هل قدر الله إخفاقاتي؟

لم يقدّر الله إخفاقاتنا بمعنى الإجبار وسلب الاختيار؛ بل هي غالبًا نتيجة لخياراتنا، أو تقصيرنا، أو أخطائنا، أو هي اختبار إلهي لنمونا وسموّنا. من المهم أن نتعلم من الإخفاقات ونواصل السعي بالتوكل على الله.

إجابة القرآن

هل قدر الله إخفاقاتي؟

من أعقد الأسئلة وأكثرها عمقاً التي تشغل ذهن الإنسان بخصوص علاقته بالخالق، هي مسألة القضاء والقدر، والاختيار الإنساني، والمسؤولية. هذا السؤال حول ما إذا كان الله قد قدّر إخفاقاتنا مسبقاً ينبع من فهمنا للإرادة الإلهية ودور الإنسان في تحديد مصيره. في الإجابة على هذا السؤال، يقدم القرآن الكريم رؤية شاملة ومتوازنة تؤكد على القوة المطلقة والعلم اللانهائي لله، وفي الوقت نفسه تعترف بمسؤولية الإنسان وحريته في الاختيار. من المنظور القرآني، فإن الله تعالى عليم بكل ما حدث، ويحدث، وسيحدث. هذا العلم الإلهي، الذي يُعرف في المصطلح الديني بـ "القضاء والقدر"، لا يعني أن الله يجبر الإنسان على فعل شيء أو يدفعه نحو الفشل. لقد خلق الله الإنسان بـ "الاختيار"؛ أي منحه القدرة على الاختيار بين الطريق الصحيح والخاطئ، والاجتهاد والتقصير، والإيمان والكفر. هذه القدرة على الاختيار هي حجر الزاوية في مسؤولية الإنسان. فلو كان الإنسان بلا اختيار وكانت جميع أفعاله مبرمجة مسبقاً، لأصبحت المكافأة والعقاب والحساب والتكليف كلها بلا معنى. يؤكد القرآن بوضوح في آيات عديدة أن الإنسان مسؤول عن أفعاله وسيرى نتيجة عمله. فعلى سبيل المثال، في سورة الكهف الآية 29 يقول: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾. هذه الآية تُظهر بوضوح أن حرية اختيار طريق الحياة تقع على عاتق الإنسان نفسه. الإخفاقات، بمعنى عدم تحقيق هدف أو نتيجة مرغوبة، هي جزء طبيعي من حياة الإنسان. يمكن أن تنجم هذه الإخفاقات عن عوامل متعددة: أحياناً تكون نتيجة لتقصير الإنسان نفسه، أو إهماله، أو اختياراته الخاطئة؛ وأحياناً أخرى قد تلعب عوامل خارجية غير قابلة للتحكم دوراً. من منظور القرآن، فإن الله لا يظلم عباده أبداً، ولا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم (الرعد، الآية 11). وهذا يعني أن العديد من الإخفاقات التي نختبرها هي نتائج مباشرة لأفعالنا وقراراتنا. إذا لم يجتهد المرء، أو لم يتعلم، أو اختار طريق الخطأ، فإن النتيجة قد تكون الفشل، وهذا الفشل ليس تقديراً إلهياً لإيذائه، بل هو نتيجة طبيعية لعمله ضمن القوانين التي وضعها الله في الكون. ومع ذلك، يجب الانتباه إلى أن الإخفاقات يمكن النظر إليها من جانب آخر: وهو الاختبارات والامتحانات الإلهية. الحياة الدنيا هي ساحة امتحان للإنسان. يختبر الله عباده بأنواع الشدائد والنجاحات والإخفاقات من أجل نموهم وتساميهم وتقييم إيمانهم. في سورة البقرة الآية 155 يقول: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾. تُظهر هذه الآيات أن الإخفاقات والمصائب يمكن أن تكون فرصة لاختبار صبر الإنسان وقوته وتوكله على الله وعودته إليه. في هذا المنظور، الفشل ليس نهاية مريرة، بل هو نقطة انطلاق للنمو والتعلم. لا يقصد الله من هذه الاختبارات الإيذاء، بل يريد أن تتجلى قدرات الإنسان الخفية وأن يقترب من الكمال. غالباً ما يكون بعد فشل كبير أن يستفيق الإنسان، ويعيد النظر في أساليبه، ويتعلم من أخطائه، ثم يسلك طريقاً أفضل وأنجح. هذه العملية بحد ذاتها جزء من الحكمة الإلهية في تدبير شؤون العالم وتربية الإنسان. علاوة على ذلك، يجب ألا ننسى أن الله هو أرحم الراحمين. رحمته ورافته تسبق كل شيء. لو كانت الإخفاقات مبرمجة لمجرد إيذاء الإنسان وتعذيبه، لكان هذا يتناقض مع صفة الرحمن الرحيم لله. بل إن الإخفاقات، شأنها شأن النجاحات، هي أدوات في يد الحكمة الإلهية لكي يجد الإنسان طريقه في هذه الدنيا، ويعود إلى الله، ويبلغ درجات أعلى من المعرفة والإيمان. حتى الأنبياء العظام واجهوا تحديات وعقبات و"إخفاقات" ظاهرة خلال حياتهم، والتي أدت في النهاية إلى انتصارات أكبر وتثبيت رسالاتهم. وهذا يدل على أن الفشل جزء لا يتجزأ من مسيرة النمو والكمال، وليس مجرد عقوبة أو خطة مسبقة للإحباط الأبدي. في الختام، يمكن القول إن الله لم يقدر إخفاقاتنا بمعنى الإجبار وسلب الاختيار. بل هو بعلمه اللامتناهي يعلم جميع الاحتمالات ونتائج أعمالنا، وفي الوقت نفسه، منحنا القدرة على الاختيار. الإخفاقات غالباً ما تكون نتيجة لاختياراتنا، أو تقصيرنا، أو أخطائنا، أو هي اختبار إلهي لنمونا وتسامينا. المهم هو أن نراجع أفعالنا بعد كل فشل، بدلاً من اليأس ولوم القدر، وأن نتعلم من الأخطاء، ونستمر في السعي والاجتهاد مع التوكل على الله تعالى، لنسير نحو النجاح ورضا الله. هذا المنظور يمنح الإنسان الأمل والمسؤولية، ويدفعه نحو العمل والتقدم.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُحكى أن تاجراً تكبد خسائر فادحة في تجارته وفقد ثروته. جلس حزيناً يائساً قائلاً: «كان هذا قضاء الله الذي أوقعني في الضياع». مرّ به شيخ حكيم، فقال: «يا شاب، لا تجعل قضاء الله ذريعة لتقصيرك وسوء تدبيرك. فالله محسن ولا يظلم أحداً. إذا غرقت سفينتك في العاصفة، فانظر: هل كنت قد ربطتها بإحكام؟ هل أمّنت عليها؟ هل سافرت في الوقت المناسب؟ الإخفاقات أحياناً هي نتيجة دروس يجب أن تتعلمها. قم، وتوكل على الله، وبدأ من جديد بحكمة جديدة، ففي الشدائد كنوز مخفية لا يجدها إلا الصابرون والمجتهدون.» أخذ التاجر بنصيحة الشيخ، وجمع همته، وبجهد مضاعف وتدبير جديد، لم يعوض خسائره فحسب، بل حقق نجاحاً كبيراً، وعلم أن «في اليأس أملاً كبيراً / ونهاية الليل المظلم بيضاء».

الأسئلة ذات الصلة