كيف أنظر إلى نفسي من منظور الله؟

من منظور الله، الإنسان كائن نبيل، هادف، ومسؤول، خُلق في أحسن تقويم لعبادته، ومع ذلك فإن الله يُبقي أبواب الرحمة والتوبة مفتوحة له دائماً.

إجابة القرآن

كيف أنظر إلى نفسي من منظور الله؟

إن النظر إلى الذات من منظور الله هو أعمق وأكثر أشكال المعرفة الذاتية إشراقاً، وهو قادر على تحويل حياة الإنسان. هذا المنظور يتجاوز المظاهر المادية والأحكام البشرية، ويتعمق في حقيقتنا الوجودية، ومكانتنا في الكون، والغاية القصوى من خلقنا. يقدم القرآن الكريم، من خلال آياته العديدة، صورة شاملة للإنسان؛ صورة يظهر فيها الإنسان ككائن كريم، وهادف، ومسؤول، وبالطبع معرض للخطأ، ولكنه يمتلك إمكانات لا نهائية للنمو والقرب الإلهي. النقطة الأولى التي تبرز عند النظر إلى الذات من منظور الله هي الكرامة والشرف الفطري الذي مُنح للإنسان. فالله تعالى يقول في سورة التين الآية 4: «لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ». تشير هذه الآية إلى أن خلق الإنسان هو خلق فريد من نوعه، ومزود بأفضل بنية وقدرات، ليس فقط من الناحية الجسدية، بل الروحية والعقلية والعاطفية أيضاً. يشمل هذا «أحسن تقويم» الفطرة التوحيدية النقية، والقدرة على تمييز الحق من الباطل، والقدرة على تلقي الوحي والاتصال بمبدأ الوجود. لذلك، عندما ننظر إلى أنفسنا من منظور الله، يجب أن نرى أنفسنا ككائنات ذات قيمة وقدرات هائلة، خلقت لغرض عظيم. الهدف من هذا الخلق الرفيع هو عبادة الله وخدمته. فالله في سورة الذاريات الآية 56 يقول: «وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ». إن مفهوم «العبادة» في المنظور القرآني أوسع بكثير من مجرد أداء الطقوس التعبدية. فالعبادة تشمل جميع جوانب الحياة؛ من كسب الرزق الحلال وخدمة الخلق إلى التفكر في آيات الله والتحلي بالأخلاق الحسنة. كل فعل يتم بنية خالصة لوجه الله ووفقاً لأوامره يُعتبر عبادة. من هذا المنظور، كل لحظة من حياتنا هي فرصة للعبودية والتقرب إلى الله. المسؤولية ودور الإنسان بصفته «خليفة الله» هي نقطة محورية في النظرة القرآنية للإنسان. في سورة البقرة الآية 30 نقرأ: «وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً». هذا المقام «الخلافة» لا يمنح الإنسان الكرامة فحسب، بل يضع على عاتقه أيضاً مسؤولية ثقيلة تجاه نفسه والآخرين والبيئة. لقد منحنا الله الحرية والاختيار لنختار بين الحق والباطل، والخير والشر، وستكون هذه الاختيارات أساساً للمكافأة والعقاب الأخروي. لذلك، عندما ننظر إلى أنفسنا من منظور الله، يجب أن نرى أنفسنا ككائنات حرة الإرادة ومسؤولة، تخضع للاختبار في كل لحظة، وستُسأل عن أفعالها. من الأبعاد الحيوية الأخرى لنظرة الله للإنسان، علمه الكامل بوجودنا كله. فالله في سورة ق الآية 16 يقول: «وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ». هذا القرب يعني إحاطة الله العلمية والحضورية الكاملة بجميع أفكارنا ونوايانا وأعمالنا؛ حتى ما يدور في أعمق زوايا قلوبنا. تعلمنا هذه الآية أن الله هو الرقيب علينا دائماً، ولا يخفى عليه شيء. هذا العلم الإلهي هو مصدر للطمأنينة (لأننا نعلم أنه على علم بمشاكلنا) ومصدر للمسؤولية (لأننا نعلم أنه شاهد على جميع أعمالنا). ولذلك، فإن النظر من منظور الله يعني نظرة صادقة وغير متوارية إلى داخل الذات، مع العلم أنه لا شيء يخفى على الخالق. على الرغم من هذه الكرامة والمسؤولية، يشير القرآن الكريم أيضاً إلى قابلية الإنسان للخطأ. فالإنسان قد يقع في الذنب بسبب نقاط ضعفه الفطرية ووساوس الشيطان. لكن الجانب الأهم في نظرة الله في هذا الصدد هو الباب المفتوح للتوبة ورحمته الواسعة. ففي سورة الزمر الآية 53 يقول: «قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ». هذه الآية تبين أن الله على علم بذنوب عباده، ولكنه في الوقت نفسه، قد أبقى أبواب المغفرة مفتوحة دائماً. لذلك، فإن النظر من منظور الله يعني عدم اليأس من رحمته والفرصة المستمرة للعودة والإصلاح. يمنحنا هذا المنظور الأمل بأن مع كل زلة، هناك طريق للعودة والإصلاح، ولا يوجد ذنب كبير لدرجة أن الرحمة الإلهية لا تستطيع أن تشمله، بشرط أن تكون التوبة صادقة. في الختام، إن النظر إلى الذات من منظور الله يعني إدراك مكانتنا الحقيقية في الوجود: ككائن قيم وذو رسالة إلهية، مخلوق للعبادة والخلافة، تحت الإشراف الدائم للرب، ودائماً في متناول رحمته ومغفرته. يدفع هذا المنظور الإنسان نحو التواضع، والشكر، والسعي لإصلاح الذات، والأمل في مستقبل أفضل. بهذا المنظور، يستطيع الإنسان أن يعيش حياة أكثر هادفية ومسؤولية، وبسلام قلبي أكبر، وأن يسعى نحو الكمال.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُحكى أن رجلاً مغروراً ومتكبراً كان يتحدث باستمرار عن كمالاته الظاهرية ويتباهى بنفسه. في يوم من الأيام، التقى بدرويش مسن وحكيم، وبدأ يتحدث بغطرسة عن نسبه وثروته. أجاب الدرويش بابتسامة لطيفة: «يا شاب، أنت تتحدث عما يراه الناس ويمدحونه، ولكنك غافل عما يراه الله العليم. إن الله ينظر إلى القلوب النقية والأعمال الصالحة، لا إلى الثياب الفاخرة والذهب والحلي. إذا أردت أن تعرف كيف أنت في نظر الله، فانظر ما هي نيتك وعملك في خلوتك، وهل قلبك خالٍ من الكبر والغرور؟» استفاق الرجل المتغطرس على كلمات الدرويش، وأطرق رأسه، وأخذ يفكر في قلبه كيف يمكنه أن يجعل نفسه أجمل في نظر الله، وليس في نظر البشر.

الأسئلة ذات الصلة