لماذا تبدو بعض السلوكيات حسنة ظاهريًا ولكن نواياها فاسدة؟

يؤكد القرآن على أهمية النية في الأعمال؛ فالسلوكيات الحسنة ظاهريًا ذات النوايا الفاسدة، مثل الرياء والنفاق، لا قيمة روحية لها وترفضها الله لأنه ينظر إلى جوهر الأفعال.

إجابة القرآن

لماذا تبدو بعض السلوكيات حسنة ظاهريًا ولكن نواياها فاسدة؟

في المنهج الإسلامي الشامل والعميق، تحتل النية والقصد الداخلي للإنسان مكانة لا مثيل لها وأهمية جوهرية. فقد قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم: 'إنما الأعمال بالنيات'. هذا المبدأ الأساسي هو الفارق الجوهري بين الأفعال التي تمتلك شكلاً جميلاً وخيرياً ظاهريًا، ولكنها تنبع من مصدر فاسد، والأفعال التي تُؤدى بإخلاص وطهارة لوجه الله تعالى. يؤكد القرآن الكريم بوضوح أن الله لا ينظر إلى ظاهر الأعمال، بل إلى باطنها والقصد من ورائها. هذا المفهوم لا يقتصر على العبادات الفردية فحسب، بل ينسحب على جميع مجالات الحياة الاجتماعية والعلاقات الإنسانية. من أبرز الأمثلة على السلوكيات الحسنة ظاهريًا ولكن ذات النوايا الفاسدة هو الرياء. الرياء يعني أداء عمل صالح ليراه الناس ويمدحوا فاعله، وليس لابتغاء مرضات الله. قد يصلي المرائي، ويصوم، ويتصدق، أو حتى يجاهد في سبيل الله، ولكن دافعه الأساسي هو جذب الانتباه، أو كسب المكانة الاجتماعية، أو تحقيق منفعة دنيوية. لقد حارب القرآن الكريم الرياء بشدة في آيات متعددة. على سبيل المثال، في سورة البقرة، الآية 264، يشبه الله تعالى الذين ينفقون أموالهم رئاء الناس بالأرض التي يغطيها تراب خفيف، وعندما يهطل عليها مطر غزير، يجرف كل شيء ولا يبقى منها شيء. هذا التشبيه يوضح أن الأعمال التي تُؤدى بنية الرياء لا قيمة لها ولا ثواب لها عند الله، ومنافعها الدنيوية أيضًا غير مستقرة وبلا قيمة. هذا النوع من السلوك يزعزع ثقة المجتمع ويجعل الناس ينظرون تدريجياً إلى كل عمل خيري بشك وريبة، لأنهم لا يعلمون نية الفاعل الحقيقية. جانب آخر من هذه الظاهرة هو النفاق. النفاق هو حالة يظهر فيها الفرد الإيمان والموالاة ظاهريًا، بينما يخفي في باطنه الكفر، أو العداوة، أو اللامبالاة. يُعتبر المنافقون من أخطر أعداء الدين والمجتمع؛ لأنهم يطعنون من الخلف تحت قناع الصداقة والإيمان. يتناول القرآن الكريم في سورة المنافقون وأجزاء من سورتي البقرة والنساء بالتفصيل خصائص النفاق وعواقبه. يضع الله المنافقين في الدرك الأسفل من النار، لأن ضلالهم وفسادهم لا يقتصران على أنفسهم، بل يضران بالمجتمع. يمكن أن يظهر السلوك المنافق في شكل مساعدات ظاهرية، أو كلمات لطيفة، أو حتى المشاركة في الأعمال الخيرية، ولكن هدفه النهائي هو إضعاف الآخرين، أو الخداع، أو تحقيق أهداف شخصية خبيثة. هؤلاء الأفراد، بمظهرهم الحسن، يمكن أن يخدعوا البسطاء ويمضوا في خططهم الشريرة. الفرق بين الرياء والنفاق هو أن الرياء يظهر أكثر في مجال العبادات والأعمال الفردية، بينما النفاق له جانب عقائدي وسياسي أكبر، ويعني إظهار الإيمان وإخفاء الكفر. يؤكد القرآن مرارًا وتكرارًا أن الله عليم بالغيب والخفايا والظواهر. فلا تخفى عليه أية نية، مهما تعمقت في القلب. هذه المعرفة الإلهية المطلقة تجعل أعمال البشر تُحاسب بناءً على نواياهم. حتى لو كان العمل صالحًا في ظاهره، فإذا كان مدفوعًا بالكبر، أو الحقد، أو الحسد، أو السعي وراء منفعة شخصية، فإنه لن يكون له قيمة في الميزان الإلهي. هذا التعليم يضع مسؤولية عظيمة على عاتق الإنسان بأن لا ينتبه لأفعاله فحسب، بل لقصدها ونيتها، وأن يسعى دائمًا لتطهير قلبه وروحه من الشوائب الباطنية. يتطلب هذا التطهير معرفة ذاتية عميقة، ومجاهدة النفس الأمارة بالسوء، والاستعانة بالله تعالى. يجب على الإنسان أن يحرص دائمًا، حتى في أداء أعمال الخير، على أن تكون دوافعه ونواياه خالصة لوجه الله تعالى فقط، لا لكسب الشهرة، أو السلطة، أو الثروة. أهمية هذا الأمر بالغة لدرجة أنه ورد في حديث قدسي أن الله يقول: 'إني أنظر إلى قلوبكم وأعمالكم'. وهذا يدل على وجود ارتباط وثيق ومباشر بين النية الطيبة وقبول العمل عند الله. لذلك، حتى لو كان ظاهر العمل خيرًا، ولكن خفي وراءه باطن فاسد ونية غير إلهية، فإنه لا يؤدي إلى التقرب من الله فحسب، بل قد يؤدي إلى البعد عن الحق تعالى والعقاب أيضًا. هذه هي الحكمة الإلهية التي تعلم الإنسان أن الفضيلة الحقيقية تكمن في إخلاص النية وطهارة القلب، وليس في المظاهر الخارجية الخادعة التي قد تضلل الكثيرين وتؤدي إلى تدهور القيم الأخلاقية والروحية في المجتمع.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

في غابر الزمان، عاش تاجر ثري في مدينة كبيرة، كان يبدو ظاهريًا تقيًا وكريمًا للغاية. بنى مساجد فخمة وساعد الفقراء، لدرجة أن اسمه كان على كل لسان، وكان الجميع يثني عليه. لكن في خلوته، لم تكن نيته الحقيقية إرضاء الله، بل كسب الشهرة والنفوذ ليتمكن من ممارسة تجارته بشكل غير قانوني والتهرب من الضرائب. ذات يوم، مرّ عارف بصير بجانب مسجده حديث البناء. طلب منه الناس أن يدعو للتاجر بالخير. ابتسم العارف وقال: «لهذا البناء ظاهر جميل، لكن جدرانه مبنية على أسس واهية، و نية بانيه، بدلاً من نور الإيمان، مليئة بالدخان والخداع. الأعمال التي تُؤدى للظهور مثل الكتابة على الماء، لا تترك أثرًا دائمًا، سوى الحسرة والندم.» هذه الكلمات من العارف جعلت التاجر يفكر عميقًا، وأدرك أن ما له قيمة حقيقية عند الله هو طهارة القلب والنية الصادقة، وليس مجرد المظهر الخادع للأعمال.

الأسئلة ذات الصلة