نعم، الله على علم تام بدموع الإنسان، فهو العليم المطلق وأقرب إلينا من حبل الوريد، ولا يخفى عليه شيء.
إن الإجابة على سؤال ما إذا كان الله على علم بدموع الإنسان، عند التأمل في تعاليم القرآن الكريم، هي إيجابية بشكل قاطع ومليئة بالأمل والطمأنينة. فالقرآن يصف الله بأنه وجود عالمٌ ومدركٌ وبصيرٌ وسميعٌ مطلق، لا يخفى عليه شيء، سواء كان ظاهرًا أو خفيًا. الدموع، سواء كانت نابعة من الحزن والألم، أو من الخشوع والخوف من الله، أو من الندم والتوبة، أو حتى من الفرح والابتهاج، هي تعبير عميق عن الحالات الداخلية والمشاعر الإنسانية العميقة. إذا كان الله يعلم كل ورقة تسقط وكل حبة مستقرة في ظلمات الأرض، وإذا كان يعلم أسرار القلوب وهمسات النفوس، فكيف يمكن أن يكون غافلاً عن هذه الظاهرة الإنسانية العميقة، وهي الدموع؟ يؤكد القرآن الكريم في آيات عديدة على سعة علم الله المطلق. فمثلاً، في سورة الأنعام، الآية 59، يقول تعالى: "وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ۚ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۚ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ". هذه الآية تبين أن علم الله يشمل أدق التفاصيل في الوجود. فإذا كان سقوط ورقة أو وجود حبة ليس مخفياً عنه، فكيف يمكن أن تكون قطرة دمع تنبع من أعماق الروح خارج نطاق علمه؟ الدموع هي تجلٍ خارجي للمشاعر الداخلية، وبما أن الله يعلم ما في الصدور والقلوب، فهو بالتأكيد على علم تام بمظهرها الخارجي. وفي سورة ق، الآية 16، يقول الله تعالى: "وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ۖ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ". هذه القربى اللامتناهية من الإنسان تعني الوعي المطلق بجميع أحواله وأفكاره ومشاعره. فإذا كان الله أقرب إلينا من حبل الوريد، فكيف يمكن أن يكون غافلاً عن دمعة تسيل من أعيننا أو عن الألم الذي يسبب هذه الدمعة؟ هذه الآية تقدم صورة لحضور الله الدائم ووعيه اللامتناهي بعباده. هذه القربى تمنحنا الاطمئنان بأنه في لحظات الخلوة والعزلة، حتى عندما لا يشهد أحد حزننا أو فرحنا، فإن الله موجود وواعٍ دائماً. هذا الوعي الإلهي يوفر راحة عظيمة، لأنه يعني أن أعمق تجاربنا الشخصية معروفة ومفهومة من قِبل الخالق. علاوة على ذلك، يشير القرآن الكريم مرارًا وتكرارًا إلى صفات "السميع" و"البصير" لله تعالى. فالله يسمع الكلام الظاهر والهمس الخفي والدعوات الصامتة. والدمعة، في بعض الأحيان، هي بمثابة دعاء صامت؛ تعبير عن آلام غير معلن عنها لا يمكن التعبير عنها بالكلمات. عندما يسفك الإنسان دمعة في أوج اليأس أو الألم، فإن هذه الدمعة بحد ذاتها صرخة استغاثة أو إقرار بالضعف أمام القدرة الإلهية. "أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ" (النمل، 62). هذه الاستجابة تتطلب وعيًا كاملاً بحالة المضطر، بما في ذلك دموعه. صفاته سبحانه وتعالى السمع والبصر، تعني أن كل صوت، وكل مشهد، مهما كان صغيراً أو خاصاً، يقع ضمن علمه الشامل. في الثقافة القرآنية والإسلامية، تحمل الدموع معاني وقيمًا متعددة. فدموع الندم والتوبة هي علامة على عودة العبد إلى الله، وتدل على التواضع والندم. ودموع الخشوع والخوف من الله هي علامة على التقوى والبصيرة الروحية العميقة. ودموع المصيبة والألم تدل على ضعف الإنسان وحاجته إلى السند الإلهي. في كل هذه الحالات، الله مراقب وواعٍ. هذا الوعي الإلهي لا يعني مجرد المعرفة، بل يشمل الحضور والعناية والتدبير أيضًا. معرفة أن الله على علم بدموعنا تمنح الإنسان راحة البال والأمل. فيدرك الإنسان أنه في أوج وحدته وحزنه ليس وحده، وأن ربًا عليمًا رحيمًا يراقبه ومدرك لألمه. هذا الوعي الإلهي هو بحد ذاته مصدر عظيم للراحة والقوة، لأنه يطمئن العبد بأن لا ألم يذهب سدى ولا دمعة تضيع هباءً، فكل شيء مسجل ومعلوم لديه. وهذا الفهم لا يخفف عبء الحزن فحسب، بل يصبح دافعًا للمثابرة في طريق الإيمان والتوكل على الله. في النهاية، إن إدراك هذه الحقيقة بأن خالقنا على علم حتى بقطرة الدمع التي تسيل من أعيننا يعمق علاقتنا به ويقوي إيماننا وتوكلنا. فهو الذي يعلم كل شيء، فهو بالتأكيد على دراية تامة بالألم والمعاناة أو الفرح والخشوع الذي يسبب تدفق دموعنا.
في يوم من الأيام، كان درويش جالسًا في زاوية منعزلة، قلبه مثقل بالحزن وعيناه مليئتان بالدموع، يناجي ربه. كانت دموعه تتساقط باستمرار على خديه وهو ينوح على ذنوبه وتقصيره. مر رجل ثري بجانبه ورآه، لكنه قال في نفسه: "لماذا هذا المسكين مضطرب هكذا؟ ربما خسر دنياه، أو تعرض لظلم من أحد." ومضى دون اكتراث. لكن ذلك الدرويش لم يبكِ على خسارة دنيوية، ولا على ظلم من الخلق. كانت له حالة لا يعلمها إلا الله، ودموعه الصامتة لم يشهدها أحد إلا خالقه. فيما بعد، تبين أن هذا الدرويش قد وصل إلى مقام القرب الإلهي ونال سلامًا لا يوصف بفضل تلك الدموع الصادقة والتوبة من أعماق القلب. وما أجمل ما قاله السعدي البليغ: "كيف تدري ما في جوف قلبٍ موجعٍ؟ لا يعلم أسرار القلوب إلا الله الخفي." تعلمنا هذه القصة العذبة أن الله هو دائمًا الرائي لأخفى الأمور، والسامع لهمسات القلب، حتى لو لم تشهد عين إلا عينه، ولم تسمع أذن إلا أذنه؛ وإن وعيه هذا هو مصدر العزاء للقلوب المنكسرة.