لتقديم المساعدة الحقيقية للآخرين، اعمل بنية خالصة لوجه الله، أنفق من أفضل ما تملك، حافظ على كرامة المحتاج، وتعاون في كل أشكال الخير، من المساعدة المالية إلى الفكرية.
في تعاليم القرآن الكريم الغنية، لا تُعد مساعدة الآخرين مجرد عمل فاضل فحسب، بل هي واجب إيماني وعلامة على كمال الإنسانية. إن تحقيق 'المساعدة الحقيقية' للآخرين يتجاوز مجرد تلبية حاجة مادية؛ بل يشمل نهجًا شاملاً، يرافقه النية الخالصة، احترام كرامة الإنسان، وفهم عميق لطبيعة الاحتياجات. يرشدنا القرآن نحو نهج تكون فيه المساعدة ركيزة من ركائز المجتمع الإسلامي وطريقًا للتقرب إلى الله. الركن الأول والأكثر أهمية في المساعدة الحقيقية هو 'النية الخالصة'. يؤكد الله في آيات عديدة أن كل عمل، وخاصة الإنفاق ومساعدة الآخرين، يجب أن يكون فقط لابتغاء وجهه، دون أي توقع مادي أو رغبة في الشكر والثناء من الناس. في سورة الإنسان، الآية 8 و 9، يقول تعالى: "وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا." توضح هذه الآيات جليًا أن المساعدة الحقيقية تحدث عندما يكون قلب الإنسان ونيته نقيين وخاليين من أي أنانية أو رياء. إذا كانت مساعدتنا مصحوبة بالرغبة في المباهاة، أو الشهرة، أو المكافأة الدنيوية، فإنها تفقد قيمتها الروحية وتتحول إلى غاية دنيوية. المساعدة الحقيقية هي المساعدة التي تُقدم دون مِنّة أو توقع، طالبين أجرها فقط من الله تعالى. الجانب الثاني من المساعدة الحقيقية هو 'شموليتها وتنوعها'. لا تقتصر مساعدة الآخرين على المساعدة المالية وحدها. فالقرآن الكريم وسنة النبي الأكرم (صلى الله عليه وسلم) يشجعان على مجموعة واسعة من المساعدات. يمكن أن تشمل هذه المساعدات: المساعدات المادية (مثل الزكاة، الصدقة، القرض الحسن)، المساعدات الجسدية والبدنية (مثل المساعدة في حمل الأمتعة، المساعدة في الأعمال، التواجد في الكوارث)، المساعدات العاطفية والنفسية (مثل المواساة، الاستماع إلى المشاكل، التعاطف)، المساعدات الفكرية والتعليمية (مثل تعليم مهارة، تقديم المشورة، نشر المعرفة)، وحتى المساعدات الاجتماعية والسياسية (مثل الوقوف ضد الظلم، الدفاع عن حقوق المظلومين). في سورة المائدة، الآية 2، يقول تعالى: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ." هذه الآية تحدد مبدأ عامًا بأن المؤمنين يجب أن يكونوا عونًا وسندًا لبعضهم البعض في كل أنواع الخير والفضيلة، سواء كانت مادية أو معنوية. النقطة الثالثة هي 'الجودة وتقديم الأفضل'. يشجعنا القرآن على الإنفاق مما نحب ومما هو من أطيب أموالنا. في سورة البقرة، الآية 267، نقرأ: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ." تذكرنا هذه الآية بأن المساعدة الحقيقية هي أن نقدم أفضل وأحب ممتلكاتنا في سبيل الله ومن أجل مساعدة الآخرين، وليس ما هو فائض أو عديم القيمة. هذا الفعل يظهر الكرم الحقيقي والإيمان العميق. النقطة الرابعة الحاسمة في المساعدة الحقيقية هي 'الحفاظ على كرامة وشرف الشخص المحتاج'. يجب ألا تكون المساعدة مصحوبة بالمن أو الإهانة أو كشف ستر الشخص. ينهى القرآن بشدة عن أولئك الذين ينفقون ثم يبطلون أجرهم بالمن والأذى. سورة البقرة، الآيتان 262 و 264، تعبر عن هذا بشكل جميل. المساعدة الحقيقية تُقدم بطريقة لا يشعر معها المتلقي بالخجل أو الذل، بل تُحفظ كرامته وقيمته الإنسانية. ويشمل ذلك احترام خصوصيتهم، التحدث بلطف، وتجنب أي سلوك يقلل من شأنهم. البعد الخامس للمساعدة الحقيقية هو 'الأثر طويل المدى والتمكين'. في كثير من الحالات، تعني المساعدة الحقيقية توفير الأدوات للاستقلال والاكتفاء الذاتي للشخص المحتاج، وليس مجرد تخفيف مؤقت للحاجة. يمكن أن يشمل ذلك توفير فرص التعليم، التدريب المهني، أو رأس مال صغير لبدء عمل تجاري. الهدف النهائي هو إخراج الفرد من دائرة الحاجة وتحويله إلى عضو فعال ومنتج في المجتمع. أخيرًا، يوعد القرآن الكريم بمكافآت عظيمة في الدنيا والآخرة لأولئك الذين يقدمون المساعدة الحقيقية للآخرين. في سورة البقرة، الآية 261، يقول تعالى: "مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ." تقدم هذه الآية صورة جميلة لبركة الله ومكافأته اللامحدودة. مساعدة الآخرين هي في الواقع مساعدة للنفس، فكل خير نفعله يعود إلينا، في الدنيا والآخرة. هذه المساعدة لا تغير حياة الفرد المحتاج فحسب، بل تطهر وتنير روح وقلب المساعد أيضًا، وتجعله أكثر ثباتًا على طريق رضا الله. لذلك، لتقديم المساعدة الحقيقية، يجب أن يتجه المرء نحو المحتاجين بقلب مليء بالإخلاص، ويد مليئة بالكرم، ونهج شامل يحفظ الكرامة، وأن يؤمن بأن هذا الطريق هو طريق التقرب إلى الله والسعادة الحقيقية.
جاء في گلستان سعدي أن ملكًا كان يسير مع وزيره الذكي في رحلة. وفي إحدى الليالي، رأى الملك رجلاً يجلس وحيدًا بجوار نار، يأكل طعامًا بسيطًا. قال الملك لوزيره: "يا وزير، في رأيك، ما الذي يجعل هذا الرجل سعيدًا على الرغم من أنه لا يملك منصبًا ولا مالاً كثيرًا؟" ابتسم الوزير وقال: "يا سيدي، راحة قلبه تكمن في مساعدة الآخرين. كلما رفع عبئًا عن كاهل أحد أو أزال حزنًا من قلب، فكأنما وجد كنزًا. إنه لا يسعى للمدح ولا يفكر في المكافأة، بل يفكر فقط في رضا الخالق. هذا هو الكنز الحقيقي الذي يغني القلب." أخذ الملك العبرة من هذا القول وأدرك أن المساعدة الحقيقية ليست في الظاهر من العطاء، بل في الباطن من الإخلاص ونورانية القلب.