هل الإيمان يعني الرضا بكل ما يحدث؟

الإيمان يعني الرضا القلبي بالقدر الإلهي بعد بذل أقصى الجهد، وليس الاستسلام السلبي للظلم أو المشاكل القابلة للحل. المؤمن الحقيقي يوازن بين التوكل على الله والمسؤولية الفردية لإحداث التغيير الإيجابي.

إجابة القرآن

هل الإيمان يعني الرضا بكل ما يحدث؟

إن مفهوم الإيمان في الإسلام، لا سيما في علاقته بـ «الرضا بكل ما يحدث»، يتطلب فهماً عميقاً ومتعدد الأوجه. للوهلة الأولى، قد يُفسر هذا التعبير على أنه قبول سلبي أو استسلام مطلق للقدر، مما قد يبدو متناقضاً مع روح الإسلام الديناميكية والمسؤولة. لكن، بالتدبر في آيات القرآن الكريم والتعاليم الإسلامية، ندرك أن الإيمان الحقيقي هو مزيج ذكي من التوكل، والصبر، والشكر، والسعي، والفهم العميق للقدر الإلهي. هذا الرضا ليس سلبية، بل هو حالة قلبية ونفسية عميقة تجلب الطمأنينة للإنسان بعد أن يكون قد بذل كل ما في وسعه من واجبات وجهود. أول نقطة يجب توضيحها هي مفهوم «القضاء والقدر». يعتقد الإسلام بالقدر الإلهي؛ أي أن كل شيء قد كُتب في علم الله وإرادته اللامتناهية. هذا لا يعني أن الإنسان مجبر ولا يملك أي اختيار. بل إن الله قد منح الإنسان قوة الاختيار والإرادة والمسؤولية. فأعمالنا الحسنة أو السيئة، ونتائج جهودنا أو إهمالنا، كل ذلك يقع ضمن النطاق الواسع للقدر الإلهي. الرضا بما يحدث، هو في الواقع رضا بحكمة الله وعلمه اللامحدود الذي يكمن وراء كل حدث. يقول القرآن الكريم في سورة التوبة، الآية 51: «قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ». هذه الآية تبين أن كل ما يحدث هو من الله، ويجب التوكل عليه، لكن هذا التوكل يأتي بعد أداء الواجب وبذل الجهد. الرضا القلبي بالقدر الإلهي، خاصة عند مواجهة المصائب والابتلاءات، هو من أعلى مراتب الإيمان. عندما يبذل الإنسان قصارى جهده، ولكن النتيجة لا تسير كما يتوقع، أو يواجه اختبارات وصعوبات غير متوقعة، فإن إيمانه الحقيقي يعينه على مواجهة ذلك بسلام نفسي وتسليم للإرادة الإلهية. هذا هو الصبر الذي يؤكد عليه القرآن في آيات عديدة. في سورة البقرة، الآيات 155 إلى 157، يقول الله تعالى: «وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ. الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ. أُولَٰئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ». هذه الآيات توضح بجلاء أن المصائب جزء من الامتحان الإلهي، ويجب أن يكون رد المؤمنين عليها بالصبر والإقرار بملكية الله، وهو بحد ذاته نوع من الرضا القلبي. ولكن، النقطة الأساسية تكمن في التمييز بين «الرضا بالقدر الإلهي» و«الاستسلام للظلم والقهر» أو «السلبية تجاه المشاكل القابلة للحل». فالإسلام لم يأمر الإنسان أبداً بأن يكون غير مبالٍ بالظلم، أو الفقر، أو الجهل، أو أن يكون «راضياً» بها. بل على العكس تماماً، يحث المسلمين على الجهاد، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والسعي لتغيير أحوالهم وأحوال مجتمعاتهم، واكتساب العلم والمعرفة. في سورة الرعد، الآية 11، جاء: «إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ». هذه الآية تؤكد بوضوح على مسؤولية الإنسان في تغيير ظروفه. لذلك، فإن الرضا بكل ما يحدث، لا يعني عدم السعي لتحسين الوضع القائم، أو رفع الظلم، أو مكافحة الجهل والانحراف. الإيمان الحقيقي يمنح الإنسان القدرة على التمييز بين ما هو تحت سيطرته (مثل الجهد، والنية، والعمل) وما هو خارج عن سيطرته (مثل القدر النهائي والنتائج غير المتوقعة). نحن مطالبون ببذل أقصى جهودنا لتحصيل رضا الله، وخدمة الخلق، وتحقيق الأهداف المشروعة. وبعد أن نستخدم كل الأسباب والإمكانيات، نتوكل على الله في النتيجة، وفي جميع الأحوال، سواء نجحنا أم لم ننجح، سنكون راضين بقلب مطمئن ومؤمن بحكمة الله وعدله. هذا الرضا هو مصدر السكينة الداخلية والتحرر من قلق الدنيا. هذه الحالة تعني الاستسلام للقدر بعد بذل الجهد الصادق، وليس قبله أو بدلاً منه. وهذا لا يتنافى مع العمل والحركة، بل هو بحد ذاته دافع قوي لمواصلة الجهود الخيرة بهدوء ودون يأس من الإخفاقات المحتملة. فالإيمان يعني القبول الذكي والفاعل للتدبير الإلهي في جميع جوانب الحياة، مع العلم بأن كل ما قدره الله سيؤول في النهاية إلى خير ومصلحة المؤمن، لكن هذا القبول لا يعني التخلي عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاربة الظلم والسعي للبناء والتقدم. هذا التوازن الدقيق هو ذروة كمال الإيمان.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

ذات يوم، كان رجل يشتكي بشدة من فقره وقلة حاله. نظر إلى حذائه القديم الممزق وتنهد، متسائلاً لماذا هو في هذه الحالة. في تلك اللحظة، رأى رجلاً بلا قدمين يزحف على الأرض. فجأة، توقف الرجل الشاكي عن تذمره وقال لنفسه: 'يا بائس! أنت تشكو من عدم امتلاك الأحذية، بينما هذا الرجل يعاني من عدم امتلاك القدمين. الحمد لله أن لدي قدمين، حتى لو كان حذائي قديماً.' هذه القصة الجميلة لسعدي تعلمنا كيف يمكن للرضا الحقيقي بما لدينا وقبول الحكمة الإلهية أن يجلب السلام والفرح إلى قلوبنا، ويغير نظرتنا إلى كل ما يحدث.

الأسئلة ذات الصلة