هل النجاح الدنيوي علامة على رضا الله؟

النجاح الدنيوي ليس بالضرورة علامة على رضا الله؛ بل قد يكون اختبارًا. رضا الله يتحقق بالتقوى والإيمان والأعمال الصالحة، وليس بمجرد الثروة والمكانة.

إجابة القرآن

هل النجاح الدنيوي علامة على رضا الله؟

من الأسئلة الجوهرية التي شغلت ذهن الإنسان دائمًا هي العلاقة بين النجاحات المادية والدنيوية ورضا الله سبحانه وتعالى. يعتقد الكثيرون خطأً أنه إذا حقق شخص ثروة طائلة، أو مكانة عالية، أو شهرة في هذه الدنيا، فهذا بحد ذاته علامة أكيدة على محبته لله ورضاه الإلهي. ولكن هل تؤكد تعاليم القرآن الكريم هذا الرأي؟ بالرجوع إلى آيات القرآن النورانية، ندرك أن الإجابة على هذا السؤال أكثر تعقيدًا وعمقًا من مجرد نعم أو لا بسيطة. في الحقيقة، يتناول القرآن هذه المسألة بدقة وحكمة خاصتين، مقدمًا رؤية متوازنة وشاملة. يصف القرآن الكريم الدنيا بأنها مكان للاختبار والابتلاء للإنسان، وليست هي الغاية النهائية أو هدف الخلق. يشير الله في آيات متعددة إلى حقيقة أن الحياة الدنيا، بكل مظاهرها وجمالها، زائلة وفانية، وأن ما هو باقٍ وذي قيمة هو الأعمال الصالحة والتقوى الإلهية. النجاحات الدنيوية، مثل المال والأولاد، تُطرح في القرآن على أنها 'زينة' و 'فتنة' (وسيلة اختبار). هذا يعني أن الله قد يمنح بعض الأفراد، سواء كانوا مؤمنين أو كافرين، نعمًا دنيوية وفيرة ليختبرهم. هل يستخدمون هذه النعم في الطريق الصحيح؟ هل هم شاكرون أم جاحدون؟ هل يصيبهم الغرور بسببها وينسون الله، أم يجعلونها وسيلة للتقرب إليه ومساعدة عباده؟ على سبيل المثال، جاء في سورة الكهف الآية 46: "الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا". هذه الآية توضح بجلاء أن المال والأولاد ما هم إلا زينة الحياة الدنيا، وأن الباقيات الصالحات (الأعمال الصالحة والخيرية) هي خير ثوابًا وأملًا عند ربك. هذا يشير إلى أن القيمة الحقيقية في نظر الله تكمن في الإنجازات الروحية والأخروية، وليس فقط في تراكم الثروات أو النجاحات الظاهرية. علاوة على ذلك، يروي القرآن الكريم قصصًا تعلمنا أن الثروة والقوة الدنيوية ليست بالضرورة علامات على الرضا الإلهي؛ بل في بعض الأحيان يمكن أن تكون سببًا في هلاك الإنسان وسقوطه. قصة قارون في سورة القصص هي مثال بارز على هذه الحقيقة. تكبر قارون بسبب ثروته وكنوزه التي لا تعد ولا تحصى، وظن أن هذه الثروة هي نتيجة علمه وكفاءته، وليست من فضل الله. رفض دفع حق الفقراء، وفي النهاية، خسف به وبكنوزه الأرض. تظهر هذه القصة بوضوح أن الله قد يمنح الظالمين والطغاة نعمًا وفيرة، لكن هذا ليس بأي حال من الأحوال علامة على رضاه، بل أحيانًا يكون نوعًا من 'الاستدراج' (جر تدريجي نحو الهلاك) حتى تتم الحجة عليهم ويروا جزاء أعمالهم. من ناحية أخرى، نرى في القرآن أن العديد من الأنبياء والأولياء الصالحين واجهوا الفقر والمشقة والأذى في حياتهم الدنيا. هل هذا يعني أن الله كان غاضبًا منهم؟ قطعًا لا. لقد فقد نبي الله أيوب عليه السلام، رغم كل الصعوبات والأمراض، صبره وتوكله على الله، وفي النهاية، نال لطف الله ورحمته. هذا يدل على أن البلايا والمصائب يمكن أن تكون وسيلة للاختبار، والنمو الروحي، والتطهر من الذنوب، ورفع درجة الإنسان، وليست علامة على عدم رضا الله. لذلك، فإن المعيار الأساسي لرضا الله هو التقوى، والإيمان الحقيقي، والعمل الصالح، والشكر عند النعمة، والصبر عند البلاء. ينظر الله إلى حالة القلوب ونوايا البشر، وليس إلى حساباتهم المصرفية أو وضعهم الاجتماعي. قد يكون شخص ناجحًا وثريًا جدًا من الناحية الظاهرية، ولكن في الباطن، يكون قلبه ملوثًا بالكبر أو الجشع أو البخل أو الجحود؛ في المقابل، قد يكون شخص آخر في ضائقة مادية، ولكن قلبه مليء بالإيمان والقناعة والشكر والرضا بقضاء الله. في نظر القرآن، الثاني هو أحب وأنجح بكثير. في الختام، يجب القول إن النجاح الدنيوي، إذا صاحبه الشكر، والاستخدام الصحيح في سبيل الله، ومساعدة المحتاجين، ومراعاة حدود الله، يمكن أن يكون نعمة من الله. وفي هذه الحالة، قد يكون بالفعل علامة على الرضا الإلهي. لكن هذا النجاح وحده، دون النظر إلى الجوانب الروحية والأخلاقية، لا يمكن أبدًا اعتباره معيارًا قاطعًا لرضا الله. النقطة المهمة هي أن هدف الإنسان في الحياة يجب أن يكون كسب رضا الله والسعادة الأخروية، وليس مجرد تحقيق النجاحات الدنيوية الفانية. الله عادل وحكيم، وهو يختبر ويكافئ كل شخص حسب قدرته ونيته. لذا يجب علينا دائمًا السعي لكسب رضاه، سواء في الرخاء أو الشدة، وأن نعلم أن نظرة الله هي إلى داخلنا وإيماننا، وليس إلى مظاهر حياتنا.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في حكايات سعدي في بستانه، يُروى أن درويشًا كان جارًا لملك. كان الملك كل يوم يفكر في توسيع مملكته وزيادة كنوزه، وفي الليالي كان النوم يحرم عليه من كثرة التفكير في احتمال نقصان أمواله. أما الدرويش، الذي لم يكن يملك سوى قطعة من الخيش وبعض خبز الشعير، فكان بقلب مطمئن وشفاه مبتسمة، يشكر الله كل صباح، وينام في الليالي بلا هموم. ذات يوم، قال الملك للدرويش: "يا درويش، أراك لا تملك مالاً ولا جاهًا، ولكن قلبك منير وروحك هادئة. أنا الذي أملك كل شيء، أعيش دائمًا في قلق. ما هذا السر؟" ابتسم الدرويش وقال: "أيها الملك! لقد جعلت نفسك عبدًا للمال والجاه، وكلما جمعت أكثر، زادت قيودك ثقلاً. أما أنا، فعبد لله، وما عندي يكفيني. النجاح الحقيقي يكمن في هدوء القلب ورضا الحق تعالى، لا في تكديس الممتلكات الزائلة." تأثر الملك بكلام الدرويش وخفف شيئًا من ثقل طمعه وجشعه.

الأسئلة ذات الصلة