لماذا تبقى بعض كلماتي غير منطوقة أحيانًا؟

القرآن يوضح أن الكلمات قد تبقى غير منطوقة أحيانًا بسبب الحكمة والبصيرة لتجنب الفتنة، وأحيانًا بسبب الخوف أو عدم اليقين أو النفاق، والتي يمكن التغلب عليها بالتوكل على الله والصدق.

إجابة القرآن

لماذا تبقى بعض كلماتي غير منطوقة أحيانًا؟

عند مواجهة السؤال: لماذا تبقى بعض كلماتنا غير منطوقة أحيانًا، ولا نستطيع التعبير عما يدور في أذهاننا أو قلوبنا؟ يقدم القرآن الكريم إرشادات عميقة ومتعددة الأوجه. هذه ليست مجرد مسألة نفسية؛ بل من المنظور القرآني، تشمل أبعادًا أخلاقية ونفسية واجتماعية وحتى توحيدية. يعتبر القرآن اللغة والكلام نعمة عظيمة وهبة إلهية تضع مسؤولية جسيمة على عاتق الإنسان. كل كلمة ينطق بها تسجل عند الله، كما جاء في سورة ق، الآية 18: «مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ» (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد). هذه الآية وحدها كافية لتجعلنا ندرك مدى أهمية وتأثير كلامنا، وهذا الوعي قد يكون بحد ذاته سببًا للحذر والصمت. أحد الأسباب التي يشير إليها القرآن، والتي يمكن أن تؤدي إلى عدم التعبير عن بعض الكلمات، هو 'الحكمة' و'البصيرة'. يؤكد القرآن مرارًا على ضرورة الكلام الطيب اللين والمؤثر. ففي سورة البقرة، الآية 83، يقول: «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا» (وقولوا للناس حسنا). كما يؤكد في سورة الإسراء، الآية 53: «وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ ۚ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا» (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن ۚ إن الشيطان ينزغ بينهم ۚ إن الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا). هذه الآيات تدل على أن معيار الكلام يجب أن يكون 'الأحسن' و'الطيب'. أحيانًا، الكلمة التي في الذهن، وإن كانت حقًا، قد تؤدي إلى ضرر وفتنة إذا قيلت في غير وقتها أو مكانها المناسب، أو بطريقة غير صحيحة، بدلًا من تحقيق الفائدة. في هذه الحالات، تقتضي الحكمة أن يلزم الشخص الصمت أو أن يعدل كلامه. هذا الصمت ليس ناتجًا عن ضعف، بل هو عين القوة والتحكم بالنفس والبصيرة. سبب آخر قد يتعلق بـ'الخوف'، ولكن ليس الخوف من الناس، بل الخوف من الله وعواقب الكلام. أحيانًا يمتنع الإنسان عن الكلام خشية أن يؤدي كلامه إلى إثم كالغيبة أو النميمة أو الكذب أو الشتم. وقد نهى القرآن بشدة عن هذه الذنوب اللسانية. فمثلًا، في سورة الحجرات، الآية 12، يقول: «وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ» (ولا يغتب بعضكم بعضا ۚ أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه). هذا النهي الشديد يشكل حافزًا قويًا للتحكم باللسان وترك الكلمات التي قد تضر بسمعة الآخرين أو تخلق فتنة. بالإضافة إلى ذلك، في بعض الحالات، يمكن أن يكون 'عدم الوضوح أو اليقين' في الكلام سببًا لعدم التعبير عنه. يوصي القرآن المؤمنين بالتحقق والتأكد عند نقل الأخبار. ففي سورة الحجرات، الآية 6، يقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ» (يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين). هذه النصيحة لا تنطبق على نقل الأخبار فحسب، بل على أي نوع من الكلام الذي قد يؤثر على الآخرين. فإذا لم يكن لدى الفرد يقين أو معلومات كافية حول موضوع ما، فإن التزام الصمت وعدم الإفصاح عن تلك الكلمات هو عمل حكيم ويتوافق مع تعاليم القرآن، لتجنب الندم في المستقبل. وأحيانًا، يعود السبب إلى 'النفاق' أو عدم الصدق الداخلي. فقد يؤمن الإنسان بشيء أو يشعر به داخليًا، ولكن بسبب الخوف من حكم الناس، أو فقدان المكانة، أو المصالح الدنيوية، لا يستطيع أن ينطق بالحق. يدين القرآن بشدة النفاق والازدواجية، ويوصي المؤمنين بأن يتوافق ما في قلوبهم مع ما ينطقون به، إلا في الحالات التي تقتضي فيها الحكمة الإلهية الصمت. ففي سورة الأحزاب، الآية 70، يقول: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا» (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا). 'القول السديد' يعني الكلام القويم والصادق والصحيح الذي ينبع من نية خالصة. فإذا لم ينبع الكلام من نية خالصة وحقيقة داخلية، فقد نصاب بالتردد أو التعثر في التعبير عنه. في الختام، يقدم القرآن حلولًا لتعزيز القدرة على قول الحق والتغلب على المعيقات. 'التوكل على الله' هو أحد أهمها. فعندما يعلم الإنسان أن الله وحده هو حافظه وأنه لا ينبغي أن يخاف من أي قوة سواه، تزداد جرأته على قول الحق. ففي سورة آل عمران، الآية 173، جاء: «حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ» (حسبنا الله ونعم الوكيل). كذلك، الدعاء والاستعانة بالله لفك العقدة عن اللسان وقوة البيان، مثل دعاء النبي موسى (عليه السلام) في سورة طه، الآيات 25-28: «رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِّن لِّسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي» (رب اشرح لي صدري ويسر لي أمري واحلل عقدة من لساني يفقهوا قولي)، يدل على الأهمية والتأثير الروحي في إزالة هذه العوائق. بناءً على ذلك، فإن عدم القدرة على قول بعض الكلمات يمكن أن يكون له جذور مختلفة؛ أحيانًا ينبع من الحكمة والبصيرة، وأحيانًا من تحديات داخلية مثل الخوف أو عدم الإخلاص، والتي يمكن التغلب عليها بالتقوى والتوكل والدعاء.

الآيات ذات الصلة

قصة قصيرة

يروى أن أستاذًا بارعًا في فن الخطابة، كانت كلماته منسوجة بخيوط الحكمة، اختار الصمت ذات يوم بين طلابه. سأله تلاميذه بدهشة: «يا أستاذ، أنت الذي تستطيع أن تخلق أجمل الكلمات، لماذا تفضل أحيانًا أن تظل صامتًا، حتى عندما تكون هناك حاجة لقول الحق؟» ابتسم الأستاذ بلطف وأجاب: «أعزائي، اللسان سيف حاد؛ يمكنه أن يشق طريق الحق، ولكنه أيضًا يستطيع أن يجرح القلوب البريئة. أحيانًا أمسك لساني ليس لأنني أفتقر إلى الكلمات، ولكن لأن تلك الكلمات، وإن كانت حقيقية، قد تسبب ضررًا أكبر من نفعها، أو لأن الأذن المستمعة ليست مستعدة بعد لاستقبالها. وأحيانًا أخرى، تتشكل عقدة من الخوف أو الشك في قلبي، وحينها أتوجه إلى الذات الإلهية لأستمد القوة، فبِنُورهِ فقط يمكن للمرء أن ينطق بكلمات الحق المطلق، غير مثقل بالخوف أو المصلحة الذاتية.» وهكذا، علمهم أن قوة الكلام لا تكمن فقط في نطقه، بل في توقيته، ونيته الصادقة، وفائدته النهائية.

الأسئلة ذات الصلة