هل للإنسان الحق في أن يطلب التفسير من الله؟

يمكن للإنسان أن يطلب التفسير من الله بشرط أن تكون نيته طلب العلم، وزيادة اليقين، وفهم أعمق للحكمة الإلهية، وليس الإنكار أو الاعتراض. يجب أن يكون هذا التساؤل مصحوبًا بالتواضع والاحترام، مع قبول أن بعض الحكم الإلهية قد تكون فوق إدراكنا.

إجابة القرآن

هل للإنسان الحق في أن يطلب التفسير من الله؟

إن مسألة ما إذا كان للإنسان الحق في أن يطلب التفسير من الله هي موضوع عميق وثر في تعاليم الإسلام والقرآن، ويتطلب فهمًا دقيقًا وشاملًا لعلاقة العبد بربه. للوهلة الأولى، نظرًا لمكانة الله السامية كخالق مطلق، ومدبر الكون، وعالم الغيب والشهادة، قد يبدو أن الإنسان، نظرًا لقيوده الوجودية، وعلمه الناقص، ومكانته كعبد، لا ينبغي له أن يضع نفسه في موقف يطلب فيه تفسيرًا من رب العالمين. ففي القرآن الكريم، يُعرّف الله نفسه بصفات مثل "العليم"، و"الحكيم"، و"الخبير"، و"البصير"؛ وهي صفات تدل على إحاطته الكاملة بكل شيء وعلمه اللامتناهي. في المقابل، الإنسان كائن علمه محدود، وإرادته ضمن دائرة القدرة الإلهية، والعديد من الحكم الإلهية محجوبة عنه. ومع ذلك، فإن المنظور القرآني لهذه المسألة أكثر تعقيدًا ومتعدد الأوجه. فالقرآن الكريم، وإن أكد على مقام الربوبية والعبودية، فإنه لم يغلق الباب أمام التساؤل البناء وطلب الفهم والحكمة. الكلمة المفتاحية في هذا السياق هي نية السؤال وطبيعته. فإذا كان السؤال من باب الإنكار، أو الجرأة، أو الشك في الحكمة الإلهية، أو تحدي لقدرة الله وإرادته، فإن مثل هذا السؤال قطعًا ليس حقًا فحسب، بل هو بعيد كل البعد عن آداب العبودية. فقد رد القرآن مرارًا وتكرارًا بإجابات حاسمة على من كانوا يسألون بنوايا سيئة أو لمجرد التماس الأعذار، ووبّخهم. أما إذا كان السؤال نابعًا من طلب العلم، أو لزيادة اليقين، أو لفهم أعمق للحكمة الإلهية، أو لكشف أسرار الخلق وسنن الله، فإنه ليس جائزًا فحسب، بل يمكن أن يؤدي إلى نمو الإنسان وسموه. توجد أمثلة عديدة في القرآن تظهر أن الأنبياء الصالحين والعباد الأتقياء قد طرحوا أسئلة على الله، وقد استجاب الله لهم. أحد أبرز هذه الأمثلة هو قصة النبي موسى (عليه السلام) والخضر (عليه السلام) في سورة الكهف. فالنبي موسى، وهو نبي عظيم القدر، لم يصبر على تصرفات الخضر التي بدت غريبة وغير مبررة، وطرح أسئلة مرارًا وتكرارًا، حتى كشف الخضر في النهاية عن الحكمة الخفية وراء تلك الأفعال، مبينًا أن وراء كل حدث يبدو سلبيًا، حكمة خيرية كامنة. تعلمنا هذه القصة أن الحكمة الإلهية أحيانًا تتجاوز فهمنا المحدود وعلينا أن نكون صبورين، ولكن في الوقت نفسه، طلب الفهم والمعرفة، طالما أنه لا ينبع من الإنكار والاعتراض، ليس محظورًا. كانت هذه الأسئلة في الواقع أسئلة للتعلم والفهم الأعمق، وليست اعتراضًا على الله. مثال آخر هو طلب نبي إبراهيم (عليه السلام) من الله أن يريه كيف يحيي الموتى. فسأل الله إبراهيم: "أَوَلَمْ تُؤْمِن؟" فأجاب إبراهيم: "بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي" (البقرة: 260). تشير هذه الآية إلى أن طلب المشاهدة والفهم الملموس لزيادة طمأنينة القلب واليقين ليس محظورًا فحسب، بل لقي اهتمامًا من الله وتمت الإجابة عليه. لم تكن نية إبراهيم الشك، بل الرغبة في زيادة البصيرة والطمأنينة. وعلاوة على ذلك، في سورة البقرة، الآية 30، عندما أعلن الله للملائكة أنه سيجعل في الأرض خليفة، تساءلت الملائكة: "أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ". يوضح هذا الحوار أنه حتى الملائكة، مع مراعاة الأدب، يمكنهم طرح أسئلة حول الحكمة الإلهية، على الرغم من أن الإجابة النهائية بيد الله. توضح هذه الأمثلة شكلًا من أشكال الاستفسار الذي يحركه السعي وراء معرفة وفهم أعمق، وليس التحدي أو الشك. لذلك، يمكن القول إن للإنسان الحق في طلب التوضيح من الله، ولكن هذا الحق مشروط بمراعاة بعض المبادئ والآداب: يجب أن تكون النية خالصة (طلب العلم والفهم، لا الإنكار أو الاعتراض)، ويجب أن يكون السؤال بتواضع وأدب، ويجب على الإنسان أن يتقبل أن الإجابة النهائية والكاملة على العديد من الأسئلة قد تكون خارج نطاق فهمه أو قد تُكشف في وقت لاحق (مثل يوم القيامة). هذا النوع من التساؤل، في الواقع، جزء من مسار النمو الروحي والتقرب إلى الله، مما يدفع الأفراد إلى التفكر في الخلق والتدبر في آيات الله. في النهاية، يجب أن نؤمن بأن الله لا يظلم أحدًا أبدًا، وأن جميع أفعاله مبنية على الحكمة والعدل المطلقين، حتى لو كان فهمنا لها ناقصًا. يشكل هذا الاعتقاد أساس السكينة والتسليم لإرادة الله، وهي أعلى مراحل العبودية.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يُروى أن رجلًا حكيمًا، في سيره، وصل إلى مدينة كان أهلها يعانون من قلة المطر والرزق. فقال رجل منهم بشكوى وتذمر شديدين: "يا شيخ، لماذا ابتلينا الله بهذا؟ ما الحكمة من هذا الجفاف؟" ابتسم الشيخ وقال: "يا صديقي، هل تطلب تفسيرًا من كل صانع لعمله؟ هو رسام ماهر، وأنت لا ترى إلا جزءًا صغيرًا من لوحته العظيمة. هل تظن أنك أعلم من الخالق بحكمة الأمور؟ أحيانًا يكون الابتلاء للنمو والفهم، وليس مجرد عقاب. كما سأل تلميذ أستاذه: 'لماذا حللت هذه المسألة بهذه الطريقة؟' فقال الأستاذ: 'لأنك لم تبلغ بعد مرحلة الفهم الكامل؛ فاقبل واجتهد حتى تدرك الأسرار بنفسك.' لذا، من الحسن أن نتحلى بالتواضع أمام الحكمة الإلهية، ونعلم أنه هو الأعلم والأحكم، وأن كل ما يفعله يكمن فيه مصلحة قد لا تُدرك اليوم، ولكنها ستتكشف في المستقبل القريب أو في الآخرة. السلام يكمن في القبول، لا في الجدال مع القدر.

الأسئلة ذات الصلة