الإيمان بدون دراسة القرآن وتدبره أشبه ببيت مبني على الرمال، لا يصمد أمام الشبهات والتحديات. فالقرآن هو المصدر الأساسي لمعرفة الله، ودليل للعمل والأخلاق، ومصدر للسلام الروحي الذي يعمق الإيمان ويجعله مستقراً.
الإيمان، شأنه شأن الشجرة التي تحتاج إلى جذور عميقة وري مستمر لتنمو وتستقر، يجد صعوبة بالغة في البقاء ثابتاً وقوياً دون اتصال مستمر بمصدره الإلهي، ألا وهو القرآن الكريم. فالقرآن ليس مجرد كلام الله الذي يكشف الحقائق الأساسية للوجود، بل هو خريطة طريق شاملة للحياة، ونبع لا ينضب من الحكمة والمعرفة، ونور هداية ينير القلوب ويرتقي بالعقول. في الحقيقة، الإيمان دون فهم عميق للقرآن، أشبه بالبيت المبني على الرمل؛ قد يبدو قوياً ظاهرياً، لكنه لن يصمد أمام عواصف الشكوك، وإغراءات الدنيا، والضغوط الاجتماعية، وسوف ينهار في نهاية المطاف. لذلك، لاستقرار الإيمان ونموه وتعميقه، فإن دراسة آيات القرآن الكريم وتدبرها ليست ضرورية فحسب، بل هي حيوية وأساسية. القرآن الكريم هو المصدر الأول والأهم لمعرفة الله وصفاته الكمالية. فبدون دراسته، يظل فهمنا لـ "التوحيد" و "العدل" و "النبوة" و "المعاد" وغيرها من الأصول العقدية سطحياً وتقليدياً. كيف يمكن للمرء أن يحصل على إيمان قلبي ويقين داخلي بهذه الحقائق دون قراءة وتأمل الآيات التي تصف عظمة الخلق، وقوة الله اللامتناهية، وحكمته في خلق الإنسان والكون، ووعوده للمؤمنين وعذابه للكافرين؟ الإيمان القائم على التقليد يتزعزع أمام أبسط الأسئلة أو التحديات. أما الإيمان الذي ينبع من تدبر آيات القرآن واكتشاف الحقائق الإلهية، فسيكون إيماناً راسخاً وثابتاً يصل إلى مرتبة "اليقين". القرآن يبين لنا ما هو الهدف من الحياة، من أين أتى الإنسان وإلى أين يعود، وكيف يمكنه الفوز بالنجاة في هذه الرحلة الشاقة. هذه البصيرة العميقة تحول الإيمان من مجرد اعتقاد بسيط إلى حقيقة حية وفاعلة في القلب. بالإضافة إلى ذلك، القرآن هو دليل العمل والأخلاق. فآياته تحدد حدود الحلال والحرام، والأوامر والنواهي في الحياة، والفضائل الأخلاقية. وبدون فهم هذه التوجيهات، قد ينحرف الإيمان أو يتحول إلى ممارسة ثقافية بحتة خالية من المحتوى العميق. القرآن يعلم المؤمنين كيف يتعاملون مع أنفسهم، ومع أسرهم، ومجتمعهم، وحتى أعدائهم. هذه الإرشادات تمنح الإيمان بعداً عملياً وتطبيقياً. الإيمان الذي يقتصر على القلب ولا يظهر في السلوك والتصرفات هو إيمان ناقص وضعيف. دراسة القرآن تساعد المؤمن على ضبط مبادئه الأخلاقية والسلوكية وفقاً للمعايير الإلهية، وتحميه من الضلال والانحراف. عندما يعلم الإنسان ما يريده الله منه، وما هي الطرق التي تؤدي إلى رضا الله، يصبح إيمانه أقوى ويعيش حياة أكثر هادفية. هذه الدراسة المستمرة هي شكل من أشكال التزكية الذاتية الدائمة التي تساعد الإنسان على طريق الكمال. القرآن أيضاً هو مصدر للراحة والطمأنينة الروحية. ففي لحظات الشدة واليأس والقلق، كلام الله يطمئن القلوب. الآيات التي تتحدث عن الصبر، والتوكل، ونصرة الله، تمنح المؤمن القوة والأمل. فالذي لا يكون على صلة بالقرآن، قد يصاب باليأس ويضعف إيمانه في هذه الظروف الصعبة. أما من عاش مع القرآن دائماً، يدرك أن "وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ" و "أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ" ليست مجرد آيات على ورق، بل هي حقيقة حية تمنحه السكينة والطمأنينة في المحن. الاتصال بالقرآن هو نوع من التغذية الروحية التي تبقي الإيمان حياً ونابضاً بالحياة. وكلما كانت هذه التغذية منتظمة وعميقة، كان الإيمان أقوى وأكثر ثباتاً. وهذا الارتباط المستمر بالوحي الإلهي يحمي الفرد من وساوس الشيطان والتأثيرات السلبية للبيئة. وفي الختام، إن إهمال دراسة القرآن يؤدي تدريجياً إلى تآكل الإيمان. فبدون هذا المصدر الحيوي، قد يصاب الفرد تدريجياً بالشك والريبة، وتتضاءل أهمية القيم الدينية في نظره، وفي النهاية قد ينحرف عن الصراط المستقيم. القرآن الكريم يدعو المؤمنين باستمرار إلى التفكير والتعقل والتدبر. هذه الدعوة إلى التفكير والفهم العميق حاسمة لاستقرار الإيمان ونموه. فالإيمان القائم على المعرفة والبصيرة لا يبقى ثابتاً فحسب، بل يزداد قوة يوماً بعد يوم، ويحصّن الفرد ضد جميع تحديات الدنيا وإغراءات الشيطان. لذلك، لكي يقف إيماننا كشجرة متجذرة وقوية في وجه الرياح المعاكسة، يجب أن نسقي جذورها باستمرار بماء القرآن العذب، وننير أوراقها بنور الهداية الإلهية. هذه الدراسة والتدبر ليست واجباً دينياً فحسب، بل هي حاجة حيوية لصحة الروح والإيمان واستقرارهما.
جاء في كتاب گلستان لسعدي أن حكيماً سُئل: «أي الثمار أطيب من عنقودها، وأي الثمار أجود من شجرتها؟» فأجاب الحكيم: «ثمرة العلم وثمرة التدبر.» وأضاف: «العلم الذي لا يستقر في القلب ولا يتأصل، كالماء الذي يسقط على صخرة ويمضي، لا ينبت زرعاً ولا يسقي جذراً. أما العلم الذي يرافقه التدبر والتعقل، فهو كالماء الذي يتغلغل في التربة الخصبة، فينبت منه شجرة ذات جذور عميقة وثمار وفيرة.» وهكذا هي قصة إيماننا بالقرآن. فإذا كان إيماننا مجرد قول باللسان، ولم نتدبر آيات القرآن، فهو كالبذرة التي تبقى على سطح الأرض ولا تنبت أبداً. ولكن عندما نتوجه إلى القرآن بقلب منفتح وعقل باحث، تكون كل آية كالماء الزلال الذي يتغلغل في جذور إيماننا، فيجعله أقوى وأعمق، ليصمد أمام رياح الشك الباردة وحرارة الغفلة الحارقة، ويجلب الثمار الحلوة من السكينة والهداية.