نعم، الله تعالى عليم بكل نوايا الإنسان وأفكاره الخفية. قيمة أعمالنا الصالحة وثوابها يعتمدان بشكل أساسي على إخلاص نيتنا الداخلية.
نعم، قطعاً وبلا شك، الله سبحانه وتعالى عليم بكل النوايا، خفيها وظاهرها، وبكل ما يدور في أعماق قلب الإنسان. هذا من الأصول الإيمانية الراسخة في دين الإسلام الحنيف، وهو متجذر في أسماء الله الحسنى وصفاته العليا. لقد وصف الله تعالى نفسه في القرآن الكريم بصفات مثل «العليم» (الذي يعلم كل شيء علماً تاماً)، و«الخبير» (المطلع على بواطن الأمور ودقائقها)، و«السميع» (الذي يسمع كل شيء)، و«البصير» (الذي يرى كل شيء). هذه الصفات تُشير بوضوح إلى إحاطة الله الكاملة واللامحدودة بجميع جوانب الوجود، بما في ذلك أسرار وخفايا النفس البشرية، وأفكارها، ومشاعرها، والأهم من ذلك كله، نواياها. في الإسلام، تحتل النية (القصد والإرادة القلبية) مكانة عظيمة، وتُعد بمثابة روح العمل. فقد قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات». هذا الحديث الشريف يُبين أن قيمة العمل وأجره لا يتعلق بمظهره الخارجي فحسب، بل بالدافع والقصد الكامن وراءه. ففعل الخير للآخرين، ومساعدة المحتاجين، والجود، والإحسان، وكل عمل صالح نؤديه، إذا كان بنية خالصة ولوجه الله تعالى وحده، فإنه يكتسب قيمته الحقيقية وأجره الأخروي. أما إذا كانت النية غير ابتغاء مرضاة الله، كأن يكون الهدف من فعل الخير الرياء، أو التظاهر، أو طلب الشهرة، أو تحقيق مصالح مادية، فإن هذا العمل – وإن بدا خيراً في ظاهره – سيُحرم من القيمة المعنوية والأجر الأخروي عند الله. وقد أشار القرآن الكريم في آيات عديدة إلى هذه الحقيقة بأن الله يعلم ما في الصدور، ولا يخفى عليه شيء. إن علم الله بنوايا الإنسان هو مصدر طمأنينة ويقين، ومصدر خشية وتقوى في آن واحد. فمن جهة، يعلم المؤمن أنه إذا أقدم على عمل خير – مهما كان صغيراً – بنية خالصة، أو حتى إذا نوى خيراً ولم يتمكن من إتمامه، فإن الله عليم بذلك وسيثيبه عليه. وهذا يدفع الإنسان إلى السعي نحو الخير والإخلاص في كل الظروف، حتى في خلوته ووحدته، فلا يصيبه اليأس. فكثير من الناس قد لا يمتلكون الإمكانيات المادية أو الجسدية لتقديم مساعدات كبيرة وعلنية، ولكن بمجرد أن تكون نية المساعدة والإحسان خالصة في قلوبهم، وأن يُحسنوا إلى غيرهم بما تيسر لهم (ولو بكلمة طيبة أو دعاء مخلص)، فإن الله مُطلع على نيتهم الطاهرة ولن يُضيع أجرهم. ومن جهة أخرى، فإن هذا العلم الإلهي يُعد رادعاً قوياً للنوايا الفاسدة والمرائية. فالإنسان يعلم أنه لا يستطيع خداع الله أو التظاهر بالخير، بينما في باطنه قصد غير إلهي. وهذا الوعي يدفع الإنسان إلى تزكية نفسه وتطهير نيته، وأن تكون أعماله دوماً مصحوبة بالإخلاص والتقوى. إن كون الله عليماً بنياتنا يعني أنه الحكم الأعدل. فهو لا ينظر إلى الظواهر فحسب، بل يزن عمق القلب والدافع الحقيقي وراء كل عمل. وهذا يُعلمنا أن نركز دائماً على نوايانا، ونسعى لأن تنبع أعمالنا الصالحة من نبع صافٍ من الإخلاص والمحبة لله. كما أن هذا الوعي يُساعدنا على التعامل مع الآخرين بصدق وإخلاص نية، لأننا نعلم أن لا شيء يخفى عن علم الله الشامل. في الحقيقة، كلما كانت نيتنا أنقى وأخلص، كلما كان تأثير عملنا أعظم في الدنيا والآخرة. هذه النظرة توجّه حياة المؤمن نحو الكمال والقرب الإلهي، وتحميه من شوائب الشرك الخفي (الرياء وطلب السمعة). لذا، فإن الطمأنينة واليقين اللذين ينبعان من معرفة هذه الحقيقة يدفعان المؤمن إلى أداء عدد لا يحصى من الأعمال الصالحة، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، بنية طاهرة وخالصة، لأنه يعلم أن الثواب الحقيقي مرهون بهذه النوايا، وأن الله أعلم بما في قلوبنا منا بأنفسنا.
في قديم الزمان، طلب شيخ عارف من الناس أن يتقدم كل من نوى فعل خير للآخرين ويخبر عن نيته. تقدم رجل ثري وقال: «سأبني مسجداً كبيراً ليخلد اسمي، ويتذكرني الناس بالخير.» فهز الشيخ رأسه وبقي صامتاً. بعد ذلك، تقدمت امرأة عجوز فقيرة بخجل وقالت: «ليس لي مال لأتصدق بكثرة. ولكن الليلة الماضية، كان لدي جار جائع، فشاركته الطعام القليل الذي أملكه، ولم أطلب إلا أن يراني الله.» فنظر الشيخ إلى المرأة بابتسامة دافئة وقال: «إن الله الرحيم ينظر إلى نقاء النوايا أكثر مما ينظر إلى سعة الأيادي. ذلك الرجل الثري بنى صرحاً عظيماً جلب اسمه على ألسنة الناس، أما أنتِ أيتها السيدة، فقد رويتِ قلباً أجره عند الرب بلا حدود. لأن الله يحب الإحسان الخالص أكثر من أي شيء آخر، وهو عليم بكل نية، مهما كانت خفية.»