لماذا يصبح بعض الناس متكبرين على الرغم من قيامهم بالأعمال الصالحة؟

يصيب بعض الناس الغرور رغم أعمالهم الصالحة بسبب غياب الإخلاص والإعجاب بالنفس (العُجب)، وينبع ذلك من نسيان فضل الله وتوفيقه ووساوس الشيطان.

إجابة القرآن

لماذا يصبح بعض الناس متكبرين على الرغم من قيامهم بالأعمال الصالحة؟

الغرور والكبر، هما من أخطر الأمراض الروحية والقلبية التي يمكن أن تبطل ثمار الأعمال الصالحة والعبادات التي يقوم بها الإنسان. سؤالكم حول سبب وقوع بعض الناس في فخ الغرور على الرغم من قيامهم بالأعمال الصالحة، هو سؤال عميق وذو مغزى، يمكن تتبع جذوره في تعاليم القرآن الكريم وسنة النبي الأكرم (صلى الله عليه وسلم). فالقرآن، ببيانه الفصيح والواضح، حذر مرارًا وتكرارًا من خطر الكبر وقدم طرقًا لمكافحته. تبدو هذه الظاهرة متناقضة للوهلة الأولى؛ فكيف يمكن لعمل يهدف إلى القرب من الله وتزكية النفس أن يؤدي إلى مرض مهلك كالغرور؟ الإجابة تكمن في تعقيدات النفس البشرية وهمسات الشيطان الخفية. في السطور التالية، سنتناول بالتفصيل العوامل القرآنية والنفسية لهذه الظاهرة وطرق التغلب عليها. أحد الأسباب الرئيسية للوقوع في فخ الغرور، حتى مع القيام بالأعمال الصالحة، هو 'عدم الإخلاص'. فالقرآن الكريم يوضح بجلاء أن معيار قبول الأعمال عند الله هو نقاء النية وأداء العمل فقط ابتغاء مرضاته. إذا أُدي عمل، مهما كان عظيمًا وصالحًا، بدوافع غير إلهية مثل كسب الشهرة، أو مدح الناس، أو حتى لإثبات التفوق على الآخرين، فإنه يفقد قيمته الحقيقية. تُعرف هذه الظاهرة في التعاليم الإسلامية باسم 'الرياء'، ويعني أداء العمل 'للمشاهدة' من قبل الناس. فالشخص الذي يؤدي العمل الصالح بنية الرياء، يركز في الواقع على جذب الانتباه والإعجاب من المخلوق، بدلاً من التركيز على الاتصال الخالص مع الخالق. في مثل هذه الحالة، عندما يمدحه الناس، فإن هذا المدح بدلاً من أن يقوده إلى مزيد من التواضع والشكر على نعم الله، يؤدي إلى تقوية 'النفس الأمارة بالسوء' وإحساسه بالتفوق. الآية ٢٦٤ من سورة البقرة توضح هذا الخطر بشكل جميل: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ". هذه الآية تبين كيف يمكن لعمل الخير (الإنفاق) أن يصبح بلا أثر، بل ويتحول إلى عامل للغرور، بسبب النية غير النقية (الرياء). إن غياب الإخلاص يحول جوهر العمل من طلب مرضاة الله إلى طلب رضا البشر، مما يجعل القلب عرضة للأمراض الروحية. السبب الآخر هو 'العُجب' أو الإعجاب بالنفس، والذي يُعتبر شكلاً خفيًا من أشكال الغرور. بينما الرياء هو عدم نقاء في النية الأولية، فإن العُجب قد يظهر بعد أداء العمل الصالح. فالإنسان، بعد قيامه بعمل صالح، يُعجب بنفسه وبعمله وينسبه إلى قدراته وكمالاته، لا إلى توفيق الله وعنايته. يؤدي هذا الإعجاب بالنفس تدريجيًا إلى الاعتقاد الخاطئ بأنه أفضل من الآخرين وأن أعماله لا تشوبها شائبة. ينسى أن كل عمل صالح هو فرصة وهبها الله له، وأن كل توفيق في فعل الخير يأتي من جانبه تعالى. هذا النسيان يحرف الإنسان عن طريق الشكر ويقوده إلى 'التمنن على الله' أو على الآخرين. في هذه الحالة، يغفل الفرد عن إدراك هذه الحقيقة وهي أن لحظة واحدة من الثبات على طريق الخير لا يمكن أن تتم بدون عون الله ولطفه. للأسف، يعتقد البعض أن أداء الأعمال الصالحة بمثابة 'طلب حق' من الله، في حين أن كل عمل صالح هو مجرد 'واجب' العبد وعلامة على لطف الرب الذي وفقه للطاعة. هذا النوع من الغرور أخطر بكثير لأنه يمكن أن يصيب الإنسان حتى في خلوته ويدمره من الداخل دون أن يلاحظ أحد ذلك. إن الاقتداء بشخصية الشيطان يلعب دورًا مهمًا في هذا السياق. قصة إبليس في القرآن هي مثال صارخ على الغرور الناتج عن الشعور بالتفوق. فإبليس، على الرغم من آلاف السنين من العبادة والطاعة، عندما واجه الأمر الإلهي بالسجود لآدم، تكبر ورأى نفسه أفضل من آدم، لأنه خُلق من نار وآدم من طين. تسبب هذا الكبر في طرده من رحمة الله. هذه القصة تحذير للبشر بأن لا يستخدموا أبدًا أعمالهم الصالحة كذريعة للشعور بالتفوق على الآخرين. هذا الإحساس بالتفوق ينبع من مقارنة غير صحيحة للذات بالآخرين، مما يجعل الإنسان يتجاهل عيوبه ويركز فقط على حسناته (الوهمية أو الحقيقية). فالشيطان يتربص دائمًا ليستغل نقاط قوة الإنسان، أي أعماله الصالحة، ليوقعه في فخه وبالوسوسة بالغرور، يضلله عن الصراط المستقيم. إنه يوسوس ويزين أعمال الفرد في عينيه ويجعله يُعجب بنفسه حتى يمتنع عن النظر إلى الله والآخرين بمنظار التواضع والتقدير. بالإضافة إلى ذلك، فإن الفهم الناقص لمكانة الإنسان الحقيقية ومفهوم العبودية يمكن أن يؤدي إلى الغرور. قد ينسى الإنسان أنه لا شيء أمام عظمة الله، وأن كل ما يملكه وكل خير يفعله هو من فضل الله ورحمته. هذا الغفلة عن فقر الإنسان الذاتي أمام الغنى المطلق لله، يؤدي به إلى الكبر حتى في طريق العبادة. وقد أكد القرآن الكريم مرارًا وتكرارًا على التواضع. ففي الآية ١٨ من سورة لقمان يقول الله تعالى صراحة: "وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ"؛ أي: "ولا تعرض بوجهك عن الناس تكبرًا، ولا تمش في الأرض مرحًا وخيلاء، إن الله لا يحب كل مختال فخور." هذه الآية لا تنهى فقط عن الكبر الظاهري، بل تحذر أيضًا من الغرور الداخلي الذي يؤدي إلى الفخر والتباهي بالنفس. العلاج الرئيسي لمكافحة هذا المرض هو تقوية 'الإخلاص'، و'التواضع'، و'الشكر الحقيقي'. يجب على الإنسان أن يتذكر دائمًا أن أعماله الصالحة، مهما بدت عظيمة، ضئيلة أمام بحر لطف الله ورحمته. يجب أن يطلب باستمرار من الله توفيق الإخلاص والبعد عن الغرور، وبدلاً من التركيز على 'أنا' و'أعمالي'، يجب أن يركز على 'هو' و'لطفه'. كلما خطر بباله شعور بالإعجاب بالنفس أو التفوق على الآخر، يجب عليه أن يلتفت فورًا إلى عيوبه وتواضع النفس أمام خالق الوجود. يمكن أن يكون دراسة سيرة النبي الأكرم (صلى الله عليه وسلم) والأئمة الأطهار (عليهم السلام)، الذين كانوا قمة العبودية والتواضع، مفيدًا جدًا. فقد أظهروا دائمًا أقصى درجات التواضع على الرغم من أفضل أعمالهم ومكانتهم، ولم يستخدموا أبدًا أعمالهم الصالحة كذريعة للتفوق. بل اعتبروها لطفًا وفضلاً من الله تعالى عليهم. في الختام، يجب أن نعلم أن الهدف من الأعمال الصالحة هو الوصول إلى القرب من الله وتزكية النفس، والغرور هو عقبة كبيرة في هذا الطريق يمكن أن يمنع الإنسان من تحقيق الكمالات الروحية بل وقد يبطل ثمرات أعماله الصالحة.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في گلستان سعدي، يُروى أن ملكًا ثريًا كان يتفاخر بثرواته وجيوشه التي لا تُحصى، وقد غلب عليه الغرور. كان يجلس في مجلسه رجل حكيم صامت. فسأله الملك: «أيها الحكيم، ما بك لا تتكلم في خضم كل هذا العظمة والجلال؟» ابتسم الحكيم بلطف وقال: «أيها الملك! حقًا، كل هذا الجلال والعظمة زائل. القوة الحقيقية ليست في كثرة المال والجاه، بل في التواضع والخشوع أمام الرب. فكم من الأغنياء أصبحوا فقراء، وكم من البسطاء ارتفع شأنهم. إذا رافقت العمل الصالح بالكبر والإعجاب بالنفس، فإنه كمثل الماء الذي يُسكب في أرض صحراوية مالحة؛ لا يُثمر ولا يُروي ظمأً.» استيقظ الملك من غفلته بهذه الكلمات وأدرك أن الأعمال الصالحة لا تُقدّر إلا بالإخلاص والتواضع، وأن الغرور آفة كل فضيلة.

الأسئلة ذات الصلة