قد تصبح الروحانية صعبة أحيانًا بسبب الابتلاءات الإلهية ووساوس الشيطان وصراع النفس الأمارة بالسوء. هذه الصعوبات جزء من عملية النمو وتطهير الإيمان، ويمكن تجاوزها بالصبر والتوكل على الله.
الرحلة الروحية، شأنها شأن أي مسعى قيم آخر في الحياة، لا تقتصر على المسرات والسكينة فحسب؛ بل تُصحب أحيانًا بالتحديات والمصاعب والشعور بالثقل. هذه الظاهرة، الشائعة جدًا بين السالكين والعابرين لطريق الحق، لها جذور قرآنية ونفسية عميقة. فالقرآن الكريم، وهو كتاب الهداية والبصيرة، لا يشير فقط إلى سهولة الإيمان وبركاته، بل يتحدث أيضًا عن العقبات والمصاعب في هذا المسار، لأن الحياة في هذه الدنيا هي بحد ذاتها ساحة للاختبار والنمو. أحد الأسباب الرئيسية التي تجعل الروحانية صعبة أحيانًا هو "الامتحان والابتلاء" الذي يشكل جوهر الحياة الدنيوية. يشير الله تعالى في آيات عديدة إلى هذه الحقيقة بأن البشر يتعرضون للاختبار لقياس مدى إيمانهم وصبرهم وشكرهم وثباتهم. هذه الاختبارات لا تحدث فقط في صورة المصائب والبلایا، بل تحدث أيضًا في صورة النعم والزيادات. فمثلاً، في سورة العنكبوت الآية ٢-٣ يقول الله تعالى: "أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ؟ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ." هذه الآية توضح صراحة أن الصعوبات جزء لا يتجزأ من طريق الإيمان. هذه الصعوبات تعمل كمرشح لتمييز المخلصين عن المدعين، ولصقل جوهر الإيمان في بوتقة الأحداث. بدون هذه الاختبارات، النمو والسمو الحقيقيان مستحيلان. العامل الثاني المهم هو "وسوسة وغواية الشيطان". يصف القرآن الكريم الشيطان بأنه عدو واضح للإنسان، وهدفه الرئيسي هو إضلال الإنسان وصرفه عن طريق الحق. يدخل الشيطان من طرق مختلفة: أحيانًا بتزيين الذنوب، وأحيانًا بإلقاء اليأس والقنوط في قلوب المؤمنين، وأحيانًا بخلق الكسل وعدم الرغبة في العبادات والأعمال الصالحة. في سورة الناس الآيات ٤-٦ نقرأ: "مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ، الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ، مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ." هذه الوساوس يمكن أن تجعل أداء العبادات والواجبات الدينية يبدو ثقيلاً ومرهقًا. تتطلب مواجهة هذه الوساوس يقظة دائمة، وذكرًا لله، والاستعاذة به. يحاول الشيطان أن يسلب الإنسان طعم الروحانية الحلو، وأن يدفعه نحو الملذات الدنيوية الزائلة، ليخلق بذلك شعورًا بالثقل في طريق الالتزام الديني. ثالثاً، تلعب "ميول النفس الأمارة بالسوء والتعلقات الدنيوية" دورًا حاسمًا. تميل النفس البشرية، خاصة النفس الأمارة بالسوء، نحو الرغبات والمتع المادية، وغالبًا ما تقاوم الأوامر الإلهية. الجهاد ضد النفس هو الجهاد الأكبر الذي يتطلب تهذيب الذات والرياضات الروحية. عندما يتعلق الإنسان بالدنيا ومظاهرها بشكل مفرط، يصبح التخلي عن هذه التعلقات لتحقيق الروحانية العميقة صعبًا، بل ومؤلمًا. إنفاق المال، والعطاء مما نحب، والتحكم في الغضب والشهوة، كلها أمثلة على الجهاد ضد النفس التي يمكن أن تولد شعوراً بالثقل. يقول تعالى في سورة يوسف الآية ٥٣: "وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ." هذه الآية توضح بوضوح ميل النفس للشر وصعوبة كبحها. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يجعل "الغفلة وعدم الوعي" الروحانية أمرًا شاقًا. عندما يغفل الإنسان عن ذكر الله ويبني حياته فقط على المعادلات المادية، ينقطع اتصاله بالمصدر الأساسي للسكينة والقوة. في هذه الحالة، تؤدى العبادات والأعمال الصالحة ليس بدافع الشوق والحب، بل بمجرد العادة أو الواجب، مما يؤدي إلى شعور بالثقل والعبثية. يحث القرآن الكريم مرارًا وتكرارًا البشر على ذكر الله الدائم ليتحرروا من فخ الغفلة. فالصلوات التي تخلو من الروح، وتلاوة القرآن دون تدبر، ومساعدة الآخرين دون نية خالصة، كلها يمكن أن تؤدي إلى مشاعر التعب والثقل بدلاً من الخفة والراحة. أحيانًا أيضًا، يساهم "الافتقار إلى الفهم الصحيح للدين وفلسفة العبادات" في هذا الشعور بالثقل. إذا لم يدرك الإنسان الحكمة والهدف الأساسي من الأوامر الإلهية، فإنه يراها مجرد عبء وواجب، وليست طريقًا للنمو والسمو والتقرب إلى الله. يمكن للتعلم والتفكر العميق في آيات القرآن وسيرة الأئمة المعصومين أن يصحح هذا الفهم الخاطئ ويمهد الطريق للاستمتاع بالروحانية. في الختام، يجب أن نعلم أن هذه الصعوبات والأثقال ليست دليلًا على الابتعاد عن الله، بل غالبًا ما تكون علامة على النمو والتحرك في المسار الصحيح. فكما يتزايد صعوبة المسار وضيق التنفس لدى متسلق الجبال كلما اقترب من القمة، فإن المنظر والمكافأة في القمة لا يضاهيان. تتطلب الروحانية الحقيقية جهادًا؛ جهادًا يؤدي إلى طهارة الروح، وسكينة القلب، والقرب من الله. هذه المصاعب هي وسيلة لتنقية الإيمان وتطهيره، ولن يصل إلى الهدف إلا من يثبت في هذا الطريق بالصبر والتوكل على الله، وسيتذوقون حلاوة الروحانية الحقيقية. وقد وعد الله تعالى أن مع العسر يسرًا، وهذا الوعد يصدق على الذين يجاهدون في سبيله.
يُروى أنه في الأزمنة الغابرة، في مدينة كانت مشهورة بتقوى أهلها، كان هناك شاب يدعى 'أمين' قد بدأ لتوه رحلته في طريق السلوك والروحانية. بدأ أمين بحماس كبير، ولكن بعد فترة، أصبحت الصلاة طويلة عليه، والأذكار بلا روح، وصار قلبه مثقلًا بذكر الله. في يوم من الأيام، وهو ملول ومضطرب بسبب هذه الحالة، رأى شيخًا حكيمًا من أهل الله، كان على الرغم من فقره الشديد ومعاناته الكبيرة، يتمتع بوجه نوراني وقلب مليء بالسكينة. اقترب أمين منه وشكا إليه حاله قائلًا: "يا شيخ! لقد أصبحت الروحانية والعبادة عبئًا ثقيلًا علي، وكأن قلبي لا يطيق كل هذه التكاليف." ابتسم الشيخ بلطف وقال: "يا بني! لا تظن أن طريق الله ممهد وخالٍ من الجهد. هذه الصعوبات هي علامة على أنك في صعود، لا في ركود. هذا الثقل هو غبار النفس الذي يتساقط منك كلما ارتفعت. منذ سنوات مضت، كنت مثلك تمامًا، أشكو من ثقل العبادة. ولكن ذات يوم، سرق لص كل ما أملك. في تلك الليلة، بقلب مكسور ويدين فارغتين، وقفت للصلاة. تلك الصلاة جلبت لروحي خفة وسكينة لم أذقها من قبل قط. أدركت أن الله أحيانًا، بأخذ التعلقات الدنيوية، يفتح الطريق لصلة أعمق للروح، وأن ذلك الثقل الأولي هو مقدمة للخفة والسمو. فلا تحزن من صعوبة الطريق، فإن نهايته الوصال والسلام الأبدي، ومن صبر في هذا الطريق نال الفلاح الأبدي." استيقظ أمين من كلمات الشيخ الحكيم، وأدرك أن الصعوبات هي بحد ذاتها رحمة لتطهير الروح والارتقاء نحو المعبود.