لا، وفقًا للقرآن الكريم، طريق الوصول إلى الرضا والنجاة الإلهيين هو طريق واحد ومحدد يُعرف بـ «الصراط المستقيم»، ويقوم على التوحيد والاستسلام لله، وليس على تعدد المسارات المختلفة.
إن السؤال عما إذا كانت «جميع الطرق تؤدي إلى الله» هو سؤال عميق ومليء بالتحديات، وقد تم التفكير فيه عبر تقاليد فلسفية ودينية مختلفة. من منظور القرآن الكريم، تتطلب الإجابة على هذا السؤال تدقيقًا وإيضاحًا. فبينما الله تعالى هو رب الوجود ومالكه وسيده، وحضوره يحيط بكل شيء، فإن طريق الوصول إلى رضاه وقبوله، وفي النهاية إلى النجاة الإلهية، هو طريق محدد وواحد، وليس مجموعة غير محدودة من المسارات المتنوعة. يؤكد القرآن بشكل قاطع على «الصراط المستقيم» الواحد الذي هدى الله به البشرية لتتبعه من أجل تحقيق الفلاح والسعادة الأبدية. في جوهر الرسالة القرآنية يكمن مبدأ التوحيد المطلق لله. ينص هذا المبدأ الأساسي على أنه لا معبود يستحق العبادة إلا الله، فهو الواحد، الأحد، الصمد. وأي طريق ينحرف عن هذا الاعتقاد الأساسي، بالشرك بالله أو بإنكار ألوهيته ووحدانيته، يعتبر معصية عظيمة في القرآن. فمثلاً، في سورة النساء، الآية 48، يقول الله صراحة: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا». هذه الآية تتحدى بشكل مباشر فكرة أن جميع المعتقدات، بما في ذلك الشرك أو عبادة الأوثان، يمكن أن تؤدي بالتساوي إلى القبول الإلهي. وبالتالي، فإن الخطوة الأولى والشرط الأكثر أهمية في الطريق إلى الله هو الإقرار الصادق بوحدانيته وتجنب أي شكل من أشكال الشرك. مفهوم «الصراط المستقيم» هو محور الفهم القرآني للطريق الحقيقي إلى الله. ففي جميع أنحاء القرآن، يُطلب من المؤمنين مرارًا وتكرارًا أن يطلبوا هذا الصراط المستقيم وأن يلتزموا به. ففي سورة الفاتحة (1:6)، وهي أول سورة في القرآن، يدعو المسلمون يوميًا: «اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ». هذا الدعاء نفسه يعني أن هناك طريقًا مستقيمًا وطرقًا أخرى ليست مستقيمة. إنه ليس تعددًا من المسارات المتساوية الصلاحية، بل هو طريق واحد، مُقدّر إلهيًا. وتوضح سورة الأنعام، الآية 153، هذا المفهوم أكثر، حيث تقول: «وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ». تحذر هذه الآية صراحة من اتباع «السُّبُل» (الطرق المتنوعة)، مؤكدة أن مثل هذا الانحراف سيؤدي بالمرء بعيدًا عن طريق الله الواحد. ويُعد هذا البيان القاطع دحضًا واضحًا لفكرة أن جميع المنهجيات أو النظم العقائدية المختلفة مقبولة بالتساوي في نظر الله. علاوة على ذلك، يحدد القرآن الدين المقبول عند الله. ففي سورة آل عمران (3:19)، ورد: «إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ». مصطلح «الإسلام» نفسه يعني «الاستسلام» لإرادة الله. وهذا ليس مجرد دين تاريخي أسسه النبي محمد، بل هو التوحيد النقي الأصيل الذي دعا إليه جميع الأنبياء، من آدم إلى نوح وإبراهيم وموسى وعيسى، وأخيرًا محمد. إنه استسلام المرء لإرادة الخالق. وبناءً على ذلك، تعلن سورة آل عمران (3:85): «وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ». هذه الآية قوية بشكل خاص، وتؤكد أن معايير القبول الإلهي والنجاة محددة وغير قابلة للتفاوض. إنها لا تشير إلى أن أي شكل من أشكال الروحانية أو نظام الاعتقاد سيؤدي في النهاية إلى نفس النتيجة الإيجابية في الآخرة. بل تحدد حدودًا واضحة لما يشكل طريقًا يؤدي إلى النجاح في الآخرة. من الأهمية بمكان أن ندرك أنه بينما رحمة الله وعلمه وقدرته لا حدود لها وتشمل كل خلق، فإن هذا لا يترجم إلى تأييد جميع النظم العقائدية كمسارات متساوية الصلاحية للخلاص. يتحدث القرآن بشكل متكرر عن المساءلة والعدل، حيث سيتم الحكم على الأفراد بناءً على إيمانهم وأعمالهم. فالذين يدركون الحق ويسعون للعيش وفقًا لأوامر الله يختلفون عن أولئك الذين ينكرون أو يتجاهلون آياته. يُعرض مفهوم الهداية الإلهية كهبة يجب السعي إليها واتباعها بنشاط. لقد أوضح الله الحق، كما جاء في سورة البقرة (2:256): «لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ». هذا الوضوح يعني أن التمييز بين الطريق الصحيح والخاطئ ممكن وضروري. إن فكرة أن «جميع الطرق تؤدي إلى الله» غالبًا ما تنبع من الرغبة في الشمولية أو نظرة نسبية للحقيقة. وبينما يعلّم الإسلام احترام أتباع الديانات الأخرى ويقر بوجود قواسم مشتركة في عبادة الخالق، فإنه يحافظ على دعواه الفريدة للحقيقة المطلقة والطريق الأكثر مباشرة لرضا الله. الوحدة تكمن في «مصدر» الهداية (الله)، وليس بالضرورة في تعدد المسارات التي يسلكها البشر. يدعو القرآن البشرية إلى التقارب على الطريق الواحد للاستسلام لله الواحد، بدلاً من إضفاء الشرعية على كل نظام اعتقادي مختلف على أنه فعال بنفس القدر لتحقيق القبول الإلهي. في الختام، واستنادًا إلى الآيات الصريحة والمواضيع الشاملة للقرآن الكريم، فإن مقولة «جميع الطرق تؤدي إلى الله» بمعنى تحقيق رضاه ونجاته غير مدعومة. بل على العكس، يؤسس القرآن بشكل لا لبس فيه «الصراط المستقيم» الواحد – وهو طريق التوحيد الخالص، والاستسلام لإرادة الله (الإسلام)، والالتزام بوحيه الإلهي وتعاليم أنبيائه. هذا الطريق واضح، مُقدّر إلهيًا، وضروري للنجاح في كل من هذه الحياة والآخرة. وبينما رحمة الله واسعة، فإن عدله وطريقه المعين يظلان متميزين وواضحين، ويميزان بين من يعتنق هدايته ومن يعرض عنها.
يُروى من كنوز حكايات السعدي بليغ القول أن درويشًا طاعنًا في السن كان ذات مرة يتيه في صحراء واسعة، يبحث عن طريق واضح إلى وجهة معروفة بينابيعها الغزيرة وظلها الوفير. رأى العديد من المسارات الخافتة؛ بعضها كان يؤدي إلى سراب، وبعضها الآخر كان يعود إلى نقطة البداية في حلقات لا نهاية لها، بينما اختفت مسارات أخرى في الكثبان الرملية التي لا يمكن عبورها. جلس محتارًا ومنهكًا، متأملاً أي طريق يسلك. في هذه الأثناء، اقترب منه شيخ حكيم، وجهه قد نحتته الأيام والحكمة. سأل الدرويش بحسرة: «يا حكيم، أبحث عن طريق إلى الواحة، ولكن هناك مسارات لا حصر لها هنا، وأخشى أن أضل طريقي. هل كل هذه المسارات تؤدي في النهاية إلى نفس الوجهة؟» ابتسم الشيخ بلطف وأجاب: «يا ولدي، الصحراء واسعة، وكثير من المسارات نحتتها الضلالة أو الرغبات الزائلة. ولكن هناك طريق واحد فقط، تحدده علامات واضحة وتسلكه أولئك الذين يبحثون حقًا عن الماء المانح للحياة، ويؤدي مباشرة إلى الواحة. التيه بلا هدف في كل طريق هو دعوة للعطش واليأس. الهداية الحقيقية تؤدي إلى وجهة واحدة واضحة، لا عبر متاهة من التفرعات اللانهائية. اختر طريق الحق، وستكون رحلتك مباركة.» أدرك الدرويش هذه الحكمة، واتبع الطريق الواضح الذي أشار إليه الشيخ، وبالفعل وجد الواحة، فروى عطشه ووجد الطمأنينة. تذكرنا هذه القصة أنه بينما قد يقدم العالم العديد من الخيارات، فإن الطريق إلى الحقيقة المطلقة والسكينة، كما هو موضح بالهداية الإلهية، غالبًا ما يكون مميزًا ويتطلب بصيرة واختيارًا صحيحًا.