؤمن الحقيقي، في كل لحظة من حياته، حتى في الأوقات الصعبة، يسعى للعثور على النعم التي لا يزال يمتلكها ويشكر عليها، وهذا الشكر بحد ذاته يمنعه من الغرق في هاوية اليأس. من الآيات القرآنية التي تبعث على الطمأنينة بشكل كبير، الآية 53 من سورة الزمر: "قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ" (قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم). هذه الآية دعوة صريحة إلى الأمل والعودة إلى الله، حتى لمن ارتكبوا الكثير من الذنوب. إذا كان الله لا يدعو عبداً غارقاً في المعاصي إلى اليأس من رحمته، فكيف يكون اليأس جائزاً لمن يواجه مجرد مشاكل دنيوية؟ تؤكد هذه الآية أن باب رحمة الله مفتوح دائماً، وأن اليأس، في الحقيقة، هو إغلاق هذا الباب على النفس وإنكار لصفات الرحمن والرحيم لله. هذه الآية تؤكد للمؤمنين أنه مهما ارتكبوا من أخطاء، فإن باب التوبة والمغفرة مفتوح دائماً، وهذا بحد ذاته سبب قوي لتجنب اليأس. من الناحية العملية، اليأس يعطل الإنسان عن السعي والنشاط. عندما ييأس الفرد، لا يعود لديه دافع للعمل، أو حل المشكلات، أو تغيير وضعه. هذا الخمول لا يضر الفرد فحسب، بل يؤثر سلبًا على المجتمع أيضًا. الدين الإسلامي هو دين الحركة والاجتهاد والصبر. وقد شجع النبي محمد صلى الله عليه وسلم والأئمة الأطهار عليهم السلام الناس دائمًا على العمل والسعي، حتى في أصعب الظروف. اليأس يتعارض مع هذه الروح النشطة والبناءة، ولهذا السبب، يعتبر مذموماً من الناحية الدينية. الحياة الدنيوية هي ميدان عمل وجهاد، واليأس هو عائق كبير في هذا المسار. يجب على المؤمن أن يستمر دائماً في جهده مع الأمل في فضل الله، مع العلم بأن "إن مع العسر يسراً". لذلك، يمكن القول إن اليأس من الحياة هو نوع من النقص في المعرفة الدينية؛ نقص في الفهم الصحيح لله وصفاته وخطته لحياة البشر. هذه الحالة علامة على ضعف الإيمان وتناقض واضح مع مبدأ التوحيد الأفعالي الذي ينص على أن جميع الأمور بيد الله ولا قوة مؤثرة في العالم سواه. احترام الله يكمن في الإيمان القلبي بقدرته ورحمته، وبالتالي، الأمل الدائم في الفرج الإلهي، حتى لو لم يظهر أي طريق في الظاهر. المؤمن الحقيقي يأمل في بزوغ الشمس حتى في أحلك الليالي، لأنه يعلم أن النور والظلمات كلاهما من خلقه، وأنه قادر على تحقيق ما يشاء. هذا الأمل ليس مجرد فضيلة أخلاقية، بل هو ركن من أركان الإيمان، وبدونه يتزعزع بناء الروحانية. لهذا السبب، يمكن اعتبار اليأس من الحياة بحق عدم احترام لعظمة وجلال الله، وتجنبه واجب على كل مسلم.
في يوم من الأيام، اقترب درويش حزين من شيخ حكيم، شاكياً بمرارة من صعوبات الحياة وضيق المعيشة، وكأن كل أمل قد غادره. ابتسم الشيخ بلطف وبصوت دافئ وقال: 'يا بني، كنز السعادة في القلب ومفتاحه الصبر. أليس البذرة الصغيرة تتحول، في قلب التربة المظلمة، إلى شجرة عظيمة؟ وقطرة الماء الضئيلة، بمرور الوقت، تشكل نهراً واسعاً؟ كيف يمكن لله الذي يخلق هذه العجائب من العدم أن يتخلى عن عبده؟ اعلم أنه بعد كل ليل مظلم، يشرق نهار مشرق، وبعد كل شدة، يأتي الفرج. فلا تيأس من رحمته، فإن اليأس فخ الشيطان والأمل مصباح طريق المؤمن.' عند سماع هذه الكلمات الحكيمة، هدأت روح الدرويش، وزُرعت بذرة الأمل في قلبه، وفهم أن التدبير الإلهي يحيط بكل شيء وأنه يحتاج فقط إلى الثقة به بقلب ممتلئ باليقين.