هل يرى الله العجز في العبادة؟

نعم، يرى الله ويعلم تمامًا عجز عباده ومحدودياتهم، وليس قدراتهم فقط. إنه لا يكلف نفساً إلا وسعها، ويكافئ النوايا الصادقة حتى لو لم تتمكن العبادة من الأداء الكامل بسبب العجز، فالإسلام دين يسر لا عسر.

إجابة القرآن

هل يرى الله العجز في العبادة؟

نعم، بالتأكيد. إن فهم عظمة ورحمة الله سبحانه وتعالى اللامتناهية يقتضي أن نعلم أنه لا يرى قدراتنا وجهودنا فحسب، بل إنه مطلع تماماً وعلى بصيرة تامة بعجزنا، ومحدودياتنا، وظروفنا الخاصة. هذا يعد من أهم مظاهر العدل، والرحمة، والحكمة الإلهية التي ورد ذكرها مراراً وتكراراً في القرآن الكريم. إن الله تعالى هو «العليم» و«الخبير»، ولذلك لا يخفى عليه شيء، سواء ما كان ظاهراً أو ما كان كامناً في القلوب والنوايا. إنه يعلم تماماً الضعف الجسدي، والأمراض، والقيود البيئية، وأي شكل من أشكال العجز الذي قد يمنع أداء العبادات بشكل كامل. القرآن الكريم ينص صراحة على أن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها. هذا المبدأ الأساسي يتجلى بجمال في سورة البقرة، الآية 286: «لَا یُکَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا». هذه الآية تتضمن قاعدة إلهية عامة تشمل جميع الأحكام والتكاليف الدينية. بناءً على هذه القاعدة، إذا كان الفرد غير قادر على أداء عبادة معينة بشكل كامل (مثل الوقوف في الصلاة، أو الصيام، أو أداء فريضة الحج) بسبب المرض، أو الشيخوخة، أو السفر، أو أي سبب مشروع آخر، فإنه يعفى من ذلك التكليف أو يتم تقديم طريقة بديلة له. وهذا يدل على أن النظرة الإلهية تتجاوز مجرد الشكل الظاهري للعمل، وتولي اهتماماً خاصاً للباطن، والنية، وقدرة الفرد. بالإضافة إلى ذلك، نقرأ في سورة المائدة، الآية 6: «یُرِیدُ اللَّهُ بِکُمُ الْیُسْرَ وَلَا یُرِیدُ بِکُمُ الْعُسْرَ»؛ أي «يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر». هذه الآية تؤكد أيضاً على مبدأ «التخفيف» و«التسهيل» في الأحكام الإلهية. الإسلام دين يسر وسهولة، وليس دين عسر ومشقة. لذلك، كلما أدى أداء عبادة ما إلى مشقة وصعوبة لا تُحتمل، فإن التخفيف فيها جائز بل مرغوب. على سبيل المثال، إذا كان المرض يمنع شخصاً من الصيام، يمكنه أن يفطر ويقضي صومه لاحقاً أو يدفع الكفارة بعد الشفاء. وإذا كان الوقوف في الصلاة صعباً على شخص ما، يمكنه أن يصلي جالساً أو حتى مستلقياً. كل هذه أمثلة على الفهم والبصيرة الإلهية تجاه العجز البشري. من المنظور القرآني، يهتم الله بروح العمل والنية الكامنة وراءه أكثر من اهتمامه بالأشكال الظاهرية للأعمال. إنه «عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ» (عالم الغيب والشهادة) وهو عليم بكل ما يدور في القلوب. إذا كان العبد بنية خالصة وشوق شديد للعبادة، ولكنه بسبب عجز جسدي غير قادر على أدائها، فإن الله يرى نيته ويكافئه وكأنه قد أدى العمل بالكامل. هذا بحد ذاته مظهر من مظاهر الرحمة والفضل الإلهي الذي يجلب الطمأنينة لقلوب المؤمنين. لذلك، فإن الفرد الذي يعوقه المرض، أو الشيخوخة، أو أي عائق مشروع آخر عن أداء بعض العبادات، لا يجب أن يشعر باليأس أو الذنب. بل يجب أن يعلم أن الله مطلع تماماً على حالته، وأن صبره وتوكله في مواجهة العجز يعتبر بحد ذاته نوعاً من العبادة. حتى هذا الشعور بالأسف والشوق لأداء العبادة في وقت العجز له قيمة عظيمة. إن الله يكافئ جهود عباده الصادقة، مهما كانت صغيرة أو ناقصة، ويستر العيوب برحمته ومغفرته. نتيجة لذلك، فإن الإيمان بهذه الحقيقة بأن الله لا يرى العجز في العبادة فحسب، بل يفهمه ويحكم على أساسه، يجلب السكينة للمؤمن ويخلصه من عبء الذنب والتقصير غير المبرر. هذه البصيرة تقدم صورة إله رحيم، وحكيم، وعادل، يريد دائماً الخير واليسر لعباده، ولا يضع عليهم أبداً حملاً لا يطاق. واجبنا هو أن نجتهد قدر استطاعتنا وأن نترك الباقي لفضله وكرمه، مع علمنا بأنه عليم بكل ما في القلوب ولا تخفى عليه نية خالصة. العبادة في الحقيقة هي اتصال قلبي وتسليم داخلي يمكن أن يستمر بأجمل أشكاله حتى في حالات المرض والعجز. بمعنى آخر، الله لا يرى العجز فقط، بل يدرجه في حساب الأعمال، وفي بعض الأحيان، يعطي الصبر على العجز والشكر عليه الأولوية على الفعل الظاهري نفسه. هذا يدل على أن العلاقة بين الخالق والمخلوق تتجاوز الأشكال والقوالب، وتتعمق في جوهر الوجود، والقصد، والنية البشرية. هذا الفهم للإلوهية يسمح للإنسان، حتى في أصعب الظروف، ألا ييأس من رحمة الله وأن يعلم أن حتى صمته وتنهيداته الحسرة على العبادات الفائتة، لا تذهب سدى في الحضرة الإلهية. لذا، فلنعيش بقلب مطمئن ومليء بالأمل في فضله، ولنتذكره في كل حال نجد أنفسنا فيه.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

رجلٌ من شيوخ الزمان، في أحد الأيام، لم يتمكن من الذهاب إلى المسجد لصلاة الجماعة بسبب ضعف في ساقيه. امتلأ قلبه بالحزن وتنهد قائلاً: «آه! لقد ذهبت مني قوة هذه العبادة الحلوة!» فلما علم صديق حكيم بحاله، قال له: «يا صديقي العزيز، لا تحزن! لقد سمعت في بستان سعدي: 'قضاء حاجة الفقير، إذا لم تكن هناك قدرة على الخدمة، أفضل بنية خالصة من مائة ركعة صلاة.' إن الله ينظر إلى قلوبنا المشتاقة والمهتزة أكثر مما ينظر إلى أجسادنا المرتعشة. نيتك للعبادة هي بحد ذاتها عبادة عظيمة عند الله تعالى. اطمئن، فإنه أعلم بما في القلوب من كل عين مبصرة.» عند سماع هذه الكلمات، هدأت نفس الرجل المسن وعلم أنه حتى في فراش العجز، فإن حبل اتصاله بمعبوده لم ينقطع.

الأسئلة ذات الصلة