يستخدم بعض الناس الإيمان كأداة لكسب المنافع الدنيوية مثل السلطة والثروة والشهرة. يدين القرآن الكريم هذا السلوك بشدة ويعتبره نفاقاً ورياءً وبيعاً لآيات الله بثمن قليل، وهو ناتج عن ضعف الإيمان وتفضيل الدنيا على الآخرة.
على مر التاريخ البشري، ومن خلال إطلالة على التعاليم النيرة للقرآن الكريم، يتبين أن بعض الأفراد، بدلاً من أن يتخذوا الإيمان مساراً حقيقياً للقرب الإلهي وتزكية النفس والسعادة الأخروية، قد حوّلوه إلى أداة لتحقيق أهداف دنيوية ومصالح شخصية. هذه الظاهرة، التي وصفت في القرآن بكلمات مثل "النفاق" و"الرياء" و"بيع آيات الله بثمن قليل"، تدل على انحراف عميق عن الهدف الأساسي للدين. فالقرآن يدين بوضوح وصراحة مثل هذه السلوكيات ويحذر من عواقبها الوخيمة في الدنيا والآخرة. أحد الأسباب الرئيسية التي تدفع الأفراد إلى استخدام الإيمان كأداة هو ضعف الإيمان الحقيقي أو انعدامه في قلوبهم. الإيمان الحقيقي يعني التصديق القلبي والعمل بالجوارح، مصحوباً بالإخلاص والتقوى. ولكن أولئك الذين إيمانهم ضعيف أو لا إيمان لديهم على الإطلاق، قد يستغلون المظهر الخارجي للدين والشعائر الدينية لتحقيق مكاسب دنيوية. يمكن أن تشمل هذه المكاسب: اكتساب السلطة السياسية، النفوذ الاجتماعي، الثروة المادية، أو حتى الشهرة والاحترام بين الناس. يصف القرآن الكريم هذه الحالة ببراعة في سورة المنافقون (الآيات 1-2): "إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ. اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ ۚ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ". هذه الآيات توضح أن النفاق ليس مجرد تظاهر بالإيمان، بل هو استخدام الإيمان لإضلال الآخرين عن سبيل الله وتحقيق أهدافهم الفاسدة. فهم يشهدون كذباً على رسالة النبي للاستفادة من مزايا الانتماء إلى مجتمع المؤمنين، بينما لا يحملون في بواطنهم إيماناً حقيقياً. سبب آخر هو "الرياء" أو التفاخر. الرياء يعني أداء الأعمال الصالحة لكسب نظر الناس وثناءهم، وليس ابتغاء مرضاة الله. هذا المرض الروحي يفرغ العبادة من جوهرها الأصيل ويحولها إلى مجرد استعراض لكسب المصداقية الاجتماعية. في سورة الماعون (الآيات 4-6) يقول الله تعالى: "فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ، الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ". هذه الآيات تبين بوضوح أن حتى الصلاة، وهي عماد الدين، إذا أُدّيت بنية الرياء، فإنها لا قيمة لها فحسب، بل تستحق الذم و"الويل" (العذاب). يسعى هؤلاء المرائون، من خلال أعمالهم التي تبدو صالحة، إلى مكانة اجتماعية، أو نفوذ بين الناس، أو حتى كسب مالي، بينما قلوبهم خالية من الروحانية. فهم بخداع أنفسهم والآخرين، يبتعدون عن حقيقة الإيمان ويتعلقون فقط بالجوانب الظاهرية واستغلالها مادياً. قد يظهر هؤلاء أقصى درجات التدين لتمييز أنفسهم عن الآخرين، وبالتالي كسب ثقة الناس لتحقيق أهدافهم الدنيوية. كما يشير القرآن إلى ظاهرة "بيع آيات الله بثمن قليل"، وهو ما يعني تحريف معاني الدين، أو السكوت عن الظلم، أو إصدار فتاوى خاطئة لتحقيق مصالح دنيوية. تحدث هذه الظاهرة بشكل رئيسي بين بعض من يدّعون العلم وبعض القائمين على أمور الدين، الذين يكتمون أو يحرفون حقائق الدين لإرضاء أصحاب السلطة أو لكسب الثروة. في سورة البقرة (الآية 41) نقرأ: "وَآمِنُوا بِمَا أَنزَلْتُ مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ وَلَا تَكُونُوا أَوَّلَ كَافِرٍ بِهِ ۖ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ". هذه الآية والآيات المشابهة توبخ بشدة أولئك الذين يحرفون أو يكتمون الحقائق الإلهية مقابل متاع قليل من الدنيا. هذا الاستغلال للدين، بالإضافة إلى كونه خيانة للرسالة الإلهية، يؤدي أيضاً إلى ضلال المجتمع وانحرافه. هؤلاء الأفراد، من خلال إساءة استخدام مواقعهم الدينية، يروجون لأفكار أو أعمال لا تتوافق مع روح الإسلام فحسب، بل تخدم مصالحهم الشخصية أو مصالح جماعة معينة. وهذا العمل، بالإضافة إلى إفساد آخرتهم، يؤجج أيضاً عدم الثقة العامة في الدين والقائمين عليه، وهو أحد أكبر الأخطار الاجتماعية. في الختام، يكمن جذر هذا الاستغلال في الأولويات الخاطئة للبشر. فعندما يطغى حب الدنيا والمال والسلطة والطموح على حب الله والآخرة، يفرغ الإيمان من جوهره ويتحول إلى قشرة بلا محتوى لتحقيق أهداف دنيوية فانية. يدعو القرآن الكريم مراراً وتكراراً البشر إلى تذكر الهدف الأساسي من الخلق ودوام الآخرة مقابل فناء الدنيا لمنع هذه الانحرافات. في الواقع، أي استغلال للدين لأهداف غير مرضاة الله والخلاص، هو نوع من استخدام الإيمان كأداة، والذي لا يعود بالنفع الحقيقي على الفرد فحسب، بل يغرقه في العذاب والمصاعب الدنيوية والأخروية. الإيمان الحقيقي هو نور يضيء القلب ويمهد الطريق للأعمال الصالحة والتقوى، وليس وسيلة لإخفاء الحقائق وتحقيق أغراض شيطانية. تتطلب هذه الظاهرة يقظة ووعياً من المجتمع حتى لا يخدعوا بمظهر المتدينين المرائين، وأن يبحثوا دائماً عن الحقيقة بناءً على المعايير والتعاليم القرآنية الأصيلة.
يُحكى أنه في قديم الزمان، كان هناك تاجر ثري ولكن بخيل، ولينال احترام الناس ويخفي طمعه، اتخذ مظهراً شديد التدين. كان يجلس دائماً في الصف الأول بالمسجد، يتلو الأدعية بصوت عالٍ ويتحدث عن التقوى في المجالس. ذات يوم، قال له أحد أصدقائه الذي كان يعرفه جيداً، بابتسامة: "يا صاحبي، تعرض أسنانك كاللآلئ والجواهر، ولكن فمك ينبعث منه رائحة البخل الكريهة! دعواتك تخرج من لسانك لا من قلبك. لقد استخدمت الإيمان لا لله، بل لجذب أنظار الناس لتحقيق الربح، ولكن اعلم أن القلوب حراس الله، وسرعان ما ستُكشف الأسرار." خجل التاجر من سماع هذه الكلمات وأدرك أن أفعاله المرائية لن تخفى على الأذكياء. هذه القصة تذكير بأن المظاهر واستخدام الدين كأداة، على الرغم من أنه قد يخدع الناس لبعض الوقت، إلا أن الحقيقة ستتكشف في النهاية ولن يجلب لصاحبه سوى الخسارة، لأن الإخلاص في النية والتقوى الحقيقية فقط هما ما لهما قيمة عند الله.