كيف أصل إلى الفهم الحقيقي للقرآن؟

لفهم القرآن حقًا، يلزم التقوى والتدبر العميق في آياته، وتعلم العربية والتفاسير الموثوقة، والعمل بتعاليمه. هذا الطريق، بالدعاء والصبر، يفتح آفاق البصيرة القرآنية.

إجابة القرآن

كيف أصل إلى الفهم الحقيقي للقرآن؟

إن الوصول إلى فهم حقيقي وعميق للقرآن الكريم هو رحلة روحية وفكرية تتطلب منهجاً شاملاً ومتعدد الأوجه. القرآن هو كلام الله النوراني وهداية للبشرية حتى يوم القيامة؛ ولذلك، فإن فهمه لا يعد مجرد نشاط فكري، بل هو عبادة وطريق للنمو والكمال. تبدأ هذه العملية بالتقوى والنية الصادقة، فقد أكد الله في آيات عديدة أن القرآن هداية للمتقين. القلب النقي والنية الخالصة لطلب رضا الله يفتحان أبواب الفهم. فبدون التقوى، قد تُقرأ الكلمات، ولكن معانيها العميقة والهادية لن تُدرك. يجب أن تكون نيتنا خالصة للاقتراب من الله والعمل بتعاليمه، وليس مجرد اكتساب المعرفة أو التظاهر. هذه النية الصادقة تجلب بركات خاصة في مسيرة فهم القرآن وتزيل الحجب بين القلب والرسالة الإلهية. أحد المفاتيح الرئيسية للفهم الحقيقي للقرآن هو 'التدبر'. التدبر يتجاوز مجرد التلاوة أو قراءة الترجمة؛ إنه يعني التفكير العميق والتأمل والغوص في معاني الآيات. يقول الله تعالى في سورة محمد، الآية 24: "أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا؟" هذه الآية تبين بوضوح أن عدم التدبر هو العائق الرئيسي أمام فهم القرآن. لكي نتدبر، يجب أن نتعايش مع الآيات، وننمي معانيها في قلوبنا وعقولنا، ونفهم ارتباطها بحياتنا ومجتمعنا والكون بأسره. يمكن أن نتدبر من خلال التوقف عند الآيات، وطرح أسئلة مثل: "ماذا تقول هذه الآية؟"، "ما هي رسالتها لي؟"، "كيف يمكنني العمل بها؟" هذا النهج النشط يكشف الطبقات الخفية للمعاني. الخطوة التالية هي اكتساب المعرفة اللازمة. اللغة العربية هي لغة القرآن، والفهم العميق له يكون صعباً بدون الإلمام بقواعد اللغة العربية والبلاغة والأسلوب الفريد للقرآن. تعلم اللغة العربية بقدر الاستطاعة يساعد بشكل كبير في فهم كلام الله مباشرة. كذلك، دراسة التفاسير الموثوقة والمعتمدة التي كتبها علماء راسخون وأتقياء أمر ضروري. هذه التفاسير، بالاعتماد على روايات النبي الأكرم (صلى الله عليه وسلم) وأهل بيته (عليهم السلام) وآراء الصحابة والتابعين، تساعد في توضيح معاني الآيات وأسباب النزول (أسباب وظروف نزول الآيات) وارتباط الآيات ببعضها البعض. فهم أسباب النزول يمنع سوء الفهم الشائع ويكشف السياق التاريخي والاجتماعي للآية. والرجوع إلى سنة النبي (صلى الله عليه وسلم) وأحاديثه أمر حيوي أيضاً لفهم القرآن، لأنه كان أول وأفضل مفسر للقرآن. كما يقول القرآن الكريم: "وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ" (النحل: 44). وبالتالي، فإن سيرة وكلام النبي (صلى الله عليه وسلم) هما نور يضيء لنا الطريق في فهم كلام الله. القرآن كتاب حياة، والهدف من فهمه ليس مجرد اكتساب المعلومات، بل هو العمل به وتطبيق تعاليمه في الحياة اليومية. كل آية تُفهم يجب أن تكون حافزاً للتغيير والتحسين في السلوك والأخلاق ونمط الحياة. يقول الإمام علي (عليه السلام): "من تلا القرآن ولم يعمل به، كان القرآن حجة عليه". هذا يعني أن الفهم بدون عمل، ليس فقط عديم الفائدة، بل قد يؤدي إلى المساءلة يوم القيامة. التواصل المباشر مع القرآن من خلال التلاوة المنتظمة والمتدبرة، وحفظ الآيات، يساعد على ترسيخ المعاني في الذهن والقلب. هذا التكرار والألفة يجعل رسالة القرآن تتغلغل في نسيج وجودنا وتصبح جزءاً لا يتجزأ من شخصيتنا. بالإضافة إلى كل هذا، الدعاء والتضرع إلى الله لطلب الفهم والبصيرة أمر بالغ الأهمية. الله هو فاتح القلوب ومنير الدروب، وبدون التوفيق الإلهي، يصعب الوصول إلى الفهم الحقيقي للقرآن. فلنسأله أن يزيل الحجب عن أعين قلوبنا ويساعدنا في مسيرة التدبر والعمل بكلامه. فهم القرآن ليس عملية ثابتة، بل هو رحلة ديناميكية ومستمرة، ففي كل مرة نعود فيها إليه، تظهر للإنسان طبقات جديدة من المعاني والهداية. الصبر والمثابرة في هذا المسار، وعدم اليأس من الصعوبات الأولية، أمر حيوي للغاية. كلما ازداد قربنا من القرآن وسعينا لفهمه بالقلب والروح والعمل به، سنصل إلى درجات أعلى من الفهم الحقيقي والمؤثر، وسنشاهد بركاته في حياتنا الدنيا والآخرة.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في گلستان سعدي، يُروى أن عالماً أمضى سنوات في طلب العلم وحفظ كتبًا كثيرة. ذات يوم، في مجلس درس، كان يتباهى أمام طلابه بأنه أتقن جميع العلوم. وبينهم، قال درويش بسيط القلب كان يجلس في زاوية: «أيها الحكيم، أنت تعلم جيداً كيف تتدفق كلمات القرآن على اللسان وكيف تتألف الآيات. ولكن هل تعلم كيف تستقر هذه الكلمات في القلب وتُنير الحياة؟ إن كثرة العلم أمر حسن، ولكن الأهم هو أن ما تعلمته يهدي أعمالك وينير قلبك بنور الحقيقة.» تأمل العالم في هذا القول وأدرك أن الفهم الحقيقي ليس مجرد تلاوة وحفظ، بل هو في التدبر والعمل، وبهما يستقر نور القرآن في القلوب ويُحوِّل الحياة. ومنذ ذلك الحين، ركز أكثر على تدبر القرآن والعمل به، وكان ممتناً لحكمة الدرويش.

الأسئلة ذات الصلة