لماذا أشعر بالفراغ رغم التقدم المادي؟

الشعور بالفراغ رغم التقدم المادي ينبع من الغفلة عن ذكر الله والهدف الحقيقي للخلق. الطمأنينة الحقيقية توجد فقط بالاتصال بالخالق وعبادته، لأن الدنيا زائلة ومتاع زائل.

إجابة القرآن

لماذا أشعر بالفراغ رغم التقدم المادي؟

إن الشعور بالفراغ والخواء، حتى في أوج التقدم المادي والإنجازات الدنيوية، تجربة يواجهها الكثيرون في العصر الحديث. في منظور القرآن الكريم، هذا الشعور ليس فقط طبيعياً، بل هو نتيجة منطقية للغفلة عن الهدف الأساسي للخلق والمصدر الحقيقي للطمأنينة. يوضح القرآن بجلاء أن الحياة المادية وكل ما فيها، هي مجرد متاع زائل ومُغرٍ، ولا يمكنها أن تملأ مكان الحقيقة والسكينة الأبدية للإنسان. لقد أشار الله تعالى في آيات عديدة إلى هذا الأمر الهام، وأن قلوب البشر لا تطمئن إلا بذكره، وأن الهدف الأساسي من خلق الجن والإنس هو العبادة والطاعة، وليس فقط جمع الثروات والملذات الدنيوية. يقول الله عز وجل في سورة الرعد، الآية 28: «الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ ۗ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ» أي: «الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله، ألا بذكر الله تطمئن القلوب». هذه الآية المباركة تعبر بصراحة عن حقيقة أن السكينة والاطمئنان الحقيقيين لا يوجدان في المال والجاه، ولا في النجاحات المهنية والاجتماعية، ولا في الملذات الدنيوية الزائلة، بل يكمن جذرهما في الاتصال بالخالق وذكره. عندما يغفل الإنسان عن هذا المصدر الذي لا ينضب من الطمأنينة ويوجه كل اهتمامه وجهده نحو اكتساب الماديات، فإنه، وإن بدا في قمة النجاح الظاهري، سيشعر بفراغ داخلي ونوع من الضياع. هذا الفراغ ناتج عن عدم التوافق بين حاجة الروح الفطرية للروحانية والانغماس في المادية. وفي سورة الذاريات، الآية 56، يحدد الله سبحانه وتعالى الهدف من خلق الإنسان والجن: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ» أي: «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون». هذه الآية تبين أن غايتنا الوجودية في هذه الدنيا أسمى بكثير من مجرد اكتساب الثروة أو الوصول إلى المناصب المادية. الهدف الأساسي هو عبادة الله وطاعته، وهذا هو ما يمنح الحياة معنى ويوجهها. عندما يبتعد الإنسان عن هذا الهدف السامي للخلق ويقضي حياته في التنافس على جمع المال والأولاد وزينة الدنيا، فمن الطبيعي أن يشعر بفراغ عميق في داخله، لأن هذه الأمور لن تحل محل الهدف الأساسي ولن ترضي الروح. هذا الشعور بالفراغ هو في الواقع جرس إنذار من فطرة الإنسان يدعوه للعودة إلى أصله وذكر مصدر الوجود. ويوضح القرآن الكريم في سورة الحديد، الآية 20، طبيعة الحياة الدنيا بجلاء: «اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ». تشبه هذه الآية الحياة الدنيا باللعب واللهو والزينة والتفاخر والتكاثر في الأموال والأولاد. ثم تشبهها بالمطر الذي يعجب زرعه الكفار، ثم يذبل ويصبح أصفر، ثم يتحول إلى حطام. هذا التشبيه يوضح عدم استقرار وملذات الدنيا الزائلة. يشدد القرآن على أن ما نكتسبه في الدنيا من مال وأولاد هو مجرد زينة مؤقتة لا يمكن أن تكون مصدرًا للراحة والرضا الدائم. إذا تعلق الإنسان بهذه الأمور وحدها وجعل هدفه الوحيد هو زيادتها، فإنه سيواجه في النهاية الفراغ والحسرة. تذكرنا هذه الآية بأن الحياة الدنيا هي مجرد متاع للغرور ينسينا هدفنا الحقيقي. وأخيرًا، تقدم سورة طه، الآية 124، تحذيرًا جادًا لأولئك الذين يعرضون عن ذكر الله: «وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ» أي: «ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً، ونحشره يوم القيامة أعمى». «معيشة ضنكاً» أو الحياة الضيقة والشاقة، لا تعني هنا فقط الفقر المادي، بل تعني حياة مليئة بالقلق والاضطراب واليأس والفراغ، حتى لو كان الإنسان في رغد العيش مادياً. تعلمنا هذه الآية أن جذور الشعور بالفراغ والضغط الداخلي ليست نقصاً في الماديات، بل بُعداً عن الله وغفلة عن ذكره. لقد وهب الله الإنسان فطرة توحيدية، وترتوي روح الإنسان بذكر الله وعبادته. لذلك، لملء هذا الفراغ الداخلي والوصول إلى السكينة والرضا الحقيقيين، من الضروري تقوية علاقتنا بخالق الوجود، والانخراط في الذكر والعبادة، والبحث عن الهدف الرئيسي للحياة في طريق العبادة والخضوع. التقدم المادي في حد ذاته ليس سيئًا، ولكن لا ينبغي أن يكون على حساب التقدم الروحي والاتصال بالذات الإلهية. إن التوازن بين الجوانب المادية والروحية للحياة هو الذي يجلب السعادة والسكينة الدائمة للإنسان ويزيل الشعور بالفراغ.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أن تاجراً ثرياً كان يملك أموالاً طائلة، وبيوتاً فخمة، وبساتين مزهرة. ذات يوم، رغم كل هذا، شعر بفراغ في قلبه وتساءل: «كل هذه النعم، فلماذا لا يطمئن قلبي؟» فذهب إلى حكيم وروى له حاله. ابتسم الحكيم وقال: «يا صديقي، ماء البحر مهما كان واسعاً، لا يروي العطش إلا إذا شربت قطرة من نبع المعرفة. ما هو خارجي لا يريح القلب؛ القلب يطمئن بذكر خالقه، لا بجمع المخلوقات.» أخذ التاجر بنصيحة الحكيم واتجه نحو ذكر الله، وسرعان ما وجد السكينة والسعادة الحقيقية في قلبه التي لم تستطع أي ثروة أن تشتريها.

الأسئلة ذات الصلة