العمل الشامل والواعي بالقرآن مستحيل دون قراءته وفهمه وتدبر آياته، فالقرآن هدى ونور وأول أمر إلهي كان "اقرأ". ومع ذلك، فإن "القراءة" يمكن أن تشمل الاستماع والفهم عبر الوسطاء، لكن الوعي بالرسالة الإلهية ضروري.
السؤال عما إذا كان بالإمكان العمل بالقرآن دون قراءته هو مسألة عميقة وأساسية في فهم الدين الإسلامي، وتتطلب شرحًا شاملاً من منظور التعاليم القرآنية والسنة النبوية. الإجابة المختصرة هي أنه بينما يمكن العمل ببعض المبادئ الأخلاقية والإنسانية العامة التي أكدها القرآن أيضًا دون معرفة مباشرة بنصه، فإن العمل الشامل والواعي والهادف بالقرآن، دون قراءته وفهمه وتدبر آياته، مستحيل. القرآن الكريم يوصف بأنه «هدى» و«نور»؛ فكيف يمكن الاستفادة من النور والهدى دون أن يفتح الإنسان عينيه نحوه ويتعرف على طريقه؟ أول أمر إلهي نزل على النبي الأكرم (صلى الله عليه وسلم) كان «اقرأ». يؤكد هذا الأمر في سورة العلق بوضوح على أهمية القراءة واكتساب المعرفة: «اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ» (العلق: 1). هذه الآية تجعل القراءة نقطة البداية للرسالة وفهم الدين. والقراءة هنا لا تعني مجرد تلاوة الحروف، بل تشمل التدبر والتفكر في معاني ومفاهيم الكلمات الإلهية. يدعو القرآن مرارًا المؤمنين إلى تدبر آياته: «أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا» (محمد: 24). التدبر عملية تتطلب الفهم والتأمل في النص، وهو أمر مستحيل دون القراءة أو الوصول إلى محتوى كلام الله. القرآن هو مجموعة من الأحكام والقصص والمواعظ والإرشادات التي تغطي جوانب مختلفة من الحياة الفردية والاجتماعية. للعمل بهذه الأحكام، بما في ذلك الصلاة، والصوم، والزكاة، والحج، وكذلك التوجيهات المتعلقة بالمعاملات، والأسرة، والعدالة الاجتماعية، والأخلاق، من الضروري أن يكون الفرد على دراية بتفاصيلها وشروطها. هذه المعرفة تُكتسب مباشرة من خلال دراسة القرآن وتفاسيره، وبشكل غير مباشر من خلال سنة النبي (صلى الله عليه وسلم) وتعاليم أهل البيت (عليهم السلام) الذين كانوا هم أنفسهم شارحين ومفسرين للقرآن. فإذا لم يقرأ أحد القرآن، وحتى لم يفهمه عن طريق وسيط، فكيف يمكنه أن يعرف، على سبيل المثال، عدد ركعات الصلاة أو كيفية حساب الزكاة؟ حتى المبادئ الأخلاقية العامة مثل الإحسان إلى الوالدين أو اجتناب الظلم، التي قد تكون موجودة في فطرة الإنسان، قد وردت في القرآن بتفاصيل وتأكيدات خاصة تمنح العمل بها عمقًا أكبر وتحولها من عمل غريزي إلى عمل عبادي واعٍ. ومع ذلك، يجب ملاحظة أن «قراءة» القرآن لا تعني بالضرورة القدرة على التلاوة المباشرة من المصحف باللغة العربية لكل شخص. فبالنسبة لمن لا يجيدون القراءة والكتابة، أو لا يعرفون اللغة العربية، يمكن أن تتحقق «القراءة» من خلال الاستماع إلى التلاوة، وسماع الترجمة والتفسير من العلماء والباحثين الدينيين، والمشاركة في حلقات الدرس والمناقشة القرآنية. في الواقع، الهدف النهائي هو فهم الرسالة الإلهية والعمل بها، والقراءة هي إحدى الطرق الأكثر فعالية للوصول إلى هذا الفهم. فالذي يستمع إلى آيات القرآن هو في الواقع يقوم بـ «قراءتها» روحياً؛ فهو يتواصل مع كلام الله ويتلقى الرسائل عن طريق السمع. لكن حتى هذه الطريقة تتطلب وجود من قرأ القرآن وفهمه وقادر على نقله. هناك فرق كبير بين القيام بعمل يتوافق صدفةً مع تعاليم القرآن (مثلاً شخص محسن لم يقرأ القرآن قط، لكنه بطبيعته يساعد الفقراء) وبين القيام بعمل استنادًا إلى تعاليم القرآن (أي بوعي وبنية اتباع الأمر الإلهي). الأول عمل صالح وقد يثاب عليه، لكن الثاني عمل عبادي وعبودية له عمق وتوجه مختلف. لكي يُعتبر العمل «عملاً بالقرآن»، يجب أن يكون المرء على دراية بمصدره القرآني وأن تكون نيته طاعة أمر الله. لقد أنزل الله القرآن ليدرسه الناس، ويتدبروا فيه، ويجعلوه دليلًا لحياتهم. تجاهل هذا المصدر الذي لا يقدر بثمن يعني حرمان الذات من أكمل وأكثر الهداية الإلهية مباشرة. في الختام، يمكن القول إنه بدون قراءة (بالمعنى الأعم من التلاوة المباشرة، أو السماع، أو الفهم عن طريق وسيط) وفهم القرآن، يستحيل العمل الشامل والواعي بجميع أبعاده. فالعمل بالقرآن ليس مجرد أداء لسلسلة من الطقوس، بل هو أسلوب حياة، ورؤية عالمية، ومنهج شامل للوجود ينبع من جذور معرفية عميقة في كلام الله. لذلك، على الرغم من أن بعض المبادئ الأخلاقية العامة قد تكون موجودة فطريًا في الإنسان، إلا أنه لا سبيل للوصول إلى ذروة الكمال الإنساني وتحقيق العبودية الحقيقية إلا من خلال الاتصال المباشر أو غير المباشر بالوحي الإلهي والعمل الواعي بناءً عليه. القرآن مصباح الدرب، وكي نسير في الظلام، نحتاج إلى نوره؛ نور يتجلى فينا من خلال قراءته وفهمه.
في يوم من الأيام، عاش رجل يدعى حامد كان ذا قلب نقي وطبيعة طيبة. كان دائمًا يفعل الخير للآخرين، ويساعد الفقراء، ويتجنب الكذب والغيبة. أحبه الناس واشتهر بكرمه. ومع ذلك، لم يقرأ حامد القرآن قط ولم يكن على دراية بمحتواه العميق والزاخر. ذات يوم، رآه الحكيم سعدي وسأله: «أيها المحسن، إن أعمالك تستحق الثناء، ولكن هل تعرف من أين ينبع هذا الخير؟» فأجاب حامد بتواضع: «أيها الحكيم، لقد استمعت فقط لنداء فطرتي.» ابتسم سعدي وقال: «الفطرة طيبة، ولكن بحر المعرفة والهداية يكمن في كلام الله. فبالرغم من أنك تفعل الخير ظاهريًا، إلا أنك بسبب جهلك بنور الوحي، أشبه بمن يمشي في الظلام ويضع قدمه في طريق أضاءته مصابيح من قبل دون أن يدري. للوصول إلى الكمال والوعي الحقيقي، يجب أن تمسك بالمصباح بيدك وتسير في الطريق ببصيرة.» فكر حامد في هذه الكلمات، ومنذ ذلك الحين بدأ في قراءة القرآن وتدبره. وأدرك أن أعماله الصالحة لم تكن سوى قطرة في بحر تعاليم القرآن الذي لا ينضب، ومع الوعي ونية العبادة، اكتسبت أعماله عمقًا وروعة جديدين.