نعم، الله معنا في قلب كل أزمة ويساندنا. يتجلى هذا الحضور من خلال رحمته وعلمه وقدرته، ويمنحنا الصبر والطمأنينة.
الإجابة على السؤال العميق "هل الله معي في أوقات الأزمات؟" هي "نعم" مدوية تتجلى بوضوح ويقين مطلق في تعاليم القرآن الكريم. فالله سبحانه وتعالى لا يحضر معنا في لحظات الراحة واليسر فحسب، بل إن حضوره يؤكَّد بشكل أكثر وضوحًا وتأكيدًا في الشدائد، الصعوبات، والأزمات الحياتية. هذا الحضور، بالطبع، ليس حضورًا ماديًا حسيًا، بل هو حضور شامل، علمي، داعم، ورحيم يسكب الطمأنينة في قلوب المؤمنين ويثبت أقدامهم على طريق الحق. يؤكد القرآن الكريم في آيات عديدة على معية الله ومرافقته لعباده. من أوضح هذه الآيات، الآية ١٥٣ من سورة البقرة التي تقول: "يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ". هذه الآية الكريمة تبين بوضوح أن في مواجهة المشاكل والصعوبات، تأتي أداتان قويتان هما "الصبر" و"الصلاة" لمساعدة الإنسان، وأن الله يكون مع الصابرين. الصبر هنا لا يعني السلبية أو الاستسلام، بل هو تحمل المصاعب بنشاط، وثبات على الحق، وعدم فقدان الأمل. أما الصلاة، فهي الصلة المباشرة وغير المنقطعة بالخالق، وهي مصدر السكينة وتجديد القوى الروحية. فوجود الله معنا في الأزمات مشروط باستعانتنا بهاتين الركيزتين الثابتتين من الإيمان. عندما نمد أيدينا إليه بالدعاء، ونصمد أمام التحديات، نشعر بأنه لم يتركنا وحدنا قط، وأن نصره قريب. بالإضافة إلى ذلك، في آية أخرى من سورة المجادلة (الآية ٧)، يقول الله تعالى: "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَمَا فِی الْأَرْضِ ۖ مَا یَکُونُ مِن نَّجْوَىٰ ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَىٰ مِن ذَٰلِکَ وَلَا أَکْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَیْنَ مَا کَانُوا ۖ ثُمَّ یُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا یَوْمَ الْقِیَامَةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِکُلِّ شَیْءٍ عَلِیمٌ". هذه الآية تؤكد على معية الله الشاملة والعلمية، مما يعني أنه لا توجد لحظة أو مكان يغيب فيه علم الله أو حضوره. هذا الحضور يتضمن علمه التام بحالنا في قلب الأزمات. هو سبحانه شاهد لآلامنا، سميع لدعواتنا، وعليم باحتياجاتنا، حتى وإن شعرنا بالوحدة. هذا العلم المطلق هو بذاته مصدر للراحة، لأننا ندرك أن لا شيء يختفي عن بصره، وأن عدله سيتحقق في نهاية المطاف. كل دمعة تذرف، وكل همس صلاة يرفع، وكل عبء يُحمل، معلوم لديه، مما يوفر إحساسًا عميقًا بالأمان والطمأنينة. يمكن رؤية أمثلة عديدة لمعية الله في قلب الأزمات في قصص الأنبياء والأولياء الصالحين التي وردت في القرآن. فلقد قال نبي الله موسى عليه السلام عندما واجه فرعون وجنوده وحوصر من كل الجهات: "كَلَّا ۖ إِنَّ مَعِیَ رَبِّی سَیَهْدِینِ" (الشعراء: ٦٢). هذا الإيمان الراسخ بحضور الله ونصرته في قمة اليأس الظاهري، أدى إلى نجاته المعجزة وغرق الفراعنة. هذا المثال يوضح أنه عندما تنقطع الآمال وتصبح الأسباب المادية عاجزة، تصل معية الله إلى ذروتها وتكون هي السبيل إلى الفرج. مثل هذه الروايات تعلمنا أن ضوء الأمل الإلهي لا ينطفئ أبداً، حتى في أحلك اللحظات. كذلك، في قصة هجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأبي بكر في غار ثور، عندما كان الأعداء يطاردونهم وكانوا على بعد خطوات قليلة منهم، قال الله لنبيه: "لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا" (التوبة: ٤٠). هذه الآية تدل على أن حتى في أخطر اللحظات وأكثرها رعبًا، فإن الحضور الإلهي هو مصدر الطمأنينة والأمان. هذا الحضور ليس مجرد وعد، بل هو حقيقة قائمة تحمي المؤمن من الخوف واليأس. يذكرنا الله بأن حتى لو كان العالم بأسره ضدنا، فإن حضوره وحده يكفي لتهدئة قلوبنا ويمنحنا القدرة على المضي قدماً بثبات. إن أهمية هذا الحضور الإلهي في الأزمات تكمن في أن الإنسان في هذه الظروف يكون أحوج ما يكون إلى سند قوي ومصدر للأمل والقوة. عندما تُغلق جميع الأبواب وتصل الحلول البشرية إلى طريق مسدود، يصبح الملجأ الوحيد والحقيقي هو الذات الإلهية المقدسة. الإيمان بأن "الله معي" ليس مجرد تلقين نفسي، بل هو حقيقة وجودية تمنح الإنسان القدرة على مواجهة أشد البلايا. هذا الإيمان يرسخ جذور الصبر والثبات في نفس الإنسان ويمنعه من السقوط في هاوية اليأس والقنوط، ويمنحه روحاً قوية لا تُقهر. هذه المعية الإلهية لا تعني أن الله يعفينا من المصاعب؛ فالاختبار والابتلاء سنة إلهية في حياة البشر ليمتحن إيمانهم ويصلوا إلى الكمال. بل تعني أن الله هو المعين والداعم لنا طوال هذه الاختبارات. فهو يمنحنا القوة اللازمة للتحمل، ويمنحنا البصيرة لإيجاد الحلول، وفي النهاية يجعل اليسر والفرج بعد العسر، كما نقرأ في سورة الشرح (الانشراح): "فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ یُسْرًا ﴿٥﴾ إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ یُسْرًا ﴿٦﴾". تكرار هذه الآية مرتين متتاليتين يؤكد على حقيقة أن اليسر دائمًا يرافق العسر، ولن يكون عسر بدون فرج. هذا البيان هو قمة الأمل والسلوان لمن هم في ضيق، ويبشر بأن نهاية كل ظلمة نور. لذلك، لتجربة هذا الحضور المبارك في قلب الأزمات، يجب التمسك بحبل الله المتين. هذا التمسك يشمل التوكل على الله، الدعاء، الصبر، الصلاة، والعمل بأحكامه. كلما كان اتصال الإنسان بالله أعمق وأكثر إخلاصًا، كلما كان فهمه وتجربته لهذه المعية أقوى وأكثر واقعية. الله قريب دائمًا ويستجيب لدعاء من يدعوه. وهو يراقب ويهتم بعباده في جميع اللحظات، ويكشف عن حضوره من خلال الإلهامات القلبية، الفتوحات غير المتوقعة، والهدايات غير المرئية. ففي كل لحظة أزمة، اعلم أن يد القدرة والرحمة الإلهية فوق كل الأيدي، وأنه أقرب إلينا وأسمع من أي شيء آخر. يكفي أن ندعوه بكل وجودنا ونثق به. هذا الإيمان ليس فقط مريحًا، بل هو قوة دافعة لعبور أصعب عواصف الحياة، ويمهد لنا طريق النمو والكمال.
في قديم الزمان، كان هناك مسافرٌ منهكٌ ومحبطٌ يسير في صحراء قاحلة. نفد ماؤه، وتضاءل أمله مع كل خطوة مؤلمة. فكر في نفسه: "بالتأكيد، في هذه الأرض الشاسعة والموحشة، أنا وحيد تمامًا، متروك لمصيري." تشبث به اليأس كحرارة الشمس الحارقة. وفي اللحظة التي كان على وشك الاستسلام، لفت انتباهه برعم أخضر صغير يكاد لا يرى. زحف نحوه، وبأمل جديد وهش، بدأ يحفر. لدهشته، بدأ نبع ماء صغير وواضح يتدفق من تحت الرمال. أروى عطشه، وبينما كان يشرب، غمر شعور عميق بحضور الله قلبه. أدرك أنه حتى في أكثر الأماكن قحطًا، عندما بدا كل شيء ضائعًا، كانت اليد الإلهية معه، توجهه نحو رزقه. ومنذ ذلك اليوم، فهم أن رحمة الخالق لا حدود لها، وأن حضوره يُشعر به بشدة أكبر عندما يكون الأمل نادرًا، مذكِّرًا إيانا أننا حتى في أحلك ساعاتنا، لسنا وحدنا أبدًا.