موت كل فرد هو جزء من القدر والحكمة الإلهية، ويحدث في وقته المحدد، وهو أمر يصعب علينا فهمه بالكامل. فالله قد يدعو الصالحين إليه أحيانًا في أوج نقائهم ليجدوا جزاءً أعظم ويحفظوا من فتن الدنيا.
هذا السؤال عميق ومؤلم، وقد شغل أذهان الكثيرين عبر التاريخ. إن رؤية فقدان أحبائنا، وخاصة أولئك الذين اشتهروا بالخير والصلاح، والذين يُعتقد أن وجودهم يجلب المزيد من البركات والخير للمجتمع، هو اختبار صعب للغاية للإيمان والصبر البشري. القرآن الكريم، بصفته كلام الله ومصدر الهداية الرئيسي للبشرية، لا يجيب مباشرة على السؤال المحدد: "لماذا توفي فلان الصالح مبكراً؟" وذلك لأن توقيت وفاة كل إنسان محدد سلفًا وهو جزء من علم الغيب الإلهي الذي يقع خارج نطاق فهم البشر وإدراكهم المحدود. ومع ذلك، فإن القرآن يوضح مبادئ وحقائق عامة يمكن أن تساعدنا في فهم هذه المسألة والتصالح معها، مما يمنحنا رؤية أعمق وأكثر توحيدًا للحياة والموت. أحد المفاهيم القرآنية الأساسية في هذا الصدد هو "الأجل". يوضح القرآن بوضوح أن لكل أمة ولكل فرد أجلًا مسمى (مدة حياة محددة). هذا الأجل لا يتقدم ولا يتأخر. يذكرنا الله بهذه الحقيقة في آيات عديدة، منها قوله تعالى في سورة الأعراف، الآية 34: "وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ" (ولكل أمة أجل؛ فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون). هذه الآية والآيات المشابهة تبين أن توقيت وفاة كل إنسان هو بالكامل في يد الله، ولا يمكن لأحد، سواء كان صالحًا أو طالحًا، أن يتغلب على هذا القدر الإلهي أو يغيره. لذلك، عندما نتحدث عن "الوفاة المبكرة"، فإن هذا مجرد فهمنا وتصورنا بناءً على معاييرنا البشرية وتوقعاتنا لطول العمر؛ بينما من وجهة نظر إلهية، فإن هذا هو "الأجل" المقدر لذلك الفرد بالضبط. يصف القرآن أيضًا الحياة الدنيا بأنها مكان للاختبار والابتلاء. يقول الله تعالى في سورة الملك، الآية 2: "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ" (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً؛ وهو العزيز الغفور). وعلى هذا الأساس، فإن الموت أيضًا جزء من عملية الاختبار هذه. وفاة الأشخاص الصالحين يمكن أن تكون اختبارًا لذويهم؛ اختبارًا في الصبر، والشكر، والتسليم لقضاء الله، وتذكيراً بزوال الدنيا. هذه التجربة يمكن أن تؤدي إلى الصحوة، أو التوبة، أو زيادة الإيمان لدى الآخرين. علاوة على ذلك، قد تكون الحكمة وراء الوفاة المبكرة لشخص صالح هي حمايته من الذنوب والأخطاء التي قد يرتكبها لو طال عمره، أو لحمايته من الفتن والابتلاءات التي لا يطيقها. بهذه الطريقة، قد يعيد الله عبده الصالح إليه في أوج نقائه وتقواه، بحيث ينتظره أجر أكمل وأعظم. نقطة أخرى يجب مراعاتها هي أن قيمة الإنسان وعظمته في نظر القرآن لا تقاس بطول عمره، بل بجودة حياته، ومقدار أعماله الصالحة، وتقواه لله. فحياة قصيرة ولكنها مثمرة ومليئة بالعبودية والعمل الصالح، هي بلا شك أثمن بكثير من عمر طويل قُضي في غفلة ومعصية. وقد قال النبي محمد (صلى الله عليه وسلم): "خير الناس من طال عمره وحسن عمله". لكن هذا لا ينفي قيمة الحياة القصيرة المصحوبة بالخير. لقد ترك العديد من الأولياء والعظماء في التاريخ الديني، على الرغم من حياتهم القصيرة، تأثيرات عميقة على العالم، ولا تزال أسماؤهم تضيء في صفحات التاريخ. لذلك، ربما تكون حكمة الله لبعض عباده الخاصين هي أن يعودوا إلى ربهم بعد إنجاز مهمة معينة أو الوصول إلى درجة معينة من الكمال، حتى لو كان عمرهم قيراً، لضمان أن يلاقوا أجرهم في أفضل حال. ومن المهم أيضًا الإشارة إلى أن النظرة الإسلامية لا تعتبر الموت نهاية المطاف، بل جسراً نحو حياة أبدية خالدة في الآخرة. فبالنسبة للمؤمن، الموت هو بداية رحلة نحو لقاء المحبوب ونيل الثواب على أعماله الصالحة. في سورة يس، الآية 68، نقرأ: "وَمَن نُّعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ ۖ أَفَلَا يَعْقِلُونَ" (ومن نعمره ننكسه في الخلق؛ أفلا يعقلون؟). تشير هذه الآية إلى الضعف والصعوبات التي تصاحب مرحلة الشيخوخة. فربما تقتضي الحكمة الإلهية لبعض الأفراد الصالحين أن يعودوا إلى ربهم قبل بلوغ مرحلة الضعف والعجز، وفي أوج قوتهم وروحانيتهم، حتى يتجنبوا مصاعب الشيخوخة ويشرفوا على الحضرة الإلهية بسجل أكثر إشراقاً. في الختام، يكمن الجواب على هذا السؤال عميقًا في مفهوم "التوكل" و"التسليم" لإرادة الله. فبمعرفتنا المحدودة، لا يمكننا أبدًا أن نفهم جميع أسرار الخلق والحكم الخفية وراء الأقدار الإلهية. ما يقع على عاتقنا هو الإيمان بوحدانية الله، وعدله وحكمته، وقبول كل ما يأتي من جانبه، سواء كان سارًا أو غير سار. وتذكرنا الأحاديث النبوية بأن الموت خير للمؤمن؛ فإذا كان المؤمن صالحاً، فإن موته يؤدي إلى نيل الثواب الأخروي، وإذا كان مذنباً، فإن موته يمنعه من الاستمرار في الذنب وزيادة العذاب (هذا الحديث يشير إلى الموت بشكل عام وليس فقط الموت المبكر). لذلك، عندما يتوفى الأشخاص الصالحون، يجب أن نفكر أنهم قد عادوا إلى ربهم وأن مكافأة عظيمة تنتظرهم. هذا الحدث يذكرنا بأن الحياة الدنيا فانية، وأن ما يبقى هو الأعمال الصالحة وذكر الله. يجب أن نستغل فرص الحياة، ونؤدي الأعمال الصالحة، ونستعد للرحلة الأبدية، لأن لا أحد يعلم الوقت المحدد لأجله. إن التسليم لقضاء الله وفهم حقيقة أن الله تعالى يريد دائمًا الخير والصلاح لعباده، حتى لو كان ذلك يبدو صعبًا علينا، يجلب الطمأنينة للقلوب.
يُحكى أن رجلاً حكيماً كان يتجول ذات يوم في بستان ورد جميل، مستغرقاً في تفكيره. وبينما كان يتأمل زهرة تفتحت لتوها، في أوج جمالها ونضارتها، هبت فجأة ريح شديدة فاقتلعت الزهرة من غصنها، فاستقر حزن في قلبه. وبجانبه كان تلميذ شاب متحمس، فقال بأسى: "يا أستاذ، يا للخسارة! هذه الزهرة كانت جميلة جداً وكان يمكن أن تبقى على غصنها فترة أطول، لتنشر عطرها. لماذا ذبلت بهذه السرعة؟" ابتسم الأستاذ وقال: "يا بني، أحياناً تُقطف الأفضل من بستان الدنيا مبكراً. فالبستاني الحكيم يعلم أي زهرة يقطف وفي أي وقت، ليحافظ على نضارتها ويحميها من آفات الزمان. ربما لو بقيت هذه الزهرة لوقت أطول، لذبلت وفقدت جمالها، أو تعرضت للأذى. والله تعالى أيضاً، كبستاني حكيم، يأخذ كل روح من هذا البستان الفاني في أفضل وأنسب الأوقات. وبالنسبة للبعض، يكون هذا الوقت الأفضل في أوج صلاحهم وتقواهم، ليعودوا إليه بسجل ناصع البياض وليكونوا في مأمن من المزيد من الابتلاءات الدنيوية والمحن. فبدلاً من الحزن، آمن بحكمته واعلم أن كل ما يقضيه هو خير مطلق، حتى لو كان فهمنا له ناقصاً." اطمأن قلب التلميذ وعلم أن وراء كل حدث حكمة خفية لا تُرى بالعين الظاهرة.