«عروس القرآن» هو لقب شرفي لسورة «الرحمن»، ينسب إليها لجمالها وبلاغتها، وتكرار الآية «فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ»، وذكر النعم الإلهية العديدة فيها. هذه السورة هي تجسيد لرحمة الله وقدرته اللامتناهية، تدعو القلوب إلى التأمل والشكر.
في التقاليد الإسلامية، يُطلق مصطلح 'عروس القرآن' (عروس القرآن) وهو لقبٌ جميل وشرفي على سورة 'الرحمن' المباركة. على الرغم من أن هذا التعبير لا يُوجد مباشرة في نص القرآن الكريم نفسه، إلا أنه استُخدم في بعض الروايات المنسوبة إلى النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أو من قبل علماء الإسلام، لتسليط الضوء على الخصائص الفريدة والبارزة لهذه السورة. تقول رواية مشهورة في هذا الصدد: 'لكل شيء عروس وعروس القرآن سورة الرحمن'. تصور هذه الرواية بوضوح الجمال الفريد والروعة والجاذبية لسورة الرحمن. فكما تكون العروس في أوج جمالها وزينتها خلال حفل الزفاف، وتجذب انتباه الجميع، فإن سورة الرحمن، بخصائصها المميزة، تأسر القلوب والعقول بين سور القرآن الكريم. سورة الرحمن، التي اشتق اسمها من إحدى أعظم صفات الله، وهي 'الرحمن' (كثير الرحمة)، تُعد من أبهى السور وأكثرها تأثيراً في القرآن الكريم. تبدأ السورة باسم 'الرحمن'، وتتمحور حول الرحمة الإلهية اللامتناهية. وتُظهر جميع آياتها المظاهر المختلفة لهذه الرحمة في الخلق، والتدبير، والهداية، والجزاء. الميزة الأبرز لهذه السورة هي تكرار آية محورية: 'فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ'. تُكرر هذه الآية 31 مرة على مدار السورة، وفي كل مرة بعد ذكر إحدى نعم الله العظيمة، سواء في الكون أو في حياة الإنسان والجن، تدعو المستمعين إلى التأمل والشكر. هذا التكرار لا يُضيف فقط جمالاً وإيقاعاً للسورة، بل يخلق أيضاً إيقاعاً فكرياً وروحياً، وكأنه نداءٌ مستمر يدعو البشر والجن إلى تذكر وتقدير النعم الإلهية التي لا تُحصى. تبدأ السورة بوصف الخلق: من تعليم القرآن من قِبل الله الرحمن، إلى خلق الإنسان والجن، والنظام الدقيق المذهل للشمس والقمر، وسجود النباتات والأشجار لربها. ثم تُشير إلى إقامة الميزان والعدل في الوجود وتُوصي الناس بالعدل في شؤون حياتهم. تستمر السورة في ذكر النعم الأرضية مثل الفواكه، والتمر، والحبوب، والزهور والنباتات العطرة، وتُشير إلى وجود بحرين، أحدهما عذب والآخر مالح، يلتقيان ولا يختلطان، ويخرج منهما اللؤلؤ والمرجان. كما تُذكر السفن التي تجري في البحار كعلامات على القدرة والرحمة الإلهية. هذا الجزء من السورة هو معرض جميل للآيات والعلامات الإلهية في العالم الطبيعي، وكل منها شاهد على عظمة ورحمانية الرب. بعد تعداد كل هذه النعم، تُشير سورة الرحمن إلى فناء جميع الكائنات على الأرض وبقاء الذات العلية ذي الجلال والإكرام. هذا الجزء من السورة، بعد عرض روعة وجمال الخلق، هو تذكير روحي يذكر الإنسان بالموت والمعاد. ثم تُنتقل السورة لوصف يوم القيامة وجزاء المحسنين وعقاب المسيئين. وصف الجنة ونعمها في هذه السورة مُبهج جداً ومنعش للروح؛ من الحدائق ذات الينابيع المتدفقة، والفواكه الوفيرة، والأزواج الطاهرين، إلى الفرش التي بُطّنت بالديباج الأخضر. هذه الأوصاف تُقدم صورة لأقصى درجات الهدوء والجزاء الإلهي لمن أطاعوا أمر ربهم. وعلاوة على ذلك، تُشير السورة إلى درجات الجنة ونعمها المختلفة للأفراد ذوي الدرجات الإيمانية المتفاوتة. تكرار 'فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ' في هذه الأجزاء، يكتسب عمقاً أكبر؛ لأنه بعد ذكر نعم الآخرة وكذلك التحذيرات المتعلقة بجهنم، يُطرح السؤال: هل ينكر الإنسان والجن حتى هذه الوعود والتحذيرات الإلهية؟ تدعو هذه السورة، من خلال وصف جمال الخلق والنعم التي لا تُحصى، البشرية إلى التأمل والتفكر، ثم تُوجههم نحو مصيرهم النهائي، وهو يوم القيامة والحساب. في الختام، تختتم السورة بذكر الاسم المبارك للرب. إن الجمال الأدبي، والإيقاع الساحر، والمواضيع العميقة والشاملة لهذه السورة، تجعلها بحق 'عروس القرآن'؛ لأنها تتجلى كعروس مزينة وجميلة، وتُظهر جميع جوانب الرحمة والقدرة الإلهية في قالب متناغم وجذاب، وتُدفع المستمع في كل مرة بذلك السؤال البليغ للتفكير: 'فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ؟'. هذه السورة ليست فريدة من نوعها فقط في أسلوبها الأدبي القرآني، بل تُعد أيضاً العرض الأكثر شمولاً للرحمة الإلهية في الخلق، والدنيا، والآخرة من حيث المحتوى. إن هذا التوليف بين جمال الشكل وثراء المحتوى هو الذي رفع سورة الرحمن إلى هذا المقام الرفيع في قلوب المؤمنين ورسخ لقب 'عروس القرآن' لها.
في إحدى الليالي الساحرة في شيراز، كان الشيخ سعدي الجليل جالساً بين تلاميذه. سأل أحد التلاميذ: «يا أستاذ، أحياناً نجد بين الكلمات والمعاني جوهرة تجلي القلب وتهدئ الروح. فهل يوجد في عالم الكلام ما يمكن تشبيهه بعروس جميلة وجذابة؟» ابتسم سعدي وقال: «نعم، في الكلام الإلهي، هناك سورة كعروس مزينة وجميلة؛ كل جملة منها تشرق كجوهرة، وكل عبارة ترفع حجاباً من الغموض والجمال. تلك السورة هي الرحمن، فمع كل تكرار لـ 'فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ'، كأنما يُسمع لحنٌ من الشكر والعبودية من لسان عروس الحقيقة. ومن يتأمل هذه العروس ويتدبر جمال آياتها، ينير قلبه بنور المعرفة وترتوي روحه بعبير الرحمة الإلهية. فلنسعَ دائماً وراء جمال كلام الحق، ففي كل كلمة منه درس للحياة وهداية للسعادة.» فغرق التلاميذ في التفكير عند سماع هذه الكلمات، وعزموا على تدبر آيات سورة الرحمن أكثر من ذي قبل.