هل الطمع المفرط مذموم دائماً؟

لا، ليس الطمع المفرط مذمومًا دائمًا؛ فالقرآن يدين الجشع للمال الدنيوي والظلم، ولكنه يشجع الطموح للعلم والخير ورضا الله. المعيار يكمن في نية هذه الرغبات ونتيجتها، لضمان ألا تؤدي إلى الغفلة عن الله أو انتهاك حقوق الآخرين.

إجابة القرآن

هل الطمع المفرط مذموم دائماً؟

في تعاليم القرآن الكريم الغنية والعميقة، يُنظر إلى مفهوم "الطمع المفرط" أو "الجشع" بدقة وعناية خاصة. إن الإجابة على سؤال ما إذا كان الطمع المفرط مذمومًا دائمًا هي أكثر تعقيدًا من مجرد نعم أو لا، وذلك لأن القرآن يميز بين أنواع مختلفة من الرغبات والميول. بشكل عام، يدين القرآن الكريم بشدة الطمع والجشع الذي يؤدي إلى الظلم، والعدوان، والغفلة عن الله، وانتهاك حقوق الآخرين، والتعلق المفرط بالحياة الدنيا. هذا النوع من الطمع المفرط هو أصل العديد من الفساد والمفاسد الاجتماعية والفردية. من أبرز أمثلة الطمع المذموم في القرآن هو الجشع النهم للإنسان للمال والسلطة الدنيوية. يقول الله تعالى في سورة التكاثر (102: 1-2): "أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ"؛ أي "ألهاكم التكاثر بالأموال والأولاد وغيرهما عن طاعة ربكم، وتشاغلتم بذلك، حتى جاءكم الموت وصرتم من سكان القبور". تظهر هذه الآية بوضوح كيف يمكن أن يؤدي الطمع المفرط في جمع المال والذرية والشهرة إلى إلهاء الإنسان عن الهدف الأساسي من خلقه وعن ذكر الله، ويأسره في دوامة السباق الدنيوي اللانهائي حتى الموت. وكذلك في سورة الفجر (89: 20) نقرأ: "وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا"؛ أي "وتحبون المال حباً شديداً". هذا الحب المفرط للمال، ليس كوسيلة لتحقيق الأهداف الإلهية، بل كهدف نهائي للحياة، مذموم من منظور القرآن. كما ينهى القرآن عن الطمع والجشع الذي يؤدي إلى الحسد والمنافسة غير الشريفة مع الآخرين. في سورة النساء (4: 32) ورد: "وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ"؛ أي "ولا تتمنوا أيها المؤمنون ما فضل الله به بعضكم على بعض من أمور الدنيا". تنهى هذه الآية صراحة عن الميل إلى امتلاك ما يملكه الآخرون، بطريقة تؤدي إلى عدم الرضا عن القسمة الإلهية والحسد. هذا النوع من الطمع المفرط ينبع من عدم القناعة وعدم الرضا بقضاء الله، ويدمر السلام الداخلي للفرد، ويزرع بذور الكراهية والضغينة في العلاقات الاجتماعية. علاوة على ذلك، الإسراف والتبذير، وهما من مظاهر الطمع المفرط في الاستهلاك، مذمومان في القرآن. فقد نهى الله تعالى صراحة عن الإسراف في آيات عديدة مثل سورة الأنعام (6: 141) والأعراف (7: 31): "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ"؛ أي "وكلوا واشربوا من طيبات ما رزقناكم، ولا تتجاوزوا حدود الاعتدال إلى الإسراف؛ إن الله لا يحب المتجاوزين لحدوده". هذا النوع من الطمع المفرط لا يضر الفرد فحسب، بل يهدر الموارد ويؤثر سلباً على حقوق الآخرين. ولكن من ناحية أخرى، لا يدين القرآن الكريم الميول والرغبات التي تهدف إلى نمو الإنسان وكماله، وخدمة الخلق، والتقرب إلى الله، بل يشجعها. هذا النوع من "الطمع المفرط" هو في الحقيقة "الطموح الإيجابي" أو "التنافس في الخيرات". على سبيل المثال، الشوق إلى العلم والمعرفة فضيلة عظيمة. في سورة طه (20: 114) يأمر الله نبيه: "وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا"؛ أي "وقل: يا رب زدني علماً". هذا نوع من الطمع المفرط، لكنه طمع في طلب الخير والفضيلة الذي أقره الله وشجعه. وكذلك، الرغبة في إنجاب ذرية صالحة وزوجة صالحة، أو الميل إلى كسب الرزق الحلال وزيادة الثروة لمساعدة المحتاجين وخدمة أهداف الله، هي من الرغبات المشروعة والمستحسنة. في سورة البقرة (2: 201) نقرأ: "وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ"؛ أي "ومن الناس من يقول: يا ربنا أعطنا خيراً في الدنيا وخيراً في الآخرة، واحفظنا من عذاب النار". تُظهر هذه الآية أن طلب الخير والجمال في الدنيا، ما دام مصحوباً بطلب خير الآخرة ولا يخرج الإنسان عن طريق الحق، فهو مستحسن. كما يشجع القرآن المسلمين على التسابق في عمل الخيرات. ففي سورة المائدة (5: 48) يقول: "فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ"؛ أي "فبادروا وسارعوا إلى فعل الخيرات". هذا التسابق هو نوع من "الطمع المفرط" في كسب الفضيلة والقرب من الله، والذي ليس فقط غير مذموم، بل هو محمود ومستحب. وبالتالي، فإن معيار ذم أو استحسان الطمع المفرط في القرآن ليس هو مجرد الرغبة في المزيد، بل هو التوجه، والنية، والوسيلة، والنتيجة. إذا أدت الرغبة في المزيد إلى الخروج عن الاعتدال، وانتهاك حقوق الآخرين، ونسيان الله واليوم الآخر، أو الانغماس في الملذات المادية، فهي مذمومة. أما إذا كانت هذه الرغبة موجهة نحو اكتساب الفضائل، والتقدم العلمي، وخدمة البشرية، وفي نهاية المطاف بلوغ رضا الله، فهي ليست مذمومة بل مرغوبة ومشجعة. الإسلام دين الاعتدال، ويريد للإنسان أن يحقق التوازن بين الدنيا والآخرة، وبين احتياجاته المادية والروحية. والطمع المفرط المذموم هو الذي يخل بهذا التوازن ويبعد الإنسان عن طريق العبودية والهدف الأساسي من خلقه.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أنه في الأزمنة الغابرة، كان هناك تاجر ثري يمتلك مالًا وفيرًا، وكان يسعى باستمرار لزيادة ثروته. كلما ازداد ما يمتلكه، ازداد جشعه، ولم يشبع قط من ممتلكاته. كان يقضي ليله ونهاره في جمع المال، محرومًا من متع الحياة وراحة البال. وفي نفس المدينة، كان يعيش درويش قانع، كان شاكراً بما لديه القليل، ويمضي أيامه راضيًا. كل صباح يستيقظ، يشكر الله، ويسعد بنصيبه القليل، وقلبه في سلام. ذات يوم، مر التاجر بجوار منزل الدرويش ورآه جالسًا تحت شجرة، بوجه بشوش وابتسامة على شفتيه، يهمهم بفرح. سأل التاجر بدهشة: "أيها الدرويش، ما بك سعيدًا وراضيًا هكذا رغم كل هذا الفقر؟ أنا، الذي لا أفتقر إلى ثروة دنيوية، لا أمتلك هذا السلام أبدًا!" أجاب الدرويش بابتسامة: "أيها التاجر العظيم، سعادتي تأتي من أن رغباتي قليلة، وقلبي يكتفي بما يملك. أما أنت، فدائمًا تسعى للمزيد، وهذا الطمع المفرط قد سلب منك سلامك. فما تريده لنفسك لا نهاية له، وهذا هو الذي يحرمك من الراحة. اعلم أن الطمع المفرط، إذا لم يكن لتحقيق أهداف إلهية وخدمة الخلق، وإنما لمجرد الإشباع الذاتي والتكديس، لا يثمر سوى القلق والمعاناة." تأمل التاجر بعمق عند سماع هذا القول وأدرك أن السلام الحقيقي يكمن في القناعة والتخلي عن الجشع غير المبرر، وليس في التراكم اللامحدود.

الأسئلة ذات الصلة