هل ينظر الله إلى نوايانا الخفية أم إلى أعمالنا الظاهرة فقط؟

نعم، الله سبحانه وتعالى لا يعلم فقط أعمالنا الظاهرة، بل هو مطلع تمامًا على نوايانا الخفية وما يدور في أعماق القلوب. القيمة الحقيقية لأعمالنا عنده تعتمد على الإخلاص ونقاء نوايانا.

إجابة القرآن

هل ينظر الله إلى نوايانا الخفية أم إلى أعمالنا الظاهرة فقط؟

في تعاليم القرآن الكريم السامية والمبادئ الأساسية للعقيدة الإسلامية، يُذكر بوضوح أن الله سبحانه وتعالى لا يعلم فقط بأعمالنا الظاهرة، بل هو مطلع تمامًا على جميع النوايا الخفية، والأفكار الداخلية، وما يدور في أعماق القلوب والصدور. هذه الحقيقة هي أحد الأركان الأساسية في معرفة الله وفهم عدله وحكمته. فالله هو 'العليم' و'الخبير'، بمعنى أنه لا يخفى عليه شيء، سواء كان ظاهرًا أم خفيًا. علمه يشمل جميع الكائنات، والأزمنة، والأماكن، وحتى أدق وساوس النفس والنوايا الداخلية للبشر. لقد أشار القرآن الكريم إلى هذا الأمر في آيات عديدة. فمثلاً، في سورة البقرة، الآية 284، يقول الله تعالى: «لِّلَّهِ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَمَا فِی الْأَرْضِ ۗ وَإِن تُبْدُوا مَا فِی أَنفُسِکُمْ أَوْ تُخْفُوهُ یُحَاسِبْکُم بِهِ اللَّهُ ۖ فَیَغْفِرُ لِمَن یَشَاءُ وَیُعَذِّبُ مَن یَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ.» هذه الآية تُصرح بأن ما نُظهره من أنفسنا أو نُخفيه، سيُحاسبنا الله عليه. هذا يعني أن النية وما يدور في نفس الإنسان له أهمية تعادل أو تفوق أهمية العمل الظاهر. كذلك، في سورة آل عمران، الآية 29، نقرأ: «قُلْ إِن تُخْفُوا مَا فِی صُدُورِکُمْ أَوْ تُبْدُوهُ یَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَیَعْلَمُ مَا فِی السَّمَاوَاتِ وَمَا فِی الْأَرْضِ ۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ.» هذه الآية تؤكد مرة أخرى أن ما يُخفى في الصدور أو يُظهر، كل ذلك في علم الله. هذه الآيات تعلمنا أن مجرد أداء عمل ظاهر لا يكفي؛ بل الروح والنية الكامنة وراء هذا العمل هي التي تمنحه قيمته الحقيقية. فالعمل الصالح، إذا لم يتم بنية خالصة لوجه الله، قد يكون عديم القيمة في نظر الله، بينما النية الصادقة لعمل الخير، حتى لو لم تتحقق بسبب عوائق خارجية، قد تُثاب عليها. هذا التركيز على النية يُبرز مفهوم 'الإخلاص' بشكل كبير في الإسلام. الإخلاص يعني أداء العمل خالصًا لوجه الله تعالى، والابتعاد عن كل مظاهر الرياء والتباهي. فالذي يقوم بعمل ما لكسب مدح الناس (رياء)، فإنه على الرغم من أنه قد قام بعمل جيد ظاهريًا، إلا أن نيته كانت لغير الله، لذا يُعتبر عمله بلا قيمة روحية. في المقابل، الفرد الذي يقوم بعمل ما في الخفاء وبنية خالصة، سيحظى بأجر عظيم عند الله. هذا ما ينعكس أيضًا في سورة البينة، الآية 5: «وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِیَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِینَ لَهُ الدِّینَ حُنَفَاءَ وَیُقِیمُوا الصَّلَاةَ وَیُؤْتُوا الزَّکَاةَ ۚ وَذَٰلِکَ دِینُ الْقَیِّمَةِ.» تُبين هذه الآية أن الغاية الأساسية من الخلق والتعاليم الدينية هي عبادة الله بإخلاص. إن علم الله بالنوايا له تأثير عميق على تهذيب النفس والتزكية الذاتية للإنسان. هذا الاعتقاد يدفع المؤمن ليس فقط إلى إصلاح ظاهره، بل إلى السعي الدائم لتطهير باطنه ونواياه. إنه يمنع النفاق والازدواجية، ويوجه الإنسان نحو الصدق الحقيقي مع ذاته ومع الله. لهذا السبب، تُعتبر أهمية النية في الإسلام إلى حد أنها أحيانًا تُعد أهم من العمل نفسه، لأن النية هي التي توجه الأعمال وتمنحها القيمة. في الختام، إن فهم أن الله ينظر إلى نوايانا الخفية يمنحنا السكينة والأمل. لأننا نعلم أنه حتى عندما تكون أعمالنا غير كاملة ظاهريًا أو تبقى غير مُنجزة، إذا كانت نيتنا نقية وصادقة، فالله يعلمها ولن يُضيع أجرها. هذه الخاصية من علم الله تُجسد عدالته المطلقة والخالية من العيوب؛ لأن حكمه لا يستند إلى المظاهر الخادعة، بل إلى الحقيقة الوجودية والباطن الحقيقي للأعمال.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أن رجلاً ثريًا ومتباهيًا ذات يوم بنى مسجدًا فخمًا، وتحدث عن عمله الصالح في كل حي وسوق، ليلتمس ثناء الناس. وفي نفس المدينة، كانت هناك امرأة عجوز فقيرة جدًا، اشترت سرًا خيطًا وإبرة من قوتها الضئيل. وفي زاوية خفية، قامت بترقيع ثوب ممزق لطفل يتيم ولم تتفوه بكلمة عن ذلك أبدًا. في تلك الليلة، رأت في منامها صوتًا يقول: «ذلك المسجد، رغم عظمته، لم يكسب سوى اسم في الأرض وكان أجره الحقيقي قليلًا، أما خيط وإبرة تلك المرأة، اللذان استُخدما بنية خالصة ودون أي توقع، من أجل رضانا، فقد سُجّلا في السماوات ورفعا منزلتها. نحن لا ننظر إلى حجم العمل، بل إلى إخلاص النية.»

الأسئلة ذات الصلة